ما تسكت عنه النسوية الآن: الكٍبَر والشيخوخة
ان يلتقي جيلان من النساء النسويات، واحد انطلق في السبعينات والآخر في الالفية الجديدة، ليس بالأمر القليل فيما لو اردنا التفكير بالعلاقة العضوية القائمة بين القهر على الاساس الجنس والقهر على اساس العمر. انها مسألة نسوية بامتياز، وإن سكتتْ عنها النسوية. فاذا كان التضامن النسائي قد بُني وسط النضال النسوي وتجاوز الفوارق الطبقية ولون البشرة والتوجهات الجنسية، الا ان هناك متغيّرا مكتوما، مع انه اساس لنوع من التمييز: انه العمر. هذا العمر الذي تظهره النساء أو يخبئنه خلف المساحيق، هو من نقاط التمييز بينهن. كيف لا نرى مع ذلك ان آثار العمر هي مصدر تمييز بين أجيال من النساء، بل بين أجيال من النسويات المناضلات من أجل حقوق المرأة؟
في العمل أولا، حيث التنافس بين أجيال من النساء نتيجة ندرة عروض العمل على الجنسين تجاوزوا الخمسين من العمر. ففي هذه الحالة، تطال البطالة الرجال أقل مما تطال النساء؛ وهن يشكلن العدد الأكبر من طالبي العمل في هذا السن وما فوقه. اما في المسعى من أجل الشراكة الغرامية، فان النساء، حين يكْبرن، يهمّشن بشراسة اكبر مما يهمّش بها الرجال؛ ما يؤدي الى تنافس موضوعي وصراع بين النساء الشابات والنساء المتقدمات بالعمر.
وكما يدل كتاب “تحقيق حول الحياة الجنسية لفرنسيين” (“لاديكوفرت”. باريس 2008)، فان الرجال، عندما يكبرون، لديهم، إحصائيا، حظوظ أكبر من حظوظ النساء لإقامة علاقة عاطفية عابرة أو مستقرة. فاذا كان بلوغ سلطة ما يساهم في إضفاء الجاذبية الجنسية على الرجال فان الامر نفسه، نادرا جدا ما يحصل عند النساء. هكذا فان 37% من النساء بين 60 و69 عاما ليس لديهن شريك، مقابل 16% من الرجال من العمر نفسه يعانون الحرمان ذاته.
في أفضل الاحوال تقدِّم بعض النساء المسنّات أنفسهن “وقد حافظن على مظهرهن” بالقياس الى معايير الجمال السائدة الآن بين الشابات. اما اللواتي لا يخفين شيخوختهن فيثرن الاشمئزاز وعدم الاحترام. كان يمكن لهذه الرؤية للجسد النسائي الذاهب نحو الشيخوخة ان تخلق نوعا من التمرّد الفني الخصب. لكن المناضلات النسويات لم يطرحنه إلا في الهوامش.
منذ اربعين عاما، وباستثناء النضال من أجل الدفاع عن حقوق المتقاعدات، النساء الشابات وحدهن يجسدن النضالات الكبرى من أجل المساواة المهنية وحرية التصرف بالجسد والسيطرة على وظائف الأمومة. فهل يكون شعار “جسدي هو ملْكي” فاقدا للصلاحية وعاجزا أمام الأجساد التي توقّفت عن الانجاب، الاجساد الأكثر هشاشة؟
أن لا تشغل هذه المسألة النضالات المعروفة، لا يلغي إنشغال المجتمع العميق بها. والدليل الاهتمام الاعلامي الكبير بمبادرة “باباياغا”، التي قامت بها مجموعة من النساء المسنّات بعد حصولهن عام 2009 على إذن ببناء بيت للمسنّات يدرنه بأنفسهن. فمن المؤسف ان تسكت الشابات النسويات عن آثار العمر والاجيال المتعاقبة.
ما وراء الرؤى المبتهجة للشابات والمقاربات البؤسوية للشيخوخة، هشاشة كل اعمار الحياة هي التي يجب ان نأخذها بالاعتبار. فالشباب ليس بالضرورة وقت المنافسة والاجتهاد، كما ان الشيخوخة ليست بالضرورة وقت الراحة والحكمة والعزلة.
اذا كان يوم المرأة العالمي هو فرصة لمساءلة النسوية الراهنة، فانه ايضا الوقت الملائم لتسجيل النضال بلا هوادة ضد التمييز على أساس العمر(âgisme)، وللتأكيد على ان البنات اليافعات والمسّنات اللواتي انقطع عنهن الطمس، هن أيضا نساء.
روز ماري لاغراف و جولييت رين.
الاولى رئيسة دراسات في المعهد العالي للعلوم الاجتماعية في باريس، والثانية استاذة محاضرة في جامعة ليون.
(“لوموند” 8 آذار 2010).