صفحات أخرى

روايات الإنترنت يكتبها مشاهير وتحصد الجوائز

صار الاختصار تيارا ثقافيا قائما بذاته
واشنطن: محمد علي صالح
بمقدور كل من يريد أن يكتب رواية بدون قلم أو حتى كومبيوتر. وقد ظهرت روايات على الإنترنت أبطالها مشاهير مثل أسامة بن لادن أو أموات يتكلمون من قبورهم، وآخرون يعترفون بما يثير الخجل. وسواء كانت هذه الروايات جادة أو غير جادة فقد بات لها في أميركا، قراء ونقاد، وجائزة تعطى منذ 4 سنوات. ما الذي يحدث للأدب في أميركا، هذا ما يلقي عليه الضوء تحقيق من هناك.
منذ ثلاثة أسابيع، أصدرت شركة «آبل» للكمبيوتر جهاز «آي بوك» لمنافسة جهاز «كندل»، الذي أصدرته قبل ثلاث سنوات شركة «أمازون» المتخصصة في بيع الكتب على الإنترنت. وبينما يعرض «كندل» كتبا على شاشته، يفعل ذلك أيضا «آي بوك»، بالإضافة إلى «فيدباك» (التخاطب). وبمجرد صدور «آي بوك»، كتب موقع «نت فيكشن» (روايات الإنترنت) أن الجهاز الجديد لن يعرض الروايات لقراءتها فقط، ولكن، أيضا، يسمح للقراء بأن يكتبوا رواياتهم هم. وكتب الموقع: «لن تحتاج لكومبيوتر لتكتب روايتك، اكتبها في أي مكان». وأضاف: «أخيرا، ستكون الرواية الخيالية حقيقية».
* الروايات صارت قصيرة
* روايات الإنترنت خيالية أو حقيقية، وأهم من ذلك، أنها قصيرة. ففي الشهر الماضي، كتبت دورية «بوبيولار كلشر» (ثقافة شعبية) أن الإنترنت ضاعف الاتصالات، وجعلها قصيرة وسريعة. صارت المحادثات قصيرة، وأيضا الأخبار، والتعليقات، والمقتطفات من الكتب والتقارير، وكذلك الروايات.
«لو عرف لورنس ستيرن (توفي سنة 1769) ذلك، لتململ في قبره»، كتبت الدورية تقول، في إشارة إلى هذا الروائي البريطاني الذي كتب «شاندي»، أطول رواية في التاريخ: من تسعة أجزاء. وثمة من كتب روايات طويلة ممن عاصروه مثل شارلز ديكنز، وأطول رواياته: «قصة مدينتين»، وكونان دويل، كاتب مسلسل «شيرلوك هولمز». ويمكن اعتبار هذه الأخيرة أطول الروايات، لأن آخرين كتبوها بعد وفاة دويل، ويكتبها حتى اليوم، مشاهير وغير مشاهير.
* تغير في الذكاء وانخفاض الانتباه
* كتب جون إليغو، رئيس تحرير مجلة «أميركان سبيتش» المتخصصة في فن الكتابة، أنه، قبل الإنترنت، بدأت الروايات تقصر في الحجم. وقال إن لذلك أكثر من سبب:
أولا: كانت الكتابة وسيلة الاتصال الرئيسية، قبل الإذاعة والتلفون والتلفزيون. ثانيا: كانت الحياة أسهل، والوقت المتوفر للقراءة أكثر.
ثالثا: «كان الناس أكثر تركيزا». ولهذه النقطة الأخيرة صلة بظاهرتين.
الظاهرة الأولى هي «شرنكينغ أتنشن» (انتباه متناقص). أي أن الإنسان الحديث صار، بسبب تعقيدات الحياة، قليل التركيز. يقرأ رواية، وسريعا يتحول عنها. يشاهد قناة تلفزيونية، وسريعا ينتقل إلى قناة أخرى. يستمع إلى محاضرة، وسريعا يهرب عقله بعيدا. وكما قال إليغو: «صارت السرعة والاختصار تيارا ثقافيا قائما بذاته».
والظاهرة الثانية هي «دامب داون» (ذكاء أقل). ليس القصد هو أن ذكاء الإنسان الحديث انخفض لكن، القصد هو أن الحياة الحديثة التي سهلت الأكل والشرب والترفية أيضا سهلت التفكير.
مثلا: سمحت مدارس ثانوية أميركية كثيرة للتلاميذ والتلميذات باستعمال الإنترنت للإجابة عن أسئلة الأساتذة، بدلا من الذهاب إلى مكتبات، وقراءة كتب. كذلك خفضت جامعات أميركية كثيرة مستوى الدرجات (تعطى الآن الدرجة «أ» لنسبة أكبر من الطلبة) ووصف كتاب ومثقفون هذه بأنها «جامعات ميكي ماوس». وقال: «صرنا نريد أن نقرأ روايات، لكننا نريد روايات قصيرة وسريعة، ولا بأس إذا كانت مبسطة، وغير معقدة. لم نعد نملك وقتا للتفكير العميق». ليس معنى هذا أن الأميركيين صاروا أقل ثقافة.
بالعكس، زادت أنواع الثقافة الحديثة، وصارت معقدة. لا يوجد دليل على أن أي جانب من جوانب الثقافة القديمة والتقليدية قد اختفى. لكن، توجد أدلة كثيرة على وجود أنماط جديدة. مثلا: «أندرغراوند كلشر» (ثقافة تحت الأرض)، التي كانت هكذا في الستينات، لم تعد «تحت الأرض». ثقافات: التعري، والإباحية، والمثلية الجنسية صارت لها صحف ودوريات وجمعيات علنية. ومثلما قال إليغو: «وجد الإنترنت ثقافات تحت الأرض، ووجدت «ثقافات تحت الأرض» الإنترنت. مرحبا بالغريب والشاذ والسخيف، ما دام قصيرا وسريعا».
وقال دييغو دوفال، مسؤول موقع في الإنترنت عن الروايات القصيرة: «نريد روايات قصيرة، ومفيدة، وممتعة، تقرأ في خمس دقائق، وبدون تسلسل». (يقصد بأن القارئ الذي لم يقرأ حلقة في رواية يستطيع أن يقرأ ما بعدها).
ودافع دوفال عن هذه الروايات، وقال: «هذا جزء من النظام الرأسمالي؟ يقرأ رواية طويلة معقدة من يريدها، ويقرأ رواية قصيرة وبسيطة من يريدها». وأضاف: «أيها القارئ: أينما تكُن في هذا الفضاء الشاسع. إذا كنت تهتم بما نكتب، سنرفه عنك. هذه صفقة رأسمالية: نحن نكتب وأنت تقرأ».
* بيل غيتس يدخل على خط الرواية
* ما كانت روايات الإنترنت ستظهر لولا «إيترنال سبتمبر» (شهر أيلول الدائم). يطلق هذا على ما حدث سنة 1993، عندما فتحت اتصالات الكمبيوتر لعامة الناس. قبل ذلك، لم يكن «إنترنت». كان «يوسنت»، وكان يستعمله أساتذة الجامعات فقط، خاصة أساتذة المواد الهندسية والعلمية. في السنة نفسها، ظهرت خدمة «أميركا أون لاين»، وكانت تنقل الرسائل، قبل أن تنقل التقارير والأخبار والكتب والروايات.
يمكن أن تكون روايات الإنترنت حقيقة أو خيالا. ويمكن أن يكون الكاتب نفسه حقيقة أو خيالا. على الإنترنت روايات في صورة حقائق، وحقائق في صورة روايات. مثل ما يكتب دانيال ليونز، الذي كان كبير محررين في مجلة «فوربس» لرجال الأعمال، ويعمل الآن كبير محررين في مجلة «نيوزويك». يكتب روايات قصيرة: بعضها حقيقة، مثل «آخر الرجال الصالحين»، وبعضها خيالي، مثل «أيام الكلاب»، وبعضها خيالي يرتدي لبوس الحقيقة، مثل «يوميات ستيف جوب السرية».
ستيف جوب هو مؤسس ورئيس شركة «آبل» للكومبيوتر. وربما كان أشهر مخترع كومبيوتر بعد بيل غيتس، رئيس شركة «مايكروسوفت».
قبل أربع سنوات، على لسان ستيف جوب، بدأ الصحافي يكتب هذه «اليوميات الروائية». وقبل سنتين، أصدرها في كتاب. لم يسئ إلى الرجل، ولكنه كان يصف حياته وعمله اعتمادا على ما ينشر عنه، وكأنها يوميات يكتبها صاحبها.
قبل سنتين، علق ستيف جوب على اليوميات، وقال: «فكاهية». لكنه لم يطلب من الصحافي وقف نشرها. واشترك في النقاش بيل غيتس نفسه، وقال في تندر: «لو كتبتها أنا كنت كتبت غير ذلك» (إشارة إلى منافسة شديدة، مع بعض الحساسيات والمشاكل، بين عملاقي الكمبيوتر). في سنة 2008، عندما مرض ستيف جوب، أوقف الصحافي «اليوميات الرواية»، وقبل ستة شهور، عندما شفي (بعد عملية نقل كبد)، عادت الرواية.
* روايات أم تطفل على الأدب؟
* على الإنترنت نجد روايات «نوني جونز في هارلم». وهي اعترافات لثلاث نساء في هارلم (حي السود في نيويورك). تكتب كل واحدة منهن «رواية». لكن يبدو واضحا أنها شبه حقيقية، أو ربما كلها حقيقية. إحدى النساء هي «نوني». وكتبت في آخر حلقة من «الرواية» ما يلي: «رأيت أن انضم إلى طبقة المثقفين السود. ذهبت إلى نادٍ راقٍ في هارلم، يذهبون إليه، ويتحدثون ويبحثون عن بنات. كانت قد مرت أربع سنوات على زيارتي لناد مثل هذا. لكنني لم أفاجأ، وجدت مثقفين يتفلسفون، ومن وقت لآخر تمشى أمامهم مثقفة، تلبس حذاء ذا كعب عال يجعلها تناطح السحاب مثل عمارات نيويورك الشاهقة، وتلبس فستانا ضيقا يخنقها ولا يجعلها تقدر على أن تتنفس. عندما دخلت، أسرع نحوي أحد المثقفين. لكنه لم يعرف كيف يتعرف بي. تردد، وأنا أعرف جيدا تردد الرجل عندما يريد التعرف على امرأة. أسرع نحوي، وتمتم، ولم أفهم كلمة. وكعادتي، ساعدته على الخروج من حرجه. قلت:«هاي». أجاب: «هاي». قلت: «تريد أن تشاركني شرابا». صعق، ووافق. ونحن نسير نحو مكان الشراب، رأيت بطرفي عيني زملاءه، لا يصدقون سرعة تعرفه علي. وهم لا يعرفون أنني أنا التي جعلت من زميلهم رجلا شجاعا».
* الموتى يكتبون أيضا
* غير الروايات واليوميات الروائية، توجد على الإنترنت رسائل متبادلة بين شخصين، في صورة رواية. واحدة منها رسائل متبادلة بين حي وميت، أي بين ابن حي، ووالده الذي توفي قبل ثلاث سنوات.
يوم 26 – 1، كتب الابن: «عزيزي بابا: مدرستي سأم حقيقي. حتى الفريق الرياضي ليس فيه سوى السأم. اختارني المدرب عضوا في فريق كرة السلة. لا أعرف هل أفتخر بهذا أم لا. ما هو رأيك؟ هذا فريق فاشلين. تعجبني ملابس اللاعبين الطويلة والفضفاضة، مثل ملابس مغني «هيب هوب». الآن عرفت لماذا يلبس السود مثل هذه الملابس الفضفاضة».
ولأن روايات الإنترنت تعتمد على قصرها، توجد روايات في صورة مسلسلات. واحدة تقع أحداثها في القرن الرابع عشر. وواحدة عن حياة رقيق أسود قبل أن يحرر الرئيس الأميركي أبراهام لنكولن الرقيق. وواحدة في الوقت الحاضر، ومستمرة، وتظهر منها حلقة كل أسبوع مثل «يوسار بول»: عن أحداث في مكتب من مكاتب شركة للكمبيوتر في ولاية فلوريدا. يكتبها «مدير»، ويخلط فيها الحقيقة بالخيال. هنا يتخيل أنه مات، ثم عاد إلى المكتب.
كتب يوم 18 – 1: «دخلت المكتب في الصباح، ووجدته كما تركته قبل أن أموت. سألتني سكرتيرتي بولتي: أنت ميت، أليس كذلك؟ قلت: نعم، لكن كيف عرفت؟ قالت: من طريقة تحية الصباح التي تلقيها. كانت سكرتيرتي ترتدي فستانا أسود حزنا على وفاتي. هذا يدل على إخلاصها لي، رغم أني لم أعرف ذلك عندما كنت حيا».
* أسامة بن لادن يكتب الرواية
* هناك روايات يكتبها مجهولون على ألسنة مشاهير. وهي، أيضا، في صورة انطباعات، مثل «يوميات بابا الفاتيكان». وكتب فيها: «أنا مثل رئيس مجلس إدارة شركة «جنرال موتورز»، لكن سكرتيرات الفاتيكان لسن جميلات، ويغطين معظم أجسادهن، ولا أرى غير وجوههن. أطوف مكاتب الفاتيكان، وأسمع من يسمع موسيقى، وأشاهد من يشاهد كمبيوتر. هؤلاء الموظفون لا يخافون الله؟ لا أقدر على أن أخيفهم. ولا أريد أن أطردهم. أقول لهم: الله سيعاقبكم في اليوم الآخر».
ومثل يوميات أسامة بن لادن، مؤسس ورئيس تنظيم القاعدة.
وفيها: اليوم عيد ميلادي. بلغت الثانية والخمسين. لا أريد بطاقات تهنئة، ولا ورودا. وليست عندي صفحة سرية في «فيس بوك» لأتواصل مع الأهل والأصدقاء. وليسألوني: يا أسامة، عيد ميلادك قريب، أي هدية تريد؟ كنت سأقول لهم أريد ساعة «رولكس»، لكن ما أطلبه في الحقيقة هو الاحترام.
* جائزة لأفضل رواية الإنترنت
* في الإنترنت، أنواع أخرى من الروايات: روايات يكتبها أصحابها بلسانهم، روايات عبارة عن اعترافات، مخجلة، روايات في شكل ملاحظات عن زملاء في مكتب، مثلا.
لهذا، يوجد من يقول إن روايات الإنترنت ليست جادة، مثل ألبرت هولاغان، أستاذ أدب في جامعة كاليفورنيا، فقد قال: أولا: يجب أن يكون كاتب الرواية متخصصا ومتفرغا. ثانيا: يجب أن توافق دار نشر محترمة على أن الرواية تستحق النشر. ثالثا: يجب أن يراجعها محرر، ويجرى عليها إصلاحات تحريرية وحقائقية. رابعا: يجب أن تعالج قضية اجتماعية.
لكن، منذ أربع سنوات، ظهرت جائزة «بلوكر» لأحسن رواية على الإنترنت. وتطبع الرواية الفائزة، وتوزع مثل غيرها من الروايات.
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى