صفحات أخرى

بلدان التقليد تقفز قفزاً الى الحداثة

null

نشرت مجلة “نيوزويك” (13 أيار 2008) ملفاً عن التحولات التي تشهدها مدن الخليج العربي في كل من السعودية والإمارات وقطر وعُمان.

من الملف نقتطف:

جرأة دبي

تشع الصحراء بالأزهار، وتجري المياه عبر أنهر وجداول من صنع الإنسان. ويتساقط الثلج الاصطناعي على منحدرات مجهزة بمكيّفات. وفي شبه الجزيرة العربية المشبعة بالنفط، انبثقت مدن بكاملها من الرمال الجهنمية لتصل الى السماء. وإذا كان ما أنجز ما دون الجنة السماوية بأشواط، إلا أنه لا يزال مختلفاً جداً عن أي شيء آخر على وجه الأرض.

عندما سددت الحساب لمغادرة فندق ماريوت كورتيارد في العاصمة الكويتية أخيراً، كان عمال الاستقبال من الهند وروسيا والفلبين. وقد تعرفت الى سائق مركب يتنقل ذهاباً وإياباً في القنوات المائية الشبيهة بتلك التي نجدها في عالم ديزني بمجمع فندق مدينة الجميرة في دبي، وعلمت أنه بدأ حياته المهنية صياد سمك في ساحل السواحيلي في كينيا. إنها أماكن يخلق فيها الأجانب والسكان المحليون مزيجاً من المريح والغريب: في مراكز تجارية متلألئة لا تحصى، الأثواب البدوية والمجوهرات المترفة هي كلها جزء من المشهد الاستثنائي نفسه.

والتغير الدراماتيكي الذي عرفته الأعوام الـ20 الماضية هو كيف بدأت هذه المجتمعات الهجينة تستقطب السياح بعدما كانت ترحب فقط بالعمال في الجنة. جنت دبي المال في سبعينات القرن الماضي عبر توفيرها ملاذاً آمناً لمهربي الذهب. وفي ثمانينات القرن الماضي كانت تصلح السفن التي تعرضت لإطلاق النيران في الحرب الإيرانية العراقية. أما الآن فقد أصبحت من أولى الوجهات لتمضية العطل في العالم. وفي سبيل جذب الجماهير، اعتمدت على عوائدها النفطية المحدودة والثروات الأكبر بكثير التي تملكها الإمارات الأخرى، فأنشأت أماكن استقطاب رائعة وغير متوقعة مثل ملعب غولف يستهلك يومياً مليون غالون من المياه التي تمت تحليتها، من أجل الحفاظ على اخضرار العشب في القيظ الشديد لفصل الصيف. (اليوم، يبدو هذا الملعب “القديم” المعروف بـ”نادي الغولف الإماراتي” غريباً بعض الشيء. فهناك ملاعب أخرى أحدث عهداً في الجوار؛ وفي مختلف الأحوال تتفوق عليه جزر النخيل المجاورة المبنية في البحر).

واعتمدت العواصم النفطية الأخرى في المنطقة التي تملك كمية أكبر من النفط الخام، مقاربة أكثر بطئاً وتروياً لبناء الجنة. لا تتمتع أبوظبي بجرأة دبي لكن لطالما تميّزت بشيء من الرقي. تتزيّن طرقاتها السريعة بالأزهار ونوافير المياه على الجانبين، مع الحفاظ على الجمال الطبيعي لمياه البحر الضحلة الفيروزية اللون. وعندما عقدت أبوظبي العزم على بناء مكان مهيب للاستجمام بتفوق على دبي في فخامته، اختارت الهندسة المعمارية والتفاصيل الكلاسيكية. فكانت النتيجة قصر الإمارات الاستثنائي المطل على المياه والذي بلغت كلفته ثلاثة مليارات دولار أميركي. وفي إضافة ثقافية جميلة، أقنعت أبوظبي الفرنسيين بفتح فرع لمتحف اللور.

كم سيدوم هذا كله؟ في أجزاء أخرى من العالم، تشهد القصور المتداعية على تقلّبات الثروة النفطية. فقبل 100 عام، كانت مدينة باكو عند بحر قزوين تنتج نصف إمدادات النفط في العالم. وكانت مركزاً شهيراً للبذخ والترف. وبعد مرحلة طويلة من التراجع في ظل السوفييت، تصبح عاصمة أذربيجان ثرية من جديد لكن لم يبق شيء من الفخامة القديمة.

قال لي أحد معاوني حاكم دبي الراحل، الشيخ راشد، ذات مرة: “أتعلم؟ سينتهي هذا كله”. كان عجوزاً من الصحراء، وفي حين أنه كان يستمتع بالثراء، لم يكن يثق في التطور المحفوف بالمخاطر والمضاربة الذي كان يراه من حوله. فقد قال إن النفط والمال سينفدان في نهاية المطاف، و”ستصبح أشبه بحديقة من دون مياه“.

لكنه قال هذا قبل 20 عاماً، ولا مؤشر على أن نبوءته ستتحقق قريباً. لقد أظهر العقدان الماضيان أنه عندما تتعلم الدول النفطية كيف تستعمل ثروتها للاستثمار في خصائصها الطبيعية.

الرياض: نوع جديد من الحداثة

عندما تحط في مطار الملك خالد الدولي في الرياض، يتضح لك على الفور أن السعودية ليست كأي مكان آخر على وجه الأرض؛ وليس بالضرورة للأسباب التي قد يتوقعها المرء. بالتأكيد، يجري تفتيش الحقائب جيداً بحثاً عن بضائع مهربة، ويمتلئ المطار بنساء يتشحن بالعباءات ورجال يرتدون الأثواب البيضاء المعروفة بالدشداشة. لكن هناك مشاهد أخرى غير متوقعة تلفت الانتباه على الفور؛ ولا سيما المطار العصري جداً الذي يشكل معلماً أساسياً وروعة من روائع الهندسة المعمارية الإسلامية.

فهذا المطار الذي بدأ بناؤه في السبعينات من القرن الماضي يمتد تحت قبة جيوديسية جريئة ومستقبلية، ويتصل بمسجد ضخم مسدس الزوايا يتسع لـ5.000 مصل مع فناء كبير يتسع لـ4.000 شخص إضافي. تجاوزت كلفة بناء المجمع بكامله 3.2 مليارات دولار أميركي، واستغرق إنجازه أكثر من 10 أعوام. وهو واحد من المشاريع الإنمائية الضخمة الكثيرة التي استطاعت الحكومة السعودية تنفيذها بفضل التدفق الهائل لعوائد النفط. قد يفاجأ الزوار غير المعتادين على الأسلوب السعودي، بهذا المبنى ذي التصميم المتطور المتصل بمساحة تقليدية شاسعة يستطيع الزوار المنهمكون أن يتوقفوا فيها للصلاة. لكنها بوابة مناسبة للعبور الى بلد تسيطر عليه المشاريع الإنمائية العامة الطموحة التي تتنافس على المركز الأول في حين تجسّد في الوقت نفسه التجاذب بين التيارات الثقافية المحافظة والتقدمية.

السعودية التي تضم فنادق شاهقة مستقبلية الطابع ومزارع نخيل وجمال قديمة الطراز، هي أكثر تعقيداً مما يظهر في التغطية الإعلامية؛ فالمطار لا يستقطب اهتماماً صحافياً بقدر جزيرة من صنع الإنسان ولها شكل شجرة نخيل (في دبي) أو فرع جديد لمتحف اللور (في أبوظبي). لكن في ذلك الفارق بالذات يكمن جوهر المقاربة السعودية للإنماء؛ والسبب الأكثر إقناعاً لزيارة السعودية.

منذ فتحت البلاد أبوابها أمام السياح عام 2004، وضعت المسافرين أمام تحدي مواجهة أحكامهم المسبقة لكنها قدمت لهم في الوقت نفسه نسخة أصلية من الخليج لم يجر بناؤها بطريقة اصطناعية بهدف الاستهلاك الغربي. ومع ذلك لا يزال دخول السعودية صعباً: يحتاج غير المسلمين عادة الى كفيل داخل البلاد أو وكيل سفر أو دليل سياحي لديه شبكة واسعة من المعارف. لكن عندما يدخلون البلاد، يلقون ترحيباً على الفور، الواقع هو أن المجتمع السعودي محافظ وتقليدي جداً، وفي بعض الحالات سلطوي؛ لكنه أيضاً حديث جداً في جماليته المعاصرة ومضياف الى أبعد الحدود مع الغرباء الذين يحترمون أعرافه.

والتجاذب واضح في شكل خاص في الرياض، العاصمة والمدينة الأكبر. إنها مقر عناصر تقليدية وأساسية مثل العائلة المالكة وحصن مسماك التاريخي الذي أدت استعادة السيطرة عليه من جانب ابن سعود الى تأسيس السلالة الحاكمة الحالية. لا يسمح للنساء بقيادة السيارات أو الاختلاط برجال ليسوا من أفراد العائلة. ومع ذلك فالمدينة متطوّرة بطريقة مفاجئة، وتفتخر بسكانها المثقفين وواسعي الاطلاع. فهؤلاء السكان الذين يملكون حسابات مصرفية كبيرة جداً يغذيها اقتصاد النفط، سافروا الى بلدان متعددة للتعلم والعمل والترفيه، وعادوا الى ديارهم من أمكنة مثل مومباي ولندن وباريس وقد اكتسبوا ميلاً الى الغرب والشرق على السواء.

تقدم معظم المتاجر في الرياض مزيجاً لا بأس به من المنتجات المعروفة ـ حقائب نمطية تحمل شعار “غوتشي” وعباءات حريرية مطرّزة من “أرماني” ـ التي تروق للزبائن المحافظين. لكن بالنسبة الى من يبحثون أكثر عن الموضة، فإن المتجر الأكثر إثارة للاهتمام في السعودية هو بلا أدنى شك، دي أن ايه. فهذا المتجر الذي هو من بنات أفكار سيدة الموضة الدولية دينا الجهني هو أول متجر ذي مفهوم خاص في المنطقة على طريقة كوليت في باريس أو 10 كورسو كومو في ميلانو. ويحتوي المكان الذي يشبه المتحف ويمتد على مساحة 800 متر مربع، على مجموعة عالمية من الماركات من الطراز الأول، بما فيها ملابس للمصمم التونسي اللامع عزالدين علية والمجموعة النيويوركية ثري آز فور. وقد استطاعت شخصية الجهني المفعمة بالحيوية أن تستميل بعض أبرز الأسماء في عالم الموضة وتقنع مصممين أمثال ميشال كلاين ومارتين سيتبون بتصميم عباءات على الطلب لحساب متجرها، ودايان فون فورستنبرغ وبرونزا شولر بصنع نماذج أطول من تنانيرهما القصيرة. تقول الجهني: “يظن معظم الأشخاص أن النساء في الخليج إما أنهن ينتمين الى تنظيم القاعدة أو يسئن الاختيار بارتداء الماركات بشعاراتها المختلفة من الرأس حتى أخمص القدمين. نريد أن نغير تلك النظرة ونظهر أن النساء هنا أكثر دراية ومواكبة للموضة والنزعات الرائجة مما يظن الآخرون“.

لكن لا شك في أن الفضول المحترم محبذ. قد تكون السعودية المكان الوحيد في العالم حيث تلتقي تصاميم بوكمينستر فولر المستقبلية الطابع مع المطبخ الفرنسي الذي يلتقي بدوره مع الوهابية الإسلامية؛ وهذا إثبات قوي على أن هناك أكثر من تعريف واحد للعيش في العالم الحديث.

الدوحة: الثقافة والتعليم

المهندس المعماري المبدع آي أم باي، الذي صمم متحف اللور، وفندق فور سيزنز في مانهاتن وغيرهما من البنى العصرية الشهيرة، إعتزل العمل قبل سنوات، أو هذا ما اعتقده: فقد طلب متحف الفن الإسلامي منه المساعدة. هذا المتحف الذي يعتبر عنصراً أساسياً في خطة قطر الإنمائية، منح باي حرية تامة في اختيار التصميم؛ ولم يستطع أي مقاومة هذا العرض المغري.

اليوم يشكل المتحف رمزاً لاستراتيجية التنمية الثقافية في قطر. هذه الدولة الصحراوية الصغيرة التي تقبع بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لطالما عاشت في ظل جارتها الأكثر تباهياً، دبي. لكن في السنوات الأخيرة، بدأت قطر عملية إعادة تلميع صورتها، عازمة على استغلال مخزونها النفطي الكبير لتشكيل إرث أكثر استدامة. تحت إشراف أميرها، الشيخ حمد آل ثاني وزوجته الناشطة سياسياً، الشيخة موزة، رسمت قطر مساراً خلاقاً بهدف تحويل نفسها الى مركز ثقافي أساسي في المنطقة، بدلاً من محاولة التنافس مع دبي لاستقطاب السياح الذين يحبون التبذير، اختارت التركيز على شريحة مختلفة من الناس؛ أولئك الذين يبحثون عن الرقي الثقافي.

عندما تريد قطر تصدر العناوين في مجال الموسيقى، تدعو بلاسيدو دومينغو الى الغناء بدلاً من مغني البوب أمثال شاكيرا، كما فعلت دبي أخيراً. وعندما يريد المتعهدون بناء منتزه للراشدين، يقلدون البندقية بدلاً من لاس فيغاس. وعندما يريدون التباهي بفنهم وثقافتهم، يبتكرون وسيلتهم الخاصة لإبراز إرث شعبهم، بدلاً من الاستعانة بمؤسسة أجنبية، مثلما تعتزم أبوظبي فعله بمساعدة متحف اللور.

فضلاً عن اجتذاب المتعطشين للثقافة، فإن قطر تطوّر قطاعاً سياحياً يمتحور حول التعليم. لقد كان البلد سباقاً في تعزيز ما تقدمه جامعاته من مناهج التعليم العالي، داعياً جامعات كارنيغي ميلون وجورج تاون وتكساس أي آند أم، وفرجينيا كومنولث وكورنيل الى إطلاق برامج عبر الأقمار الاصطناعية في الدوحة. إدراكاً منها للطلب الكبير على الخيارات التعليمية الرفيعة المستوى داخل الوطن العربي، جعلت الحكومة البلد مركزاً أساسياً للطلاب الشباب القادمين من مختلف أنحاء المنطقة، بحيث تنتفي الحاجة للذهاب الى الخارج لاستكمال الدراسة.

لم يتمكن البلد من مقاومة البهرجة بالكامل، بفضل مخزونه النفطي الذي يبلغ 15 مليار برميل، أطلق مخططوه المدنيون مشروعاً لإقامة جزيرة اصطناعية، تدعى اللؤلؤة، مبنية على أرض مستصلحة من البحر بفضل جهود هندسية ضخمة. وهو مشروع هائل وطموح، المجمع يتضمن أكثر من 16.000 شقة فخمة ومنزلاً وفيلا، وأربعة فنادق فخمة. وسبع ملكيات خاصة على جزر قصيرة مستقلة، إضافة الى ملاه ليلية ومطاعم، وأطول سوق تجزئة مترفة في العالم تضم متاجر راقية تمتد على أكثر من كيلومترين ونصف الكيلومتر.

عمان: التاريخ والطبيعة

تحاشى بدو عمان دائماً الساحل مفضلين عليه الصحراء القاحلة. هنا، يمكن لمخيم عبدالله الحارثي، الصحراوي المنصوب على أوسع امتداد رملي على وجه البسيطة، أن يشكل مشهداً من “ألف ليلة وليلة”. وتشكل جدران خيمته، المصنوعة من جلد الماشية والقماش المنسوج من شعر البعير، حلولاً مغرقة في القدم لحرارة الشمس الحارقة، ولا يبدو أن شيئاً قد تغير فعلاً منذ القرن الثالث قبل الميلاد حين كانت البلاد تنتج البخور وتقدم خدماتها باعتبارها محطة مهمة من محطات الطريق التجاري الذي يربط بلاد ما بين النهرين القديمة بشبه القارة الهندية. ويحدث ذلك كله قبل وصول الزوار بعربات الدفع الرباعي الرياضية من نوع مرسيدس ودخول الخيمة المبردة بالمكيفات. إنه ليس مضرباً من مضارب البدو القديمة، بل واحد من أكثر المشاريع السياحية المغامرة شعبية في عمان.

وعلى الرغم من بعض وسائل الراحة المعاصرة، فإن المخيم لا يمكن أن يكون أبعد عن البهرجة والاستهلاكية المغرقة الموجودتين في دبي، التي لا تبعد أكثر من ساعة بالطائرة باتجاه الشمال، لكن ذلك بالضبط هو المقصود، فقد انطلقت السلطنة الغنية بالنفط لمنافسة جيرانها عن طريق تقديم نقيض ما يقدمونه تقريباً. وبينما توجد ناطحات سحاب أنيقة ومراكز تسوق خارقة في حداثتها في الامارات العربية المتحدة، فإن المنازل المطلية بالأبيض والأسواق المتعرجة والمتشابكة في العاصمة العمانية، مسقط، ومدينتها الميناء، المطرح ـ وهي هجين مميز من العمارة الأوروبية والاسلامية ـ تشي بالاحتلال السابق للبلاد من قبل كل البرتغاليين والايرانيين.

وتواجه قلعتا الميراني والجلالي ـ وهما من بين المعالم القليلة العالية في ذلك البلد ـ المحيط الهندي وكأنها شاهد على الامبراطورية العمانية التي امتدت ذات يوم الى شرق افريقيا وبعض أجزاء باكستان الحديثة، وعلى نقيض غيرها من مدن الخليج التي انبثقت في الصحراء بعد اكتشاف النفط، فإن إغراء عمان يكمن بشكل أساسي في تاريخها القديم والمتنوع. وهي تتحول بسرعة الى نقيض المدن الحضرية المريحة مثل أبو ظبي، ويقول علي تشيمبرز، المخرج السينمائي البريطاني الذي يعيش في قطر القريبة وينتقل جواً الى عمان سعياً وراء جرعات منتظمة من الثقافة العربية الأصيلة: “عمان هي الاستثناء في الخليج، تعجبني أناقة الخمس نجوم في الدوحة، لكن مهما توفر لهم من مال فإنهم لن يحصلوا أبداً على التاريخ“.

كان البخور ذات يوم هو الدعامة الأساسية لتجارة البلاد، لكن النفط يهيمن اليوم على الاقتصاد العماني. وبالرغم من أن احتياطي عمان من النفط يشح مقارنة بالحقول الواسعة التي تملكها جاراتها الصغيرة في الخليج، فإن النفط ما زال يمثل 50 بالمائة من الناتج الوطني الاجمالي. ويقول سالم المعماري، المدير العام للسياحة في عمان: “نعرف أن نفطنا سينفد ذات يوم، ونعرف أن علينا أن ننوع وننمو ونتعصرن. لكن هدفنا هو الحفاظ على الشخصية التاريخية الأصيلة لبلدنا. كلمات السر لدينا هي الانضباط والمحافظة على المقدرات الطبيعية والاحتراس“.

والمحافظة شيء تعرف عمان الكثير عنه. فقد ظلت البلاد وكأنها أساساً سرداب زمني طوال معظم القرن الـ20 تقريباً. وأدت سنوات العزلة التي فرضها السلطان سعيد بن تيمور آنذام الى بناء القليل من البنية التحتية. ولم تخترق أجزاء الصحراء الواسعة في البلاد إلا بضعة كيلومترات فقط من الطرق المعبدة. ومنعت حتى النظارات الشمسية نظراً لمواقفه المناهضة للغرب بقوة: لذا لم يكن ابتعاد السياح عن البلاد مستغرباً، وحين قام السلطان قابوس، بخلع والده عن العرش عام 1970، بدأ بضخ المردود النفطي لبلاده في السياحة، أبقى الحاكم الأوتوقراطي الذي درس في بريطانيا سيطرة محكمة على البناء والعمران منذ ذلك الوقت، ففرض قيوداً على البناء للحفاظ على طراز عماني متناسق وأخذ في الاعتبار المصالح الشخصية خلال تخطيط التطبيقات العملية. كما أن عمان القديمة أكثر جلاء خارج العاصمة، بقراها الصحراوية الصغيرة القائمة على رؤوس الجبال التي ما زالت تستخدم أنظمة الري التي كانت تستعمل في القرون الوسطى. وما زالت مدينة صور البحرية تشكل شبكة معقدة من الشوارع ومنازل التجار الضخمة بأبوابها المحفورة بالزخارف ونوافذها ذات الهندسة العربية.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى