الدولة الامة والقضية الكردية في سوريا (5- 5)
بنكي حاجو
أدناه نجد تعريفاً آكاديمياً لمفهوم الدولة الامة وما بين الأقواس هو مقارنة مع الوضع السوري:
الامة: “هي جماعة طبيعية من البشر قادتهم الارض والاصل والعادات واللغة(الكرد مختلفون في كل ذلك في سوريا) الى وحدة في نمط الحياة والوعي الاجتماعي.
ومن اصل العناصر الثلاثة التي تشكل الدولة لايتوفر في الامة الا عنصر واحد وهو عنصر السكان، واما العنصران الاخران – وهما الاقليم (سورياً:رسم حدودها المحتل وبسكة حديد و ماشابه) والسيادة (كانت فرنسية) فلا يتوفران في الامة دوماً، لهذا لا يمكن للامة ان تصبح “دولة” الا اذا وجدت لها اقليماً خاصاً بها واقامت فوق هذا الاقليم(الذي جاء على مقاس الفرنسيين) سلطتها الوطنية المستقلة..
” الامة – الدولة-: وهي الامة التي حققت نفسها سياسياً ضمن حدود وطنية خاصة بها، وبهذا تنطبق حدودها السياسية على حدودها القومية
اترك ما ورد أعلاه الى ضميرووجدان القارئ الكريم لمعرفة مدى حيازة سوريا حتى على شروط مفهوم الدولة الامة الذي في طريقه الى الزوال في العالم الديمقراطي المتحضر.
وحسب ما ورد في ويكييديا،الموسوعة الحرة نجد ما يلي:
“الدولة الامة هي دولة وامة في آنٍ واحد،بمعنى مساحة ترابية واحدة،وهوية وطنية التي تمثل شعورالإنتماء والثقافة المشتركة.توجد حالتين لتكوين دولة امة:
ــ ان الدولة تشكل امة يتم إدماج الشعور القومي فيها فيما بعد.مثال: فرنسا(سأعود الى هذا المثال وبالتفصيل)
ــ ان مجموعة أفراد يعترفون بإنتمائهم الى نفس امة ويعبرون عن رغباتهم في العيش ضمن دولة موحدة.مثال: الولايات المتحدة الامريكية
كما أن هناك دولاً لا تحمل خاصيات الامة،كما هو الحال بالنسبة لبلجيكا حيث أن للفلمنكيين وللولونيين ثقافة ولغة مختلفتان كلياً،ونقاط مشتركة قليلة (قريب الى المثال السوري، مع الفرق في الكثافة السكانية)، وكذلك بالنسبة لبعض دول افريقيا حيث لا توافِقْ الحدود توزيع التجمعت العرقية”. مثل خط سكة الحديد السورية التركية الذكورة أعلاه.
في خضم النقاشات التي جرت وما تزال تجري في تركيا حول مفهوم الدولة الامة، يقول المفكر والباحث السيد باسكن اوران، الاستاذ الجامعي اللامع واليساري النقي والذي يُصْدِمْ العدو والصديق بصراحته المدهشة ونزاهته المعروفة: دولة الامة، هي الدولة التي يسيطر عليها مكون اثني واحد وفي ذات الوقت يتم إنكاروجود المكونات الأخرى من اثنية او دينية أو طائفية…..ولتحقيق ذلك لا تتوانى مثل هذه الدول من االلجوء الى سياسات التذويب بل حتى التطهير العرقي والديني.
( الصهروالتطهيرفي سوريا مثل منع اللغة الكردية، الحزام العربي، الإحصاء……حدثت في عهود الوحدة والإنفصال والبعث).
في العراق، التعريب، حلبجة، الأنفال، تجفيف الأهوار…….الخ أما تركيا فقد أنكرت حتى كلمة الكرد وسمتهم باتراك الجبال).
بتكليف من الحكومة التركية الحالية قام البروفسورباسكن اوران بإعداد دراسة حول الأقليات وسميت بـ “تقريرالاقليات” وهذه بعض رؤوس الأقلام من هذا التقرير: مفهوم” لغة الدولة “هو أمر مضحك ويبعث على السخرية.عوضاً عن ذلك يجب القول:”اللغة الرسمية للدولة”، وليس “لغة الدولة”حيث أن في الدولة لغات أخرى متعددة، يتكلم بها المواطنون ويستعملونها في أمورالحياة العادية.(في سوريا وتركيا هناك الملايين من الكرد لا يعرفون اللغة الرسمية للبلاد).
ويستمر السيد اوران يقول:”الذين ياتون بفرنسا كمثال نموذجي لدولة الامة، يبدوا أنهم غافلون عن ما تعنيه مفهوم “اللغات الفرنسية”. وزارة الثقافة الفرنسية تقدمت في تاريخ 16 أيلول 2001 بالتعريف التالي لمفهوم” اللغات الفرنسية”:هي كل اللغات الأخرى خارج” لغة الدولة الرسمية” والتي يتكلم بها المواطنون الفرنسيون المنتمون الى مختلف الاثنيات على أراضي الجمهورية الفرنسية. عدد هذه اللغات في فرنسا حالياً هي 16 لغة، وتستعمل في كل مجالات الحياة بحرية كاملة بما فيها التعليم. منذ عام 1951 يتم التعليم بلغات بروتون والباسك والكاتالان وأوكسيتان بما فيه التعليم الجامعي، ومنذ 16 كانون ثاني 1974 تم إضافة اللغة الكورسيكية وفي 30 أيار 2003 اللغة الإلزاسية الى تلك اللغات”.
اللغة الالزاسية في إقليم الالزاس هي عبارة عن إحدى لهجات اللغة الالمانية ويُعمَلْ بها في جميع دوائرالبلدية هناك. منذ عام 1919 تتم الدعاية الإنتخابية في الالزاس باللغتين الفرنسية والالزاسية. في العاشر من آب 1979 دخلت هذه اللغة الى كل لوحات الطرق والشوارع أيضاً.
فرنسا بدأت بالتخلي عن نموذج دولة الامة منذ 60 عاماً وأصبحت الآن”الدولة الديمقراطية الحضارية”. وعلينا أن لا ننسى أنه لا يوجد في فرنسا مجموعة اثنية أو عرقية فرنسية أي”العرق الفرنسي”. فرنسا حالياً تسير نحو اللامركزية بخطى حثيثة بعد فشلها الذريع في الحكم المركزي. الدولة القومية القديمة في اوروبا بدأت في التهاوي والإنهياربعدما ” إستفاق الأوربيون من الثمالة العنصرية(متى سنستفيق نحن من هذه الثمالة؟؟؟) بعد الحرب العالمية الثانية” وأخذت بعد ذلك منحى الدولة الديمقراطية.
التسميات والتعابير وحدها لا تعطي الصورة الحقيقية عن الواقع. مثلاً الإتحاد السوفييتي كان على الورق إتحاداً ولامركزياً وإدارات لا تحصى من الحكم الذاتي في معظمه، بينما في الواقع المطبق على الأرض كان حكماً مركزياً قل وجوده في التاريخ وأصبح سبب تفتته، بينما فرنسا كانت رسمياً دولة مركزية ولكنها مع ذلك كانت ديمقراطية بشكل لايقاس مع الإتحاد السوفييتي السابق الذي إنهاربغمضة عين. نحن أيضاً علينا عدم إعطاء أهمية للتسميات والشعارات التي هي سفسطة بيزنطية، بل البحث عن نموذج خاص يمكن تطبيقه على الواقع ويتوافق عليه السورييون جميعاً أولاً وأخيراً.
الأزمة الخانقة التي تعاني منها دول المنطقة بما فيها سوريا، هي أن النخب أخذت أسوأ نموذجين فاشلين من أوربا في النصف الأول من القرن المنصرم، أي القومي العنصري (البعث والقومجية عموماُ) والسوفييتي(الإشتراكية وأدعياؤها).المثير هنا أن سوريا جمعت النموذجين معاً لتصبح تجربتها أعجوبة في تاريخ المنطقة.
الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر “دولة قومية” و”مؤلفة من مواطني امريكا” ولكن بنموذجها الخاص جداً بها حسب الباحثين في هذه القضايا. كل إنسان يصبح منتمياً الى تلك القومية في اللحظة التي يحصل فيها على الجنسية الامريكية لا فرق بين انكليزي أو كوري أو موريتاني أو برازيلي…..وأكبر مثال على ذلك “إنتخاب اوباما حفيد رجل مسلم أسود البشرة من كينيا رئيساً”. حلف اليمين للرئيس الامريكي هو للدستور فقط وليس لتراب الوطن أو العلم أو لعِرقٍ ما.
أما الدولة التركية وهي دولة امة وبإمتياز فإنها تشكلت على أساس عرقي أي “العرق التركي”. في الكتب المدرسية كانت هناك نظرية عن كيفية تَشكُلْ هذه الأرومة التركية الصافية والتي تقول أن العرق التركي النقي جاء الى الوجود من التزاوج بين ” شاب تركي وذئبة ضارية”. لست أدري إن كان ذلك يُدرسْ حتى الآن؟. طبقت تركيا التطهير العرقي ضد الكرد والديني بطرد اليونانيين والمذهبي ضد العلويين دون هوادة. أما بقية المكونات الأصغركاللاز والجركس وغيرهم فقد “تأتركوا” على الأقل في العلن.(مذابح الأرمن كانت قبل تشكل الجمهورية وإن كانت وراءها نفس العقلية والإرادة أي”منهج حركة الإتحاد والترقي” والذي إستمر في كل عهد الجمهورية في ثياب الدولة السرية والتي يتم الآن محاولة التخلص منها).
بعد أن توضح لتركيا إستحالة القضاء على الكرد وبتأثيرالتحولات العالمية وتبدل العصروالمفاهيم والكفاح المسلح للكرد بدأت تركيا “تحبو” للإتجاه نحو “الدولة الديمقراطية الحضارية” كحل جذري لكل ما يقف في وجهها من عثرات وعوائق في الدخول الى العصر الجديد.
لماذا لا نستفيد نحن السوريون من التجربة التركية التي توصلت الى الحقيقة بعد 90 عاماً من الكوارث والمعارك المليئة بالدماء والتصفيات والتخلف والفقروالعذاب؟ لماذا علينا نحن السوريون دفع نفس الخسائر من الضحايا والزمن حتى نصل على الحقيقة دونما سبب؟.
دولة الامة ودولة الديمقراطية الحضارية مفهومان متناقضان تماماً. الأولى تنكروجود المكونات التي تتشكل منها الدولة، بينما الثانية بنيتها الأساسية هو تشكيل الدولة بالتوافق بين كل المكونات.
هناك نموذج آخرقد يناسب سوريا ولكن مع بعض الخصوصيات……
للحديث بقية…كحلقة إضافية
ايلاف