صفحات أخرى

المدونات : ثورة صامتة

عائشة المري
كان البيان رقم واحد أداة التغيير السياسي المعتمد في معظم الدول العربية، فمن ظهر الدبابة وبانقلاب أحمر أو أبيض تتبدل النخب السياسية. دون أن يوازي ذلك تغيير أو تبدل حقيقي في السياسات العربية، أو في المجتمعات العربية وتقليدياً مارس المثقفون والأكاديميون دوراً سياسياً محدوداً في حركة التغيير السياسي السلمي، أو في نشر الفكر الديمقراطي أو حتى المطالبة بالتعددية السياسية محدودية دور النخب الثقافية ترجع بشكل أساسي إلى أن النظم العربية تملك أدوات التعبير عن الرأي، وتسيطر على وسائل التغيير، فكان لشبكة المعلومات الرقمية الإنترنت نهايات القرن الماضي الدور الأساسي في ثورة المعلومات، وساهم تكاثر المنتديات في تفجر الحوارات والمجادلات حول السياسة والقضايا المجتمعية في خلق بيئة أولية لممارسة النقد بعيداً عن الإعلام الرسمي أو الرقيب.
بدأت ومنذ سنوات حركة التدوين العربي لتنتشر بسرعة، ومن المدونات الأدبية والفنية ظهرت المدونات الاجتماعية والسياسية، ومن الطابع الشخصي الذي غلف حركة التدوين سرعان ما تطورت لتصبح المدونات مساحة لمناقشة الشأن العام والشأن المحلي في معظم الدول العربية، وحظيت المدونات السياسية بشهرة فاقت المنتديات الحوارية لارتباط المدونين في معظم الأحيان بحركات التغيير السياسي.
لكن هل يملك المدونون أدوات التغيير السياسي والاجتماعي أم أن المدونات مجرد خربشة رقمية في واقع افتراضي، تنتقد وتحلل عالماً واقعياً لا تمتلك فعلياً سلطة تغييره؟
تميز المدونون بنشر الأخبار المستقلة بتحليل الأحداث وبخوض نقاشات غالباً ماكان يتم التعتيم عليها في الحياة السياسية، بدورها الحكومات العربية المنزعجة من الأصوات المعارضة تنبهت باكراً للمدونات السياسية فتعرض أصحابها للملاحقة والاعتقالات والسجن في بعض الدول العربية فيما لجأت أخرى لحجب بعض المدونات لتجاوزها الكثير من الخطوط الحمراء والصفراء. ويظل التساؤل هل المدونات السياسية كتابات صبيانية لا تتعدى أن تكون ثورة هرمونات مراهقة سياسية سرعان ما تنطفئ نيرانها تحت ضغط الواقع ويطويها النسيان، أم أنها ثورة الشباب العربي على جمود الحياة السياسية العربية؟
حقيقة هناك تباين بين عالم افتراضي وعالم واقعي، ففي العالم الافتراضي تبدو المدونات ذات الطابع السياسي والاجتماعي أدوات جديدة في معركة التغيير السياسي، لكن واقعياً تمارس الحكومات العربية سياسة التغلغل الإلكتروني عبر أجهزة استخباراتها في العالم الافتراضي، ومن ناحية أخرى استفادت النظم العربية من مراقبة المدونات في معرفة وجهات نظر الرأي العام بلا رتوش فيما يساعدها على صياغة سياسات استباقية للإبقاء على الوضع القائم، فكيف إذن يمكن الحديث عن ديمقراطية رقمية وسط ديكتاتوريات عريقة؟
التدوين عمل فردي للمدون فيما حركة التغيير في المجتمعات العربية تحتاج إلى تحرك جمعي لأحداث تغيير في قضايا مجتمعية، وتحتاج لتنسيق أشمل في حال الحديث عن حركة تغير سياسي، ففعل التغيير يحتاج إلى أكثر من مدونات، ففي بعض الدول العربية تملك المعارضة السياسية حزباً ووسائل إعلام من صحف ومحطات تلفزيونية واذاعية ناطقة باسم الحزب المعارض، لكن تأثيرها ظل محدوداً في سياسة دولة، وتتساوى معها حركة التدوين التي رغم كل ما يروج من قدرتها على أحداث تغيير فعلي، إلا أن أهميتها تنحصر في تقديمها لخطاب مغاير عن الخطاب الرسمي الحكومي في التوعية ونقد الأوضاع السياسية والاجتماعية في الدول العربية.
التدوين أداة للتعبير عن رغبة ملحة للتغيير، لكن الواقع العربي شديد التعقيد والحكومات العربية تجيد فن البقاء وإبقاء الأوضاع على ماهي عليه علمتها دروس الانقلابات العسكرية، أن تحذر من القلم كما الدبابة ولا عجب أن تنظر للمدونات نظرة عدائية أن تخاف من سلطة الكلمة في فضاء بلا حدود.
الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى