مساهمة
ساطع نور الدين
ما دام وجود وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني في زيارة رسمية لعاصمة عربية لمدة ثلاثة ايام، صار خارج النقاش ولم يعد يثير اعتراض احد، فإنه ربما يجدر الدخول في بحث حول الخطاب الذي حملته الى الجمهور العربي، والذي لم يكن وليد المناسبة اوالصدفة، بل هو نتاج تحول جوهري في رؤية اسرائيل لنفسها ولموقعها ووظيفتها في المنطقة العربية.
وهذا الانتقال في النقاش من الشكل الى المضمون، لا يعني بالضرورة التسليم بأن اسرائيل حققت اختراقا جديدا للوعي العربي، او سجلت انتهاكا اضافيا للموقف السياسي العربي. فالتواصل مع دولة قطر قديم، وهو يرقى الى منتصف تسعينات القرن الماضي، وهو لم يمثل منذ ذلك الحين مكسبا دبلوماسيا اسرائيليا حاسما، نظرا لحجم الامارة الخليجية الصغيرة ودورها الذي وسعته محطة «الجزيرة» الفضائية، لكنها لم تمنحه حصانة كافية..
مع ذلك، فإن صور الوزيرة الاسرائيلية في الدوحة لا يمكن ان تكون محببة بأي شكل من الاشكال، مهما صارت مألوفة، وأيا كان التقييم العربي العام والفلسطيني خاصة، للوسيط القطري الذي سبق ان خاض الكثير من المغامرات السياسية الخطرة، والتي كان ابرزها دوره خلال الحرب الاسرائيلية الاخيرة على لبنان في العام 2006 ، ومساهمته في قرار مجلس الامن الدولي الرقم .1701
تلك الصور تعبر بطريقة او بأخرى عن ضعف ظاهر في الحساسية الخليجية عامة ، وليس القطرية فقط، تجاه اسرائيل، بعكس ما هي الحال مثلا على الطرف الآخر من العالم العربي، أي في بلدان المغرب حيث يبدو الموقف من العدو الاسرائيلي اكثر جذرية من أي وقت مضى، بل وأبعد من مواقف دول المشرق العربي نفسها.. والسبب واضح جدا، وهو ان المغاربة لا يشعرون بذلك الخطر الايراني الذي يترسخ يوما بعد يوم في اذهان الخليجيين جميعا.
من هذه الزاوية وحدها، يمكن النظر الى زيارة ليفني والنص الذي ألقته في مؤتمر الدوحة. من جهة، قالت قطر في استقبالها الوزيرة الاسرائيلية، مثلما يقول الخليج العربي كله، عدا السعودية، ان لديه خيارا اسرائيليا موازيا لايران. ومن جهة اخرى انتهزت اسرائيل الفرصة لكي تقول انها كانت ولا تزال تنتظر تلك اللحظة، التي تعود بذاكرتها وذاكرة العرب الى مرحلة التأسيس الاولى: الدولة اليهودية انشئت لكي تكون شريكا مباشرا في حماية النفط العربي وآباره واماراته.
لكن الغريب في نص ليفني انه لم يكن مركزا بشكل خاص على ايران والخطر الذي تمثله على الخليج العربي، ربما لانها التزمت بقواعد وآداب الخطاب الاميركي الراهن الذي لم يقطع حتى الآن شعرة معاوية مع طهران، ولن يقطعها على الارجح.. وهي لذلك لم تخاطر في استباق الخليجيين، او في استفزاز الايرانيين بالاعلان ان اسرائيل تقترب شيئا فشيئا من حدودهم البحرية!
بدلا من ذلك، كان خطاب ليفني اشبه بمساهمة اسرائيلية في النقاش الخليجي والعربي الداخلي، حول الاعتدال والتطرف، وحق الديموقراطيات في الدفاع عن نفسها في وجه الارهاب.. ولم يكن ينقصه سوى المشاركة في الجدل حول الاسلام المعاصر، وهو ما قد يرد في نصوص اسرائيلية لاحقة.
السفير