صفحات أخرى

حزب الله

null

كثيرة هي الأدبيّات الغربيّة التي درست حزب الله كظاهرة اجتماعيّة ــ سياسيّة ــ عقائديّة. غير أنّ العديد من هذه الكتابات جاء إمّا جاهلاً تفاصيل واقع الحزب، أو ترجمة لرؤية استشراقيّة غير علميّة. «توصيف حال حزب الله» كتاب صادر حديثاً عن دار «أكت ــ سود» الفرنسي، بإشراف صابرينا ميرفين، يقدّم قراءة أكاديميّة علميّة عن حزب الله وارتباطاته ومشروعه وعقيدته وعلاقاته

حسن شامي *

هل يمكن تناول ظاهرة متعدّدة الوجوه، علاوة على كونها مثيرة للجدل، كما هي حال حزب الله اللبناني، بدون مجاملة وبدون تحامل أيضاً؟ كيف يمكن تقديم جردة بأحوال الحزب المذكور إلى جمهور فرنسي أو ناطق بالفرنسية، بدون مسايرة التمثيلات المبسَّطة والأحكام الجاهزة المتولّدة في معظم الأحيان من قراءات انطباعية أو ثقافوية تستند إلى حدود مفترضة بين حداثة ناجزة، تحمل في ذاتها وصفات خلاص من الجهل والتخلف، وبين امتناع «تقليدي» عن اعتناقها، تحمل لواءه الحركات الدينية الإسلامية عموماً، وحزب الله خصوصاً في لبنان؟

غلاف الكتابغلاف الكتابوكيف يمكن، في ما يتعدّى توصيف الحال وعرضها، مقاربة ظاهرة سياسة واجتماعية بارزة، مثل حزب الله، مقاربة بحثية وعلمية في ظلّ تعاظم سيطرة الأهواء والأحكام المسبقة التي تضخها وسائل الإعلام والدعاية، ليس في لبنان المصطفة جماعاته بحدّة وصخب غير مسبوقين فحسب، بل كذلك في المنطقة وفي مراكز عالمية؟ نحسب أنّ هذا النوع من الأسئلة والشواغل البحثية هو أحد رهانات المؤلف الجامعي الصادر بالفرنسية عن دار «سندباد ـــ أكت سود»، منذ شهر تقريباً، والذي أشرفت عليه الباحثة الفرنسية المتخصّصة في الشأن الشيعي وعوالمه، صابرينا ميرفين.

كل شيء إلا العسكر

القراءة المتأنية لهذا الكتاب الواقع في حوإلى 360 صفحة، من القطع الوسط، يجيز الاستنتاج بأن رهانه البحثي على إمكان فهم ما يمثله ويعبر عنه حزب الله، لم يكن بلا طائل أو جدوى. على العكس من ذلك، تأتي مساهمات المشاركين في الكتاب، وعددهم يقارب الدزّينة والنصف من الباحثين، وبينهم نسبة لا بأس بها من الباحثين الشبان / بمثابة إضاءات على وجوه بارزة من أنشطة الحزب في ميادين مختلفة.

فلنشر بادئ ذي بدء، إلى غياب أحد الوجوه البارزة من نشاط الحزب وعمله، عن متون البحوث المقدمة، ونعني بذلك النشاط العسكري وما يتّصل به مباشرة، لا حاجة للتوقف عند هذا الغياب، فالأسباب والاعتبارات بديهية، وخصوصاً بعد حرب تموز 2006. إلا أنّ غياب هذا الوجه لا ينتقص من أهمية الكتاب وقيمته البحثية، بل على العكس، يمكن اعتبار هذا الكتاب الدائر على «توصيف حال حزب الله» بحسب ترجمة معقولة لعنوانه، دليلاً على إمكان مقاربة ظاهرة مركبة ومعقَّدة، اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، بدون اختزالها إلى نواة أو جوهر يدوران حصراً على الوجه العسكري والأمني وربما العقائدي، بحسب روايات ومحاكمات شائعة وزاعمة للجذرية.

لذا يمكن القول إنّ هذا الغياب لا يدخل في عداد «المسكوت عنه». فهو لم يغب عن بال صابرينا ميرفين في تمهيدها الجامع للدراسات والمقالات التي يضمّها هذا العمل الجامعي.

ففي هذا التمهيد، أو هذه التوطئة، تضع الباحثة الخطوط العريضة لمنظار البحث وتشفعه بملاحظات وتشديدات منهجية جديرة بالتقدير. فهي ترى عن حقّ، أنّ مقاربة النسيج المعقد والمركب لظاهرة حزب الله تقتضي أولاً الإقلاع عن الكليشيهات والاستخدامات الشائعة التي تجعل منه في أسوأ الأحوال، «مليشيا شيعية أصولية»، وفي أحسنها حزباً إسلامياً.

وإذا كان حزب الله، حزباً سياسياً يستند إلى نظريات ومراجع إسلامية، بحسب ما يقول الحزب عن نفسه، فإنّه أكثر من ذلك بكثير، إنّه واقعة اجتماعية. ولاستبيان ذلك، يكفي الغوص في المجتمع الذي ينبثق عنه الحزب ويتوجه إليه بالخطاب كما يساهم في تحويله. وهذا المجتمع، تشير ميرفين، تبدّل كثيراً منذ بزوغ الحزب في مطلع الثمانينيات من القرن الفائت، كما نلحظ أنّ صورة الحزب المنتشرة داخل بيئته الاجتماعية تختلف عن الصورة المنتجة خارجها: الجدية، الاحتراف، الكفاءة، النزاهة، غياب الفساد… يمكن الجزم بأنّ تقديرات الباحثة الفرنسية بحصول تبدل في البيئة الاجتماعية الشيعية منذ ظهور حزب الله وانتشاره، لا تصدر عن انطباع أو تخمين، بل هي تتأتى من معرفة وسعة اطّلاع، مشغوعتين بمعاينة عن كثب، وعلى الأرض، لتبدلات المشهد الشيعي، تاريخاً وثقافة وتحولات اجتماعية ومسارات سياسية لا تخلو من القلق ومن المفارقات. وهذه المعرفة الموثّقة تجسّدت في باكورة أعمالها، أي مؤلفها الشائك الصادر قبل سنوات والدائر على «الإصلاح الشيعي» من خلال تتبّع تعاليم المصلح الشيعي السيد محسن الامين وسيرته، واستكشاف دلالات دعوته الإصلاحية، وحدودها أيضاً، من خلال مقاربة تاريخية وسوسيولوجية للمجتمع العاملي (الجنوبي) منذ القرن التاسع عشر إلى الحرب العالمية الثانية.

تواضع علمي

لا حاجة للقول إن تبحّر ميرفن جعلها تزداد تواضعاً، وتوخياً للدقة والحذر المنهجي، وهذا ما يحملها على ما يبدو إلى تعيين غرض الكتاب على أنّه عبارة عن مقترح يقوم على الانطلاق من الأمكنة والمواضع التي يتمظهر فيها حزب الله، وعلى معاينة عن قرب، للطريقة التي يتصرف بمقتضاها ويظهر نفسه، ويعني هذا أنّنا «نراه مثل أي فاعل اجتماعي آخر سياسي وديني: فهو مأخوذ كموضوع للدراسة عبر مختلف ميادين العلوم الاجتماعية بدون منح خطوة أو امتياز للمقاربات السياسية المتخصصة أو الجيوسياسية، وهي مقاربات يجري استدعاؤها على نحو حصري في معظم الأحيان لدى تناول الأحزاب الإسلامية».

هدف الكتاب هو دراسة حزب الله في تموضعه وفي وضعيته، كما يتبدى من خلال فعله داخل مجتمعه، لذا سيكون هناك حيز قليل «التحليل الخطابات». ويغلب على الظن هنا، أنّ إشارة ميرفين إلى قلة استناد الكتاب إلى تحليل الخطابات تتّصل بتعيين منظار البحث ولا تعني بالتالي إدارة الظهر إلى وجوه الخطاب السياسي والديني والاجتماعي، فهناك مقالات متفاوتة الطول والتوغّل، وتتناول بالتحليل والعرض وبطرق مختلفة، مضامين الخطابات ودلالاتها.

نجد ذلك مثلاً، بصورة مباشرة في مقالة الباحث الشاب ميشال تابت التي ترصد «خطاب عاشوراء» للسيد حسن نصر الله ما بين عام 1996 وعام 2007 (ص 221 ـــ 226). ونجده بطريقة غير مباشرة في العرض التسجيلي والتحليلي لشاهدات ناشطات في حزب الله، وهو عرض أعدّته الباحثة كندة شايب وفيه (ص 287 ــــ 310) تسرد الناشطات روايات عن مساراتهنّ وعن تمثيلاتهنّ لعلاقتهنّ النضالية بالحزب.

يمكننا أن نضيف أيضاً الدراسة الإناسية الوصفية والتحليلية في آن التي قدمتها الباحثة هدى قساطلي، وخصّصتها لرصد وجوه خطاب عجائبي رافق تعبيرات مقاتلين وأناس عاديين عن الاعتقاد بعون غيبي ساهم في تحقيق الانتصار على إسرائيل في حرب تموز (ص 311 ـــ 331).

علاوة على هذا، نجد المقالات والدراسات الأخرى، الدائرة على الوجه الإعلامي أو العقائدي ــــ الديني أو الاجتماعي أو التربوي، بل حتى الغنائي الموسيقي لحزب الله، نجدها تعود بالنظام إلى عبارات مأخوذة من خطابات ونشرات وكتب تعود إلى قياديّين ومسؤولين في الحزب المذكور.

لنقل إذاً إنّ منظار البحث لا يقلّل من أهمية الخطاب في بناء الصورة التي يصنعها الحزب عن نفسه أو يقدّمها للآخرين، بل هو يسعى إلى تفادي طريقة لا تخلو من الشيوع في تناول الحركات والظواهر الإسلامية وغيرها.

فهذه الطريقة تصبّ الاهتمام على الخطاب للإيحاء بأنه الجوهر الذي تنشأ عنه مادة الظاهرة، الأمر الذي يجيز الاختزال والتبسيط، ويسمح برسم هوّة افتراضية بين صورة للمجتمع المثالي ونقيض لها إرادوي ونكوصي وانتحاري وظلامي.

لا يعود هناك ثمة حاجة لقراءة المسارات والصيرورات والشروط الاجتماعية والتاريخية لتكوّن الظواهر وطرائق التعامل معها. نرجّح أنّ صابرينا ميرفين ارتأت أن تنأى بمنظار البحث عن هذا النوع من النظر والمقاربة، لأنّه بكلّ بساطة يقلّل من حظوظ الفهم، فيما يوسّع مرعى الكلام الجاهز والمعلَّب لغزلان الجذرية والدعوة والتحريض.

والحال أنّ معظم الدراسات التي يتضمّنها الكتاب يبقى شديد الالتفات، وإن بوتائر وحساسيات مختلفة، إلى السياقات التاريخية والسوسيولوجية لتكوّن الظاهرة ونموّها وازديادها تركيباً وتعقيداً. فاتسام المقالات والدراسات هذه بالطابع الوصفي ـــ التحليلي لا ينفصل عن إدراك المشرفة عليها، وإدراك المساهمين بأن الكاتب هو أيضاً مقاربة تاريخية دفعاً إلى نشوء الظاهرة، وهما: الثورة الإسلامية في إيران والاحتلال الإسرائيلي لجزء لا يُستهان به من الأرض اللبنانية بعد اجتياح عام 1982.

وكان يسعها أن تضيف على الفور حدثاً آخر، وإن كانت «حدثيّته» تؤرّخ لها بطريقة مختلفة، وهو تعاظم الطلب السوسيولوجي، خلال سنوات الحرب الأهلية، وخصوصاً بعد اجتياح عام 1978 وتهجير مئات آلاف الجنوبيّين، على إنتاج تعبير سياسي جامع وخاص بالطائفة الشيعية، أي ما سيطلق عليه لاحقاً اسم «الشيعية السياسية»، تيمّناً بـ«المارونية السياسية» وشقيقاتها.

والحقّ أنّ هذا «الحدث» السوسيولوجي لم يغب عن أفق الكتاب ومنظاره البحثي، بل هو على العكس مستبطن ومبثوث في العديد من المقالات، سواء تلك المخصصة لرصد العلاقة بين حركة أمل وحزب الله (كندة شايب ، ص 103 ـــ 107)، أو المكرّسة لروايات مسارات فردية هي نوع من كتابة سيرة وترجمة لحياة ونشاط شخصيات شيعية بارزة ومؤثرة مثل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله (أوريلي ضاهر، ص 251 ـــ 271)، أو الأمين السابق صاحب «ثورة الجياع» الملتبسة، صبحي الطفيلي (أوريلي ضاهر أيضاً، ص 273 ـــ 276)، أو أيضاً السيد محمد حسين فضل الله الموصوف بأنّه كان المرشد الروحي لحزب الله قبل أن تضطرب علاقته مع الحزب ومع إيران على خلفية اجتهادات فقهية وسياسية متنازَع عليها، وعودة هذه العلاقة إلى نوع من التوازن، والاستقرار بعد حرب تموز (صابرينا ميرفين، ص 277 ـــ 285).

الإعلام والمرآة

الوجه الإعلامي لحزب الله يشغل عملياً القسم الأوّل من الكتاب، ولم يقتصر تناول الباحثة ألفا لملوم لهذا الوجه على عرض وصفي ومتسلسل زمنياً للنشاط الإعلامي واتساع مادّته ومساحته ووسائله. فالباحثة التي سبق لها تناول ظواهر إعلامية مثل قناة الجزيرة، زاوجت في دراستها الشيقة (ص 21 ـــ 45) بين السرد التاريجي وتنظيم وقائع المادة الإعلامية واتساع تمثيله الشعبي والاجتماعي وانخراطه في المشهد اللبناني، الإعلامي وغير الإعلامي.

الدراسة إذاً هي عملية رصد للصورة التي يقدّمها حزب الله عن نفسه من خلال، أو كما تتبدى، في مرآة وسائله الإعلامية، وتلحظ لملوم بطبيعة الحال تبدّلات هذه الصورة وتطعيمها بتنويعات وتجديدات تستجيب، ليس بدون بعض اللبس، لحاجات تعهد الصفة الوطنية العريضة والإسلامية والعربية أيضاً، لسياسة حزب المقاومة، بين صدور نشرة «العهد» في عام 1984 واستقرار قناة «المنار» التلفزيونية وسيلة إعلامية بارزة.

ثمّة تاريخ يدور على كيفية نظر الحزب إلى نفسه ودوره وموقعه والحاجة إلى تطوير صورته لمخاطبة جمهوره، يتعدّى الإطار الحزبي المباشر. وفي رصدها التاريخي الموثق لهذا النشاط الإعلامي، تشير ألفا لملوم إلى تقدير بعض المراقبين أن آخر مستحدثات الجهاز الإعلامي لحزب الله هو جريدة «الأخبار». ويستند هذا الزعم إلى نهج الجريدة، وخطّ افتتاحياتها، إضافة إلى تمويلها «الخفي». وهذا ما تنفيه الصحيفة، تضيف لملوم وإن كانت لا تخفي أبداً اختيارها موقعاً أقرب إلى المعارضة.

جريدة «الأخبار» ليست في الواقع سوى أحد تمظهرات الاستقطاب الجاري داخل المشهد السياسي اللبناني. وقد أطلقها في تموز من عام 2006 كاتب الافتتاحية الكبير جوزف سماحة، وهي تضم صحافيّين من مشارب سياسية متعددة (يساريون، وقوميون ومقربون من حزب الله) ويتحدّرون من كلّ الطوائف، والحال أنّها تصدر عن التقاء بين قطاعات من اليسار العربي مع تيارات إسلامية على أرضية معارضة السياسة الأميركية في المنطقة. من جهتنا، نجد أنه لا بأس بهذا التشخيص لما تمثله وتعبّر عنه جريدة «الأخبار».

المقالة البحثية التي أعدّها أوليفييه كوش عن «قضية (قناة) المنار في فرنسا» (ص 47 ـــ 64) تستكمل دراسة الوجه الإعلامي لحزب الله والقضية التي اندلعت فصولها في تشرين الثاني / نوفمبر من عام 2003، انتهت بمنعها من البث في فرنسا.

وقد لعبت الهيئة التمثيلية للمؤسّسات اليهودية في فرنسا دوراً بارزاً في إثارة القضية استناداً إلى برنامج بثّته «المنار» ووصف باللاسامية، على أنّ الباحث الفرنسي يغوص أيضاً في الأبعاد القانونية والسياسية للقضية، مشيراً إلى أنّ المناظرة العامّة بشأن المنار، لم تأت في لحظة نظر بواقع الإعلام، بل في إطار حملة لتطويق هذه القناة في وقت شهد تقارباً بين فرنسا والولايات المتحدة للتوصّل إلى نزع سلاح حزب الله.

ثم تأتي مقالة الباحث الفرنسي فيليب دروزو ـــ فنسان الدائرة على نظرة الإدارة الأميركية إلى حزب الله (65 ـــ 74) بمثابة تمهيد للانتقال من الوجه الإعلامي إلى الوجه السياسي للحزب. ويلخّص دروز ـــ فنسان النظرة الأميركية إلى الحزب بكلمة واحدة: الإرهاب. على أنّ سيطرة صفة الإرهاب على خطاب الإدارة والإعلام الأميركيّين، لا تمنع الباحث من مقاربة الصلة بين التعريف الجاهز هذا وبين التصوّرات الأميركية لاحتوائه ومكافحته في إطار سياساتها الإقليمية وتطوّرات هذه السياسة، وخصوصاً بعد احتلال العراق وبعد اعتداءات 11 أيلول / سبتمبر، وجعل محاربة الإرهاب مدار السياسة الخارجية الأميركية.

ويندرج في هذا السياق، تعديل الإدارة على «ثورة الأرز» وقادتها في معالجة الظاهرة «الإرهابية» التي يمثّلها حزب الله. فسعي الحزب إلى إنشاء «حالة إسلاميّة» يُنظر إليه أميركياً، بحسب خطاب مانوي (ثنائي التقابل) يبثّه خبراء الإدارة في «الإرهاب»، على أنه مشروع لبناء مجتمع ـــ نقيض مغلق وإرهابي، على ما يلحظ الباحث دروز ــــ فنسان، مضيفاً أنّ مانوية الخطاب الأميركي تزايدت بعد اعتداءات 11 أيلول / سبتمر 2001.

وجوه متعدّدة بعيون غربية

في العلاقة مع دمشق وطهران

العمل العسكري لحزب الله كان شبه غائب في الكتاب (محمود الزيّات ـــ أ ف ب)العمل العسكري لحزب الله كان شبه غائب في الكتاب (محمود الزيّات ـــ أ ف ب)تناول الوجه السياسي لحزب الله يقتضي، بطبيعة الحال، إلقاء الضوء، رصداً وتحليلاً، لعلاقة الحزب مع إيران ومع سوريا، كما علاقته الناشئة في إطار ورقة التفاهم الصادرة في شباط 2006، مع التيار الوطني الحر الذي يتزعمه الجنرال ميشال عون.

وقد تولّت الباحثة صابرينا ميرفن دراسة «الصلة الإيرانية» (ص 75 ـــ 87)، حيث تلحظ أن صلة الشيعة اللبنانيّين بإيران تستند أوّلاً إلى تشارك في المذهب وفي الممارسات الدينية وإلى نوع من «المركزية» التي تتمتع بها إيران بالنظر إلى كون المذهب الشيعي مذهب غالبية الإيرانيين، وهو مذهب الدولة في آن معاً.

وتعرض ميرفين بعض جوانب تاريخية هذه الصلة ومساهمة علماء من جبل عامل في تأسيس التشيّع الإيراني. على أنّ هذه الصلة لم تكن متصلة على الدوام، وهناك أسر علمائية عابرة للقوميات والوطنيات، وهذا التوصيف ينطبق أيضاً على مزاوجة عدد من المؤسّسات الدينيّة الشيعية بين صفة وطنية محلية وصفة عابرة للحدود الوطنية.

من هذا الرصد التاريخي للعلاقة مع إيران، تخلص ميرفين إلى أنّ الرابطة السياسية هي التي تتقدّم على سواها، وأكثر من أي وقت مضى. وتقوم هذه الرابطة على تطابق النظر والرأي بشأن مسائل حاسمة، مثل رفض هيمنة القوى العظمى، الاستقلال، ودعم حركات التحرر، ومقاومة إسرائيل خصوصاً.

علاقة حزب اللّه مع وسوريا أكثر تعقيداً وتركيباً ممّا يظنّ ويذيع أصحاب التبسيط والدعاية المضادة. هذا ممّا يمكن استخلاصه من الرصد الموثّق والتحليلي، وإن في خطوطه العريضة، الذي تعرضه الباحثة ألفا لملوم. فهي تحاول الإحاطة بالرهانات السياسية المعاقبة والمتقلّبة، التي قولبت العلاقة بين وسوريا وحزب الله منذ ظهوره.

وتاريخ هذه العلاقة لا يخلو من الغموض، إذ هي في قلب تفاعل معقَّد بين حقول داخلية وخارجية ينشط فيها لاعبون مأخوذون في استراتيجيات متنافسة. ولا يمنع ذلك الباحثة من تحقيب هذه العلاقة والتمييز بين ثلاث محطّات أو مراحل أو لحظات لها؛ المرحلة الأولى، بحسب لملوم (ص 93 ــــ 101)، تتّسم بالتوتّر بين الطرفين وهي تغطّي سنوات 1982 ــــ 1993. تأتي بعد ذلك مرحلة التأقلم (1993 ــــ 2000) التي تعقبها المرحلة الحالية القائمة على التفاهم الاستراتيجي بين الطرفين. تضع لملوم بحقّ تقلّبات والتواءات هذه العلاقة في سياق التقلبات والتبدلات ونقل التحالفات التي عرفتها السياسة السورية في لبنان وحياله، فتشير إلى مجرزة شارع فتح الله من عام 1987 وإلى الرسالة النارية التي وجّهها الراعي السوي لدى إطلاق النار على تظاهرة نظّمها حزب الله احتجاجاً على اتفاقيات أوسلو، وذلك في أيلول عام 1993.

وتخلص لملوم من مقالتها البحثية التي تحتاج إلى التوسيع كما تشير، إلى القول بأن حزب الله، إذ يربط مستقبله بالنظام السلطوي في دمشق، يجازف بتشويش الصورة الديموقراطية والعابرة للطوائف، وهي الصورة التي يحرص على إعطائها عن نفسه. وهذه المشكلة تبدو صعبة على نحو خاص بالنسبة لحزب يبني شرعيته على قدرته على الاحتفاظ باستقلالية قراره.

لقد سبق أن أشرنا إلى المقالة السريعة التي وضعتها الباحثة كندة شايب (أو شعيب) عن العلاقة بين حركة أمل وحزب الله، وهي علاقة تتأرجح بين التحالف والتنافس، وشهدت تقلبات ومعارك دموية بين الطرفين، وخصوصاً في ثمانينيات القرن الفائت، وإن كانت حالياً تتسم بالاستقرار.

وهذه العلاقة بين القوتين الشيعيتين لم تغب عن بال لملوم في رصدها للعلاقة مع سوريا ونظامها.

يبقى بالطبع، لاستكمال الإحاطة بالوجه السياسي لحزب الله، بدون استنفاده، رصد العلاقة الجديدة نسبياً بين الحزب المذكور وبين التيار الوطني الحر الذي يتزعمه عون بعد عودته من منفاه الباريسي.

عون في استراتيجيّة الحزب

المقالة البحثية المخصَّصة لرصد هذه العلاقة، التي ساهم بها الباحث الفرنسي برتران دومونتيه (ص 109 ـــ 116) تحفل بإشارات ذكية ومعرفة عن قرب بالبيئة الاجتماعية العونية.

وتدور المقالة على دلالات ورقة التفاهم بين الطرفين إثر الإعلان عنها في شباط 2006. فيرى دومونتيه أنّ التفاهم نجم عن «التقاء مصالح استراتيجية» مؤكّدة، تتعلق من جهة بالطموح الرئاسي للزعيم المسيحي (أي عون) المعرّض للعزل والمفتون بسعة القاعدة الانتخابية الشيعية، و«برغبة سيطرة» لدى حزب الله الباحث عن شرعية وطنية ودعم برلماني يستحسن أن يكون عابراً للجماعات قدر الإمكان، من جهة أخرى.

ومع أنّ ورقة التفاهم لا تلزم الموقّعين عليها بتحقيق برنامج ناجز، فإنها تدوم، بحسب عبارات الباحث الفرنسي، خريطة طريق فعلية من عشر نقاط تطاول الموضوعات الحسّاسة للأزمة اللبنانية. والحال أنّ ما يقوم التفاهم بتفعيله، وفي ما يتعدّى التقارب الاستراتيجي بين الطرفين بالاستناد إلى قوة تمثيلهما الطائفي، يدور رمزياً على المصالحة الإسلامية ـــ المسيحية وعلى إنهاء حالة التشظّي التي يشهدها الإقليم (في معنى الأرض) اللبناني، بحيث يعود البلد إلى كلّ أبنائه، مسيحيّين ومسلمين، بحسب عبارات الباحث.

ومع أنّ بعض المسيحيّين رأوا هذا التقارب بمثابة خيانة يرتكبها الجنرال في حقّ القضية القائمة على مناهضة السياسية السورية، فإن التقارب هذا يحظى على ما يبدو بتأييد غالبية أعضاء التيار ومناصريه. ثمّ جاءت تعبيرات التضامن «المسيحي» للعونيّين مع النازحين من جنوب لبنان، إبّان حرب تموز 2006، لتعزيز التفاهم ونقله إلى مستوى التحالف.

ويلحظ دومونتيه غلبة العنصر الشبابي، في المعنى السوسيولوجي، على فريقي التفاهم (حوالى 73 في المئة من المنتسبين إلى التيار هم دون الخامسة والعشرين من العمر). وهذا الجمهور الشبابي يحمل غالباً «رؤية مثالية وشديدة الأخلاقية» ناجمة عن مقت نظام سياسي قائم على الزبائنيّة والمحسوبية ويهمّش قادة الطرفين المتفاهمين.

وتأتي أسطورة أو صورة «الزعيمين الأكثر نظافة في لبنان» (أي ميشال عون وحسن نصر الله) لتمثّل قاسماً مشتركاً بين الطرفين. وفي ما يخصّ التيار الوطني الحر، يرى الباحث أنه يتأرجح بين نزعة قومية عربية ذات طابع يساري، وبلاغة سيادية وعلمانية وليبرالية على الطريقة الأوروبية، واستراتيجية طائفية.

ينبغي، من زاوية نظر سوسيولوجية، اعتبار التطوّرات التي أدخلها ميشال عون، لا كثمن لمجرد رهان انتخابي، بل بالأحرى عبارة عن «منعطف استراتيجي، على المدى الطويل يسلكه قسم من القاعدة الانتخابية المسيحية المتحدّرة من «الطبقة الوسطى» والتي تجد طريقها إلى القمة مسدوداً بسبب ممارسات قائمة على العصبية ومنطقها لدى طبقة سياسية حاكمة منذ ما بعد الحرب الأهلية»، أي منذ اتفاق الطائف عملياً.

الوجه الاجتماعي لحزب الله، في المعنى المباشر للصفة الاجتماعية الدائرة في شبكة التقديمات والخدمات الاجتماعية والصحية والتربوية والعمرانية، يحظى بنصيب لا بأس به من الكتاب، ويتوزّع على ثلاث مقالات أو دراسات متفاوتة الحجم والعمق.

والحقّ أنّ الدراسة التي وضعها الباحثان ميريام كتوس وجوزيف الآغا عن خدمات حزب الله الاجتماعية لافتة للنظر (ص 117 ــــ 140)، إذ أرفقت عملية رصد هذه الخدمات ومنطق انتشارها واشتغالها بتصويبات منهجية موفّقة وضرورية. فقد حرص الباحثان على وضع تقديمات الحزب في البناء السكني والصحّة وغيرهما في سياق تاريخي وسوسيولوجي، يتعلق من جهة بالطلب الشيعي المستجد منذ الستينيات على أخذ الكلام، والسعي إلى تحسين موقع الجماعة الموصوف بالهامشية والإلحاق، وبحسب ما أشار تقرير بعثة إيرفد الفرنسية.

وقد عبّر الإمام موسى الصدر، والسيد محمد حسين فضل الله وفق منظار آخر بطريقته، عن هذا التطلع إلى تحسين الموقع الشيعي. من جهة ثانية، يعرض الباحثان شبكة الخدمات الحزب في سياق الوضع اللبناني المستجد بعد اتفاق الطائف، وفي إطار الاقتصاد والسياسي اللبناني المرسوم بضعف الخدمات العامّة للدولة وهشاشتها في ظلّ خصخصة طائفية أو خاصة لهذه الخدمات. وها هنا يدحض الباحثان اعتقاداً شائعاً مفاده أنّ شبكة التقديمات التي ينشرها حزب الله لا تجد ما يعادلها لدى الأطراف اللبنانية الأخرى. ولا يمنع هذا من الإقرار بأنّ سعة الجهاز الاجتماعي للحزب وارتباطهما بتطوّر جهاز سياسي وقوة عسكرية هي شيء غير مألوف، إلا أنّه يندرج مع ذلك في مجتمع يتسم تحديداً باضطلاع المؤسسات الخاصة بالطوائف وأرباب العمل وليس الدولة، بمعالجة الأخطار الاجتماعية.

أمّا النشاط التربوي للحزب، فهو محلّ رصد ومسح وزّعته الباحثة كاترين لوتوما على مقالتين، تبدور الأولى على شبكة المدارس التي يرعاها الحزب (ص 147 ـــ 172)، فيما تتناول الثانية (ص 173 ـــ 179) «كشّافة المهدي» ودورها في البناء العقائدي والايديولوجي «لجيل مقاوم».

«ديانة حزب الله»

قد يكون الوجه العقائدي والديني لحزب الله هو الوجه الأكثر إثارة للجدل والأكثر حضوراً في سوق السجال والمحاكمات الايديولوجية في لبنان. وهذا ما لم يغب عن بال صابرينا ميرفن التي خصّت هذا الوجه تحديداً بدراستين توخّت فيهما الدقة في التعبير وفي المقاربة، فهي تتناول في دراسة أولى ما أسمته «ديانة حزب الله» (ص 181 ـــ 206) مشدّدة، منذ البداية، على أنّه إذا كان حزب الله يؤكد اليوم على أنه حزب سياسي يمتلك خطاباً وطنياً، فإنه متجذّر أيضاً في بيئة الجماعة الشيعية التي «يخاطبها هي بالدرجة الأولى والتي تمثّل قاعدة مجتمعه المقاوم».

وعقيدة الحزب، تضيف ميرفين، تستند من جهة أخرى إلى النظرية الخمينية المتعلقة بوَلاية (بفتح الواو وليس بكسرها) الفقيه، كما تتمحور على مراجع دينية شيعية. على أنّ هذا، تلحظ الباحثة، لا يمنع من أن يقول لك أحد كوادر الحزب مفسّراً وشارحاً، إنّ الديني والسياسي ملتحمان بكل بساطة في خط واحد، هو خط الحزب، فيما يدعوك كادر آخر إلى التمييز بين السياسي والديني كي تلتقط وتعرف الحزب نفسه بكل تعقيداته.

لا يعني هذا، أي وجود تفسيرين متعارضين داخل الحزب ذاته، أنّ الأمر يتعلق بافتراق في وجهات النظر، بحسب ما تستدرك ميرفين، بل هذا يتعلق بمفارقة تعود إلى اختلافات بين السجلات التي تتقيد فيها وبها الشروحات والتفسيرات، فيما إن تطرّقنا إلى مسألة السلطة الدينية أو السياسية، يتبدّى الوضع أكثر رهافة ودقّة مما يظهر للوهلة الأولى، وهذا الأمر سيزداد تعقيداً عندما نأخذ في الحسبان المستويين الاثنين، الوطني والعابر للحدود الوطنية، الذين تندرج فيهما المؤسّسات الدينية الشيعية في لبنان عموماً، ومؤسّسات حزب الله خصوصاً، وهي تشتغل في إطار الدائرة الإسلامية (الحالة الإسلامية) حتى عندما يكون هناك خلافات سياسية.

بصورة أكثر ميدانية، ترصد ميرفين ديانة حزب الله من خلال نشاطين ومجالين للثقافة الدينية، يدور الأول على طقوس الاحتفال بذكرى عاشوراء ومحاولات الحزب إدخال تجديدات تنحو نحو «العقلنة» والتحديث واختبار أشكال مسرحية تهدف إلى التطور بدون التخلي عن الثوابت الطقوسية (ص 213 ـ 219).

النشاط الثاني يتعلق بالحوزات الدينية وكيف تنعقد داخلها العلاقة بين السياسي والديني، وها هنا تشير ميرفين إلى أنّ الحوزات الشيعية اللبنانية تبدو مقيمة على المبدأ السائد في الحوزات عموماً، بما في ذلك في قم الإيرانية وهو مبدأ استقلالية الحوزة.

أمّا نظرية «ولاية الفقيه» فهي تحظى بدارسة قصيرة (ص 207 ــ 212) تنصبّ على النقاط الفارقة بين النظرية والتطبيق. فمع أنّ هذا النظرية تحتل مكانة مهمة من ايديولوجية حزب الله، فإنّها تقتصر في التطبيق على المبادئ العامة، بحيث تبقى معرفة التفاصيل والخوض فيها شأناً يخص حزب الله اللبناني.

قصر الدراسة هذه لا يمنع من التقاطها لأبرز خطوطها ومسائل القضية، وفي مقدّمها اختلاف الآراء حولها بين المرجعيات الفاعلة في العالم الشيعي المعاصر، ممّا يحضّ على ضرورة التوسع والإحاطة بها.

يتوقّف عدد لا بأس به من مساهمات الكتاب عند مفهوم «اللبننة»، أي انخراط حزب الله، منذ انتخابات عام 1992 التشريعية، في المشهد السياسي اللبناني، وما يترتّب على هذه «اللبننة» من مفاعيل وتفاعلات.

يمكننا أن نضع في هذا السياق الصفحتين الاثنتين اللتين ساهم بهما الجامعي اللبناني طلال عتريسي لإلقاء الضوء على «اللبننة» المشار إليها من خلال رصده لمضامين الأغنيات والأناشيد التي تؤدّيها الفرق الفنية التابعة للحزب أو المؤيدة له. ويلحظ عتريسي أن الحزب قرّب في السنوات الأخيرة بين هويّته الدينية والوطنية.

كما صار العالم اللبناني يُرفَع في المناسبات الاحتفالية ويُبث النشيد الوطني، كما راحت الأناشيد الحزبية تتغنى بالجغرافيا الطبيعية اللبنانية. ويخلص الباحث الجامعي إلى القول إنّ حزب الله يقوم بمحاولة واعية لتقديم هويته الوطنية اللبنانية وإعلاء شأنها، بالنظر إلى انتمائه الديني، وذلك «بدون أي شعور بعدم التوافق بين الانتماءين».

محاكاة الفئة الوسطى

سياق «اللبننة» يتضمن أيضاً الالتفات إلى حاجات فئة وسطى شيعية تزايد نشاطها وموقعها، الأمر الذي استدعى مخاطبتها من جانب حزب الله. ويدخل في هذا الباب تقديم ممارسات وأنشطة أخرى لوجه المقاومة مثل «السياحة اللبنانية والترفيه التقي والورع»، بحسب عنوان الدراسة التي وضعتها منى حرب ولارا ديب (ص 227 ــ 245).

يبقى أن نشير في ما يخصّ الجانب المفهومي والنظري للكتاب، إلى أنّ معظم المقالات بقي مشدوداً إلى لغة وعبارات تتكثف فيها رؤية حزب الله لنفسه ولفضاء عمله وفعله.

«الحالة الإسلامية» تمثّل تعبيراً عن المنظار العريض لهوية إسلامية يصدح بها الحزب ويختبر تلويناتها وتنويعاتها ومعانيها.

العبارة الثانية هي «مجتمع المقاومة» التي تثير، كما نعلم، ابتسام البعض أو حفيظته وسخطه احتجاجاً على هذه التورية البلاغية التي لا تعني شيئاً، في عرف الساخطين والناقضين، سوى بناء مجتمع ـــ نقيض مقفل وإن كانت نوافذه كثيرة، ثمة مقالات لامست فكرة المجتمع ــــ النقيض هذا بدون التوسع فيها لاعتبارات تتعلق بالتجريبية المرنة التي يفصح عنها حزب الله، والتي تحول دون اختزاله إلى نواة منتفخة.

قصارى القول إنّ الكتاب يصلح كقاعدة انطلاق نحو بحوث معمَّقة، ويستحق القراءة العاجلة، وإن كان مزاج القراءة قد اعتلّ في الفترة الأخيرة.

* كاتب لبناني

الأخبار

عدد الاثنين ٢٦ أيار ٢٠٠٨


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى