اللقطاء مأساة وظاهرة تستدعي الجدية في مواجهتها
لافا خالد
تجدهم ملفوفين بقماشة بيضاء على قارعة الطريق، أو مغلفين بكيس أسود في حاوية القمامة أو في حديقة عامة وربما يعطف ذاك القلب الذي أجرم بحق نفسه وحق هذا الوليد في أن يأخذه لأحد دور العبادة عسى يتكفل به أهل الخير وربما يرمى بذاك الطفل في إحدى زوايا المستشفيات فيلتقطه أحدهم قد يجده حيا ينازع البقاء أو ربما ميتا، ملف هؤلاء البؤساء مغيب تماماً من اهتمامات المجتمع عموما بمسئوليه ومختلف الشرائح هو ملف يتكرر على مسامع الجميع وكثيرون منا شهد أو عايش أو سمع بقصص مؤسفة والمشكلة المتفاقمة عموماً هي كارثة تستوجب الوقوف عليها مطولا حول الأسباب والتداعيات لما يحمله من مآس اجتماعية وأخلاقية سببت دمار أشخاص ذنبهم الوحيد أنهم جاؤوا إلى الحياة نتيجة خطأ لم يكن لهم أي ذنب فيه، وإذا ما أخذنا سوريا نموذجاً فثمة إحصائيات تشير إلى تدني نسبة وجود الأطفال اللقطاء في سوريا ويعزى قلة انتشار هذه الظاهرة إلى عوامل مختلفة ذو أبعاد اجتماعية مرتبطة بالعادات في بيئة محافظة عموماً، ولكن النسبة ليست دقيقة وبحسب بعض المصادر الحقوقية ونتيجة حركة السياحة وزواج الوافدين أو ما يسمى زواج الصيف السريع الذي ينتهي نتيجته بأطفال يتبرأ منهم آبائهم ولا يعترفون بنسب الطفل لهم ولا حول ولا قوة للأم كي تستمر في حمل التركة الثقيلة حتى ولو كانت التضحية بوليدها، وثمة أسباب أخرى تعود لمشاكل الشباب الذي بات عاجزا على الزواج وفتح بيت نتيجة الغلاء الذي اقتحم كل مفاصل الحياة ومنها غلاء المهور الذي تضاعف فيلجأ لتنفيس رغبة مكبوتة إلى طرق غير مشروعة تكون النتيجة طفل مجهول الهوية والنسب.
التقيت بالسيدة أم صبا في إحدى الحدائق العامة كنت بصدد انجاز تحقيق عن واقع الشيوخ والعجزة في سوريا لتقول لي بحزن شديد عن قصة ابنتها التي حرمت من الإنجاب وذهبت لإحدى دور الرعاية لتتبنى طفلا أو طفلة يعوضها شعور الأمومة روت المشكلة التي بدأت بذهاب ابنتها إلى إحدى دور الرعاية لهذه الفئة في دمشق تقول: تفاجئنا تماما بالواقع المرير الذي يعيشه هؤلاء الأطفال الذين جاؤوا للحياة بخطيئة لا ذنب لهم فيها ذهبت صبا للمرشدة النفسية التي قالت لها وبطريقة تستدعي مراجعات كثيرة ( خذيهم كلهم على حسابك ولو ما عجبوك تعالي بكرة راح تجينا دفعة جديدة؟ ) وتترك صبا خلفها عيونا معلقة تبحث عمن ينتشلها من ذاك الواقع القاع لتأخذ الفتاة شيماء ذات الأربعة أشهر وتتكفل بتربيتها ورعايتها لتأتي المصيبة الأكبر وهو كيفية تثبيت النسب فالقانون السوري لحين اللحظة لم يبت بشكل فعلي في هذه القضية وتتالى السنوات لتلتحق شيماء بالمدرسة وشرط المركز الذي جلبوا منه الفتاة هو إبلاغها بقضيتها على إنها ( لقيطة) ؟؟ ودموع صبا على ذاك الموقف وكيف ستتحمل فتاة الست سنوات تلك الصدمة وخوف الأم البديلة نفسها من مجهول سيأخذ منها طفلتها التي تعتبرها جزء منها، بدا الموضوع شديد الألم سألت الأستاذة ريم أبو حجر وهي إحدى الأخصائيات الاجتماعيات حول قضايا الطفل اللقيط التي طالبت بضرورة تسميتهم ذوي احتياجات أو ظروف خاصة مع التأكيد على توعية الناس والتفهم الموضوعي لهذا الإنسان وأنه جزء لا يتجزأ منا وعلى الجميع الوقوف معه والتذكير دوما لما مجتمعات الشرق تقف بحدة حول هذا الموضوع في وقت مجتمعات الغرب تجاوزت القضية منذ أزمنة طويلة لأن الطفل الذي أتى للدنيا مجهول الهوية هو إنسان بالدرجة الأولى وله كل الحقوق الواجب أن يتمتع بها كماغيره وبكل أسف الصورة السائدة هو استهجان شديد لظرفه وواقعه واستمرار لمعاناته حتى في مرحلة البلوغ ورفض العائلات تزويج بناتهم لأبناء هذه الفئة وبالمختصر فهم محرومون من كافة الحقوق وعليهم كل الواجبات؟
كيف تبدأ حملة التوعية لتفهم أوضاع هذه الفئة وتسهيل عملية دمجهم؟
تقول الدكتورة ريم نحن بحاجة للتالي:
1 ) تكثيف حملات توعية الفتيات بعدم تصديق شعارات الحب المزيفة والحرية المفرطة التي تبثها وسائل الإعلام
2 ) توعية الآباء بسلبيات التكنولوجية الجديدة وتأثير كل ذلك على سلوك الأبناء ومتابعتهم بشكل جيد
3) التأكيد على أن قضية هذه الفئة هو مؤشر خطير لا تقتصر على شريحة دون أخرى أو طبقة اجتماعية غنية أو حتى فقيرة ولكن الفئة الأكثر التي تتحمل العبء مضاعفة هم الفقراء وأما نساء الطبقة الغنية فتتفادى استمرارها بالحمل والإسقاط في مراحل مبكرة جداً نتيجة الظروف المادية المهيأة لها في ظل التغيرات والتبدلات الكثيرة التي اجتاحت بيئتنا والمتخلفة التي تخلف و لا يستطيعوا الاعتراف بهم ويكون مصيرهم الملجأ و السؤال كيف نحد من تفاقم ذلك؟ وما هي الجنسية التي يتم منحها للقطاء كلها أسئلة تستوجب من الجهات المختصة والمسئولة مراجعات دقيقة للتخفيف من هذه الحالات الإنسانية الكثيرة والمهمشة وبالتالي على القانون أن يكون واضحا في قول كلمته.
ماذا بعد
الأطفال ذوو الظروف الخاصة تبدأ المعاناة معهم منذ لحظة الولادة وفي مختلف مراحلهم العمرية وتبدو بداية الأزمة في مرحلة الدراسة حيث يجد نفسه في غير مكانه الطبيعي، لا حضن حنون يحتوي طفولته وعبثه، ولا مجتمع واعي يتفهم خصوصية وضعه في وقت تتطلب نفس المرحلة العمرية أن يتمتع بنفسية مستقرة وشخصية سليمة ومدربة على التكيف مع كل الأوضاع ، وفوق ذلك يجب أن يكون له اسم معين تدل على شخصيته وضرورة توفير أسرة حقيقية بديلة قد تكون إحدى العائلات التي تتكفل به أو أن يجد الحنان الذي حرم منه في المركز الذي يأويه دون المساس بشعوره أو إحساسه إنه طفل لقيط ولأن مجتمعاتنا تعودت على عدم تفهم ظروف هذه الفئة فتهينه بالقول اللفظي أو تمارس الضغوط مما يجعله مهيئاً للاضطرابات النفسية والعقلية فتكون النتيجة رفد المجتمع بشباب مضطربين يلجئون لكل البدائل الغير مشروعة كي ينسى حقيقة وضعه و يبتعد عن التفكير في المشكلة المتعلقة بكينونته وتؤثر بالتالي على كل كيانه فيما بعد وبحكم الطبيعة أن لكل طفل أم وأب وهو غير معروف النسب أو مجهول الهوية وإذا ما ساهم المجتمع بتفاقم هذه التراكمات منذ لحظة البداية فكيف إذا كبر و خرج للمجتمع، إذن على الجميع مراعاة هذه المفارقة فكلنا يعلم أن السنوات الأولى من حياتنا لها تأثير كبير في نوعية الشخصية التي ستعكس كياننا ووجودنا اللاحق، وإذا ما ساهمنا بتكوين شخصية هذا الطفل منذ البداية سنجنبه الاضطرابات وعلينا مراعاة نفسيتهم القلقة والأسئلة الحائرة التي ستداهم مخيلتهم دوما، و ثمة أطفال سيتقبلون حقيقة وضعهم ويتجاوزن الأزمة وربما يكونون أكثر فاعلية من اشخاص عاشوا في كنف والديهم وفي بيئة مترفة ومستقرة وآخرون سيعيشون المعاناة دوماً.
ماذا يقول الشرع في المشكلة؟
تبدو وجهة نظر الشرع واضحة ومؤثرة في هذه المسألة وضرورة تقبل وضع هذه الفئة التي لم تقترف الخطيئة بل كانوا نتيجتها المباشرة وهذا يدلل على مدى حرص الإسلام على الأبناء الذين ولدوا عن علاقة غير شرعية حيث أنهم لم يقترفوا ذنباً يستحقوا المعاناة والعقاب عليه ويفرض الإسلام رعايتهم وكفالتهم وإن وضع هذه الفئة هو فرض كفاية على المسلمين ليكون ابناً أو أخاً أو جاراً لنا له مالنا وعليه ما علينا لقوله تعالى ( فان لم تعلموا آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) فقد غضب الرسول عليه الصلاة والسلام عندما عندما رفض أحد الصحابة الصلاة على امرأة فعلت الفاحشة وأنجبت طفلاً من الحرام مستنداً على الدليل الشرعي إن الله يقبل توبة التائب كذلك منح كافل المولود منزلة عالية تضعه في رفقة الرسول عليه الصلاة والسلام في الجنة …
ماذا يقول القانون بحق الطفل اللقيط؟
يعرف المحامي محمد عمر الطفل اللقيط بأنه الوليد الذي يعثر عليه ولم يعرف والداه فيبقى مجهول الهوية والنسب”. وحين العثور على طفل لقيط تبدأ الإجراءات القانونية بتسليم لأقرب مركز شرطة تباشر بعدها بتنظيم ضبط بالواقعة عسى يستدلوا على والديه وإن لم يكن ذلك فلابد من تسليمه للدار المسؤولة عن رعاية الطفل اللقيط وتقديم دراسة عنه لوزارة السؤون الاجتماعية والعمل، ويمنع القانون كفالة الطفل قبل دخوله دار رعاية اللقطاء، حيث تشكل لجنة لمتابعة وضعه الجديد والقانون السوري عموما يجيز التبني حيث يأخذ الطفل نسب متبنيه، ولكنه في السجلات الرئيسية يبقى لقيطاً ولا يرث.
مؤخرا انضمت الجمهورية العربية السورية إلى البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية الطفل المتعلق ببيع الأطفال واستغلال الأطفال في بغاء وفي مواد الإباحية بالمرسوم رقم 379 تاريخ 26/10/2002 وبالمرسوم الملحق به رقم 35 وبموجب المادة 12 الفقرة 1 من هذا البروتوكول نقدم هذا التقريرالأول حول التدابير المتبعة لتنفيذ أحكام هذا البروتوكول. فقد نص القانون المدني في حق كل انسان اكتساب اسم ولقب، وأكد قانون على أن كل من يعثر على لقيط أن يسلمه إلى أقرب مخفر للشرطة مع الملابس التي كانت عليه وجميع الأشياء الأخرى التي وجدها معه أو بالقرب منه، وأن على رئيس مخفر الشرطة أن ينظم بذلك ضبطاً يذكر فيه الزمان والمكان والظرف التي وجد فيها الطفل، كما يبين فيه العمر التقديري للطفل والعلامات الفارقة والجنس وكذلك اسم الشخص الذي عثر عليه وكنيته ومهنته وعمره ومحل إقامته وعنوانه، كما يشار إلى أنه لم يعثر على والديه.
المادة ( 2) قانون رعاية اللقطاء
وأكد على ضرورة قيام داراللقطاء التي تتسلم الطفل بتنظيم شهادة بالولادة وترسله إلى أمين السجل المدني المختص عملا بأحكام قانون الأحوال المدنية
المادة ( 4) قانون رعاية اللقطاء لعام 1970
كما كد القانون على أن يعتبر اللقيط عربياً سورياً.
المادة ( 13) قانون رعاية اللقطاء عام 1970
وذلك منعاً لأي محاولة بالاتجار بهؤلاء الأطفال أو تغيير سجلاتهم المدنية .
ما الحل
التوعية من قبل وسائل الإعلام
1) الزواج هو الحل الأنسب
2) ملء أوقات الشباب والفتيات وعدم تركهم عرضة للفراغ والمفاتن
3- الحصانة الدينية والوعي الكامل بالعقوبات الدنيوية والأخروية المترتبة على فعل هذه الفاحشة
4- دور صناع القرار في هذا المجال يجب أن يكون اختصاصهم في الصحة النفسية والاجتماعية حتى يتمكنوا من تطوير الخدمات والرعاية وبرامج التأهيل والتوعية
5 – دور وسائل الإعلام في التوعية وكيفية التعامل مع هذا الطفل البريء
6- تأهيل الكوادر الذين يتعاملون مباشرة مع هذه الفئة كي يقوموا بعملية الدمج الصحيح في المجتمع مع الإشارة إلى الغياب التام للتخصص وغالبية العاملات هن متطوعات لخدمة هذه الفئة المحرومين مع تأكيد منظمة الصحة العالمية على أن يتولى المهمة مختصين في دراسة النفس البشرية وتأهيلها ومع غياب تلك الكوادر يغيب عنهم الجوانب النفسية والاجتماعية المتخصصة بهذا المجال ولابد من إخضاع العاملين إلى دورات تدريبية واختبارات نفسية توضح مدى قدرتهم على التعامل مع هذه الفئة التي تحتاج إلى الأم الحاضنة ومن الضروري وجودها في دار الرعاية لتكون بمثابة الأم البديلة … أما الجانب المادي فلابد أن يكون متوفر إلى حد كبير في هذه الدور لكن الأطفال في الواقع يحتاجون إلى الجوانب العاطفية والنفسية أكثر لتعويضهم عن حرمان عاطفة البيت المستقر بوجود الابوين ومعالجة المشاكل النفسية ودفعهم إلى التواصل مع الآخرين
وأبرز ما تحتاجه هذه الفئة هي الإحساس بوجودهم أسوياء كما الجميع والرعاية الصحيحة التي تخفف معاناتهم وضرورة أن يتحمل الجميع المسؤولية
حتى نبقى منصفين فإن المجتمع برمته لازال ينظر للطفل اللقيط أو حتى الذي كبر ووجد نفسه دونما شيء في هذه الحياة لا زالت النظرة دونية وقاصرة في إدراك حقيقية هؤلاء البؤساء والمهمشين حقا وكلمة حق لابد منها للأب والأم الذين تركوا فؤاد قلبهم يفترش الأرض ويلتحف السماء عليهم إن يعوا إن للخطيئة ثمن والثمرة ستكون طفل مجهول النسب وبالتالي منبوذ من المجتمـع بدون ذنب اقترفه نتيجـة علاقة اتصال غير شرعي حاول أطرافه التخلص منه خشية العار أو الفضيحة وتناسوا ذلك في لحظة لذة تافهة عابرة ولكن آثارها لن يمحوها الزمن أبداً.
علم أن الموضوع شديد الحساسية وبما إن المجتمع تمرد على مفاهيم كثيرة فليتفهم ويتمرد على خطيئة تجاهله لهؤلاء المهمشين ولهذه الفئة المظلومة