الشراكة مع مردوخ
ساطع نور الدين
لا يقع تسلل امبراطور الإعلام العالمي المثير للجدل روبرت مردوخ الى العالم العربي من خلال شركة «روتانا» التي يملكها الأمير السعودي الوليد بن طلال في باب الاستثمار وحده، ولا يخضع لمعايير الربح والخسارة المالية المعتمدة من قبل ذلك الرجل الأسطوري الذي لا تغيب الشمس عن قنواته التلفزيونية والإذاعية وصحفه ومجلاته المنتشرة في مختلف أنحاء المعمورة من أميركا الى بريطانيا الى إيطاليا الى إسرائيل وصولا الى مسقط رأسه في أستراليا. هو ليس مجرد رجل أعمال يقرأ معطيات السوق وأرقامه ويتصرف على أساسها، بل أقرب الى مبشر أو مرشد سياسي عندما يتعلق الأمر بالإعلام خاصة.
ولا يمكن أن يعتبر هذا التسلل مكسباً اقتصادياً أو سياسياً للوليد بن طلال الذي يمثل في الحالة السعودية نموذجاً فريداً من الليبرالية يخترق الكثير من المحرمات الدينية والسياسية ويؤسس لقفزة هائلة في المجتمع السعودي خاصة والخليجي عموما، عندما يحين موعد التغيير الآتي مع جيل جديد من الأمراء الذين يستعدون لأخذ دورهم في قيادة ممالك وإمارات لا تزال تغرق في ظلام دامس منذ قيامها في النصف الأول من القرن الماضي، وهي تجاهد حاليا من أجل احتواء ظواهر تعصب وتخلف ديني لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإسلامي.
وبهذا المعنى، ثمة شبه بين مردوخ والوليد الذي يبشر هو الآخر بخطاب سياسي لا لبس فيه، ويدافع عن هويته العربية والوطنية على طريقته الخاصة التي ساهمت في رد بعض الحملات التي تعرضت لها بلاده في أعقاب هجمات 11 أيلول 2001 ومن قبل إعلام مردوخ بالذات، وفي توسيع هامش النقاش الداخلي السعودي حول إشكاليات السياسة والدين والحرية والثقافة والفن، وفي تغطية ذلك التيار الواسع من الليبراليين السعوديين الذين كانوا وما زالوا يقاومون المؤسسة الدينية البالغة التشدد.
لكن هذا اللقاء الجديد بين الرجلين، من خلال شركتيهما «نيوز كورب» و«روتانا»، يطرح علامات استفهام حول حاجة مردوخ الى امتلاك حصة تقدر بـ9،9 بالمئة من شركة الوليد، وغايته من ذلك الاستثمار الذي يأتي في ظل استياء أميركي وغربي متزايد من أسطورة الإعلام العالمي الذي ينتمي الى عالم قديم، حكمه المحافظون وشنوا من خلاله واحدة من أسوأ الحملات العسكرية على العالمين العربي والإسلامي، واستخدموا الآلة الدعائية الهائلة لمردوخ بالذات، التي تقدر بنحو 650 مؤسسة إعلامية في مختلف القارات من أجل ترهيب العرب والمسلمين وترغيبهم.
والمفارقة هي أنه لقاء متجدد بين واحد من أشد الليبراليين في البيئة العربية المحافظة، وواحد من أشد المحافظين في البيئة الغربية التي اختارت مؤخرا نبذ التيار المحافظ وحروبه، والتي ضاقت ذرعا ايضا بالظاهرة اليمينية المتطرفة الحاكمة في إسرائيل، التي تحظى برعاية مردوخ بالتحديد وعنايته.. وهي حقيقة لا يمكن لأمير السعودي أن يغيرها، أو أن يبسطها بقوله إن الإعلام الأميركي والغربي كله معاد للعرب المسلمين، ومؤيد للإسرائيليين، لأن شريكه الجديد حالة متقدمة ومتجذرة جدا في ذلك الموقف الذين بات يثير حتى حرج الجمهور في أميركا وفي الغرب عموما.. وهو ما لا يخدم الجهد الحثيث للانتقال بالمجتمع السعودي والخليجي والعربي عموما الى رحاب الليبرالية، بل يمكن أن يدفعه الى أحضان أسامة بن لادن.
السفير