النص الحرفي لخطاب باراك أوباما أمام اللوبي الإسرائيلي في واشنطن
شكراً جزيلاً. من الرائع أن أرى هذا العدد الكبير من الأصدقاء الطيبين من مختلف أنحاء البلاد. أودّ أن أهنّئ هوارد فريدمان وديفيد فيكتور وهوارد كور على المؤتمر الاستثنائي وعلى إنجاز مقر جديد على بعد بضعة شوارع من هنا. وأشكر صديقي الرائع لي روزنبرغ لأنه يعمل بكد من أجل العلاقة الأميركية – الإسرائيلية.
أودّ أن أعرب عن تقديري لرئيسة مجلس النواب الاستثنائية نانسي بيلوسي التي تكلّمت قبلي، وقد كانت كلماتها مهمة جداً، ولا سيما عندما تذكّرت الجنود الثلاثة الذين لا يزالون محتجزين لدى “حزب الله”. لن ننساهم وسوف نعيدهم إلى ديارهم. هذه أولوية في السياسة الأميركية وفي السياسة الإسرائيلية.
وأودّ أن أشير أيضاً إلى أن ليلتنا كانت حافلة أمس، ربما لا يزال نظرنا أنا وأفراد الطاقم مشوّشاً، لكن هناك عدد من المؤيّدين لنا في هذه الغرفة، ونحن ممتنّون جداً لهم. وأرغب في أن أشير أيضاً إلى أنه بعد الكلمة التي سألقيها، سوف تتشرّفون بالاستماع إلى مرشّحة استثنائية وامرأة استثنائية تعمل في الشأن العام. أودّ أن أحيي هيلاري كلينتون علناً على السباق الرائع الذي خاضته. إنها صديقة حقيقية لإسرائيل؛ إنها سناتورة عظيمة من نيويورك؛ إنها قائدة استثنائية في الحزب الديموقراطي وصنعت التاريخ إلى جانبي في الأشهر الستة عشر الأخيرة، وأنا فخور جداً بأنني تنافست معها.
قبل أن أبدأ، أود أن أذكر أيضاً أن البعض يتلقّون رسائل استفزازية بالبريد الإلكتروني يجري تداولها في أوساط المجموعات اليهودية في مختلف أنحاء البلاد، وربما حصل عدد قليل منكم عليها. إنها مليئة بالروايات غير القابلة للتصديق والتحذيرات الكارثية عن مرشح للرئاسة يدعى باراك أوباما ويبدو مخيفاً جداً. لكن إذا كانت هذه الرسائل قد سبّبت التشويش لأي كان، أريدكم أن تعلموا أنني سأتكلّم اليوم من قلبي وكصديق حقيقي لإسرائيل.
أنا أعلم أنه عندما أزور اللجنة الأميركية – الإسرائيلية للشؤون العامة “آيباك”، أكون بين أصدقاء طيبين، أصدقاء يشاطرونني التزامي القوي كي يكون الرابط بين الولايات المتحدة وإسرائيل غير قابل للكسر اليوم وغداً – وإلى الأبد.
أحد الأشياء الكثيرة التي تثير إعجابي لدى “آيباك” هو أنكم تناضلون من أجل هذه القضية المشتركة من أسفل الهرمية إلى أعلاها. الدم الذي يضخ “آيباك” بالحياة موجود في هذه الغرفة؛ ناشطون من مختلف الأعمار ينتمون إلى القاعدة الشعبية، إنهم من مختلف أنحاء البلاد ويأتون إلى واشنطن سنة تلو الأخرى لإسماع أصواتكم – لا شيء يعكس وجه “آيباك” أكثر من الألف ومئتي طالب الذين جاؤوا إلى هنا ليوضحوا للعالم أن الرابط بين إسرائيل والولايات المتحدة متجذّر في أكثر من مصلحتنا الوطنية المشتركة؛ إنه متجذّر في القيم والقصص المشتركة لشعبَينا. وإذا وصلت إلى الرئاسة، سوف أعمل معكم من أجل ترسيخ هذا الرابط.
تعرّفت إلى قصة إسرائيل عندما كان عمري 11 عاماً. كان هناك مستشار يهودي أميركي في المخيم لكنه عاش في إسرائيل لفترة من الوقت، وقد أخبرني قصصاً عن هذه الأرض الاستثنائية، واطّلعت على الرحلة الطويلة التي قام بها الشعب اليهودي والتصميم الراسخ الذي أظهروه من أجل الحفاظ على هويتهم من خلال الإيمان والعائلة والثقافة. سنة تلو الأخرى وقرناً تلو الآخر، حمل اليهود تقاليدهم وأحلامهم بوطن أمّ في وجه عقبات مستعصية. وقد أثّرت فيّ القصة كثيراً؛ كنت قد نشأت من دون إحساس بالجذور. كان والدي أسود من كينيا. وقد غادر المنزل عندما كان عمري عامين. كانت والدتي بيضاء من كنساس، وقد انتقلت معها إلى أندونيسيا ومن ثم إلى هاواي، وبطرق عدة لم أكن أعرف من أين أنا، وهكذا جذبني الإيمان بأن للإنسان هوية روحية وعاطفية وثقافية، وفهمت الفكرة الصهيونية بأن هناك دائماً وطناً أمّاً في صلب قصتنا. واطّلعت أيضاً على فظائع المحرقة التي جعلت من رحلة العودة إلى إسرائيل أمراً ملحاً جداً.
في الجزء الأكبر من طفولتي، عشت مع جدَّي، وقد خدم في الحرب العالمية الثانية وكذلك شقيقه. كان فتى من كنساس لم يكن يتوقع على الأرجح رؤية أوروبا فكم بالأحرى الفظائع التي كانت بانتظاره هناك. وطوال أشهر بعد عودته من ألمانيا، بقي في حالة صدمة، وحيداً مع الذكريات المؤلمة التي لم تبارح تفكيره. وكان شقيقه جزءاً من فرقة المشاة الثانية 89، وهم الأميركيون الأوائل الذين وصلوا إلى معسكر اعتقال نازي. فحرروا أوردروف التي كانت جزءاً من بوخنوالد في يوم من أيام نيسان 1945. الفظائع التي ارتُكبت في ذلك المعسكر أكبر من قدرتنا على التخيّل؛ مات عشرات الآلاف من الجوع أو التعذيب أو المرض أو قتلاً؛ وكان هذا جزءاً من آلة القتل النازية التي أودت بحياة ستة ملايين شخص. عندما دخل الأميركيون المكان، اكتشفوا أكواماً ضخمة من الجثث والناجين الذين يتضوّرون جوعاً. وأمر الجنرال أيزنهاور الألمان في البلدات المجاورة بالتجوال في المعسكر كي يروا ما الذي يُرتكَب باسمهم. كما أمر الجنود الأميركيين بالقيام بجولة في المعسكر ليروا الشر الذي يحاربونه. ودعا أعضاء الكونغرس والصحافيين ليشهدوا على ما جرى، وأمر بالتقاط الصور وتصوير أشرطة فيديو.
وفسّر أيزنهاور تصرّفه هذا بالقول إنه أراد الحصول على أدلة مباشرة وملموسة عما حصل، تحسّباً لأي اتجاه قد يظهر في المستقبل لاعتبارها مجرّد بروباغندا. وقد رأيت بعض تلك الصور في ياد فاشيم، وهي لا تبارح أبداً ذهن من يراها. إنها مجرّد فكرة عن القصص التي يحملها معهم الناجون من المحرقة. على غرار أيزنهاور، كل واحد منّا هو شاهد في وجه كل من ينكر هذه الجرائم التي لا توصَف أو يتحدّث عن تكرارها. يجب ألا نسمح بتكرار مثل هذا الكلام أبداً.
بعد بضع سنوات من تحرير المعسكرات، أعلن ديفيد بن غوريون تأسيس دولة إسرائيل اليهودية. نعرف أن إنشاء إسرائيل كان عادلاً وضرورياً، متجذّراً في قرون من النضال وعقود من العمل الصبور، لكن بعد ستين عاماً، نعرف أنه لا يمكننا التراخي ولا الاستسلام، وإذا أصبحت رئيساً لن أساوم أبداً عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل.
لن أساوم لا سيما أن هناك أصواتاً لا تزال تنكر المحرقة؛ لا سيما أن هناك مجموعات إرهابية وقادة سياسيين ملتزمين تدمير إسرائيل؛ لا سيما أن هناك خرائط في الشرق الأوسط لا تعترف حتى بوجود إسرائيل، وكتباً مدرسية مموّلة من الحكومة مليئة بالحقد تجاه اليهود؛ لا سيما أن هناك صواريخ تمطر على سديروت، وأنه على الأولاد الإسرائيليين أن يأخذوا نفَساً عميقاً ويتحلوا بشجاعة غير عادية كل مرة يستقلّون فيها الحافلة أو يذهبون مشياً على الأقدام إلى المدرسة. لطالما فهمت سعي إسرائيل إلى السلام وحاجتها إلى الأمن، لكن إدراكي هذا ترسّخ في شكل خاص خلال الرحلة التي قمت بها إلى إسرائيل قبل عامين وتطرّق إليها لي [روزنبرغ]. فقد رأيت من على متن مروحية تابعة لقوات الدفاع الإسرائيلية، قطاعاً ضيقاً وجميلاً من الأراضي قبالة البحر المتوسط. والتقيت على الأرض عائلة دمّر صاروخ كاتيوشا منزلها، وتحدّثت مع جنود إسرائيليين كانوا يواجهون مخاطر يومية في حفاظهم على الأمن قرب الخط الأزرق. وتكلمت مع أشخاص لا يريدون شيئاً أكثر بساطة أو أكثر وهماً من مستقبل آمن لأولادهم.
وأنا فخور بأن أكون جزءاً من إجماع قوي ثنائي الحزب وقف إلى جانب إسرائيل في وجه كل التهديدات. هذا التزام نتشاطره جون ماكين وأنا لأن دعم إسرائيل في هذا البلد يذهب أبعد من الحزب. لكن يجب أن يكون جزء من التزامنا التكلّم جهاراً عندما يكون أمن إسرائيل مهدداً، ولا أظن أن أياً منا يشعر أن السياسة الخارجية التي تطبّقها أميركا في الآونة الأخيرة تجعل إسرائيل أكثر أماناً. “حماس” تسيطر الآن على غزة؛ و”حزب الله” أحكم سيطرته على جنوب لبنان ويستعرض عضلاته في بيروت. وبسبب الحرب في العراق، اكتسبت إيران التي لطالما كانت خطراً أكبر على إسرائيل من العراق، زخماً وتطرح الآن على الولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط التحدي الاستراتيجي الأكبر منذ جيل. يعاني العراق من عدم الاستقرار، وتنظيم “القاعدة” يجنّد مزيداً من الأشخاص. وتعثّر سعي إسرائيل إلى السلام مع جيرانها على الرغم من الأعباء الثقيلة التي يتحمّلها الشعب الإسرائيلي، وأميركا أكثر عزلة في المنطقة مما يحدّ من قوتنا ويهدّد سلامة إسرائيل. السؤال المطروح هو: كيف نمضي قدماً؟ هناك من يكملون ويزيدون هذا الستاتيكو الفاشل تفاقماً متجاهلين ثماني سنوات من الأدلة المتراكمة بأن سياستنا الخارجية تعاني من شوائب خطيرة. ثم هناك من يضعون كل مشكلات الشرق الأوسط على عتبة إسرائيل ومؤيّديها وكأن النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني هو أصل كل المشكلات في المنطقة. تحمّل هذه الأصوات الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط مسؤولية التطرّف في المنطقة. وتقدّم الوعد الخاطئ بأن التخلي عن حليف مخلص هو السبيل نحو القوة. هذا غير صحيح؛ لم يكن يوماً كذلك ولن يكون كذلك أبداً.
يستند تحالفنا إلى مصالح وقيم مشتركة. الذين يهدّدون إسرائيل يهدّدوننا؛ لطالما واجهت إسرائيل هذه المخاطر على الجبهات الأمامية، وسوف أحمل إلى البيت الأبيض التزاماً لا يتزعزع بأمن إسرائيل. ويبدأ ذلك بضمان التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. سأحرص على أن تكون إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها ضد أي تهديد من غزة إلى طهران. التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة وإسرائيل هو نموذج ناجح ويجب ترسيخه. إذا وصلت إلى الرئاسة، سوف أطبّق مذكرة تفاهم نقدّم بموجبها 30 مليار دولار من المساعدات إلى إسرائيل في العقد المقبل. إنها استثمارات في أمن إسرائيل الذي لن يكون مرتبطاً بأي دولة أخرى.
أولاً يجب أن نوافق على طلب المساعدات الخارجية لسنة 2009، وعلمت أن رئيسة مجلس النواب بيلوسي والسناتور ريد جاهزان لذلك. ويمكننا أن نعزّز تعاوننا في مجال الدفاع الصاروخي؛ يجب أن نصدّر المعدات العسكرية لحليفتنا إسرائيل بموجب الخطوط العريضة نفسها المطبّقة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وسوف أؤيّد دائماً حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في الأمم المتحدة وحول العالم.
يدرك الإسرائيليون من خلال المشهد السياسي أن الأمن الحقيقي لا يتحقّق إلا من طريق سلام دائم، ولهذا يجب أن نعقد، نحن أصدقاء إسرائيل، العزم على القيام بكل ما يمكننا لمساعدة إسرائيل وجيرانها على إحلال هذا السلام لأن السلام الدائم والآمن يصب في مصلحة إسرائيل الدائمة. ويصب أيضاً في مصلحة أميركا الوطنية ومصلحة الشعب الفلسطيني والعالم العربي.
إذا وصلت إلى سدّة الرئاسة، سوف أعمل لمساعدة إسرائيل على تحقيق هدف الدولتين – دولة إسرائيلية يهودية ودولة فلسطينية تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمن ولن أنتظر حتى الأيام الأخيرة من رئاستي. سوف أضطلع بدور ناشط وألتزم شخصياً القيام بكل ما بوسعي لترويج قضية السلام منذ بداية عهدي.
يقتضي طريق السلام الطويل وجود شركاء فلسطينيين ملتزمين القيام بهذه الرحلة. يجب أن نعزل “حماس” حتى تتخلّى عن الإرهاب وتعترف بحق إسرائيل في الوجود وتتقيّد بالاتفاقات السابقة. لا مكان للتنظيمات الإرهابية إلى طاولة المفاوضات. لهذا عارضت إجراء انتخابات عام 2006 بمشاركة “حماس”. حذّرنا الإسرائيليون والسلطة الفلسطينية من إجراء هذه الانتخابات غير أن الإدارة الحالية لم تبالِ، وكانت النتيجة سيطرة “حماس” على غزة التي أصبحت منطلقاً للصواريخ على إسرائيل. يجب أن يفهم الشعب الفلسطيني أن التقدّم لن يتحقق من خلال المكاسب الخاطئة للتطرّف أو الاستخدام الفاسد للمساعدات الخارجية. يجب أن تقف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إلى جانب الفلسطينيين الملتزمين القضاء على الإرهاب وحمل عبء صنع السلام. سوف أحضّ الحكومات العربية بقوة على اتخاذ الخطوات الضرورية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل والاضطلاع بمسؤولياتها في الضغط على المتطرّفين وتقديم دعم حقيقي للرئيس عباس ورئيس الوزراء فياض.
يجب أن تضع مصر حداً لتهريب الأسلحة في غزة. وتستطيع إسرائيل أيضاً أن تدفع في اتجاه السلام عبر اتخاذ الخطوات المناسبة المنسجمة مع أمنها من أجل تسهيل حركة الفلسطينيين وتحسين الظروف الاقتصادية في الضفة الغربية، والامتناع عن بناء مستوطنات جديدة بحسب ما تم الاتفاق عليه مع إدارة بوش في أنابوليس. سأكون واضحاً، أمن إسرائيل مقدّس إلى أبعد الحدود. ليس قابلاً للتفاوض؛ يريد الفلسطينيون دولة متماسكة ومتجاورة الأراضي تسمح لهم بالازدهار، لكن أي اتفاق مع الشعب الفلسطيني يجب أن يحافظ على هوية إسرائيل كدولة يهودية ذات حدود آمنة ومعترف بها ويمكن الدفاع عنها. ويجب أن تبقى القدس عاصمة إسرائيل، وألا تُقسَّم.
لا أتوهّم بأن أياً من هذا سيكون سهلاً. فهو يتطلّب قرارات صعبة من الجانبين لكن إسرائيل قوية بما يكفي لتحقيق السلام شرط أن يكون لديها شركاء ملتزمون هذا الهدف. يريد معظم الإسرائيليين والفلسطينيين السلام ويجب أن نمدّهم بالدعم. يجب أن تكون الولايات المتحدة شريكاً قوياً وثابتاً في هذه العملية – ليس لفرض تنازلات إنما لمساعدة الشركاء الملتزمين على تفادي الجمود والفراغ الذي يملأه العنف. وهذا ما ألتزم القيام به في حال وصولي إلى سدة الرئاسة.
التهديدات التي تحدق بإسرائيل تبدأ على مقربة منها لكنها لا تنتهي هناك. تواصل سوريا دعمها للإرهاب والتدخّل في لبنان، وقد اتخذت خطوات خطيرة في سعيها للحصول على أسلحة دمار شامل، ولهذا كان التحرّك الإسرائيلي مبرراً في شكل كامل بهدف وضع حد لذلك التهديد.
أعتقد أيضاً أن للولايات المتحدة مسؤولية في دعم المجهود الإسرائيلي لتجديد محادثات السلام مع السوريين. يجب ألا نرغم إسرائيل أبداً على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. لكن يجب ألا نعرقل أبداً المفاوضات عندما يقرّر القادة الإسرائيليون أنها قد تخدم المصالح الإسرائيلية. إذا أصبحت رئيساً، سوف أفعل كل ما بوسعي لمساعدة إسرائيل على النجاح في هذه المفاوضات، ويتطلّب النجاح التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن 1701 في لبنان ووقف الدعم السوري للإرهاب. حان الوقت لوضع حد لهذا السلوك المتهوّر.
إيران هي الخطر الأكبر على إسرائيل وعلى السلام والاستقرار في المنطقة. يضم الحضور جمهوريين وديموقراطيين، ويجب ألا يشك أعداء إسرائيل بأنه بغض النظر عن الحزب الذي ينتمي إليه الأميركيون، إنهم يقفون جنباً إلى جنب في التزامهم أمن إسرائيل. لا أريد أن أبدو بأنني ثنائي الحزب بل أريد أن أتطرّق إلى بعض التحريف المتعمّد لمواقفي. يدعم النظام الإيراني المتطرفين الذين يلجأون إلى العنف ويتحدّانا في مختلف أنحاء المنطقة. ويسعى إلى امتلاك قدرة نووية من شأنها أن تطلق سباق تسلّح خطيراً وتثير شبح انتقال المعرفة النووية إلى الإرهابيين. ينكر رئيسها المحرقة ويهدّد بمحو إسرائيل عن الخريطة. الخطر الإيراني كبير؛ إنه حقيقي؛ وسوف يكون هدفي القضاء على هذا التهديد. لكن تماماً كما نتمتّع بصفاء الرؤية حيال التهديد، يجب أن نكون واضحين بشأن فشل السياسة الحالية. كنا نعلم عام 2002 أن إيران تدعم الإرهاب، وأنها تملك برنامجاً نووياً غير قانوني، وتشكّل تهديداً خطيراً لإسرائيل؛ لكن بدلاً من اتباع استراتيجيا لمعالجة هذا التهديد، تجاهلناه وقمنا باجتياح العراق واحتلاله. عندما عارضت الحرب، حذّرت من أن من شأنها تأجيج نيران التطرف في الشرق الأوسط؛ وهذا بالضبط ما حصل في إيران. أحكم المتشدّدون قبضتهم وانتُخب محمود أحمدي نجاد رئيساً عام 2005. وأصبحت الولايات المتحدة وإسرائيل أقل أماناً. أحترم السناتور ماكين وأتطلع إلى مناظرة جوهرية معه في الأشهر الخمسة المقبلة، لكننا اختلفنا في هذه النقطة وسوف نستمرّ في الاختلاف. يرفض السناتور ماكين أن يفهم أو يعترف بإخفاق السياسة التي من شأنه أن يستمر في تطبيقها. ينتقد استعدادي لاستعمال الديبلوماسية القوية لكنه يقدّم واقعاً بديلاً يعتبر من خلاله أن الحرب في العراق شلّت إيران بطريقة ما.
الحقيقة هي العكس تماماً. لقد عزّزت إيران موقعها؛ وتعمد الآن إلى تخصيب الأورانيوم، وتشير المعلومات والتقارير إلى أنها تخزّن 150 كيلوغراماً من الأورانيوم المنخفض التخصيب. وزاد دعمها للإرهاب وتهديداتها لإسرائيل؛ تلك هي الوقائع ولا يمكن إنكارها، وأرفض مواصلة سياسة جعلت الولايات المتحدة وإسرائيل أقل أماناً.
يقدّم السناتور ماكين والآخرون خياراً خاطئاً – مواصلة المسار في العراق أو تسليم المنطقة لإيران. أرفض هذا المنطق لأن هناك سبيلاً أفضل. إبقاء جميع جنودنا عالقين إلى ما لا نهاية في العراق ليس السبيل لإضعاف إيران؛ فهذا بالضبط ما زادها قوة. إنها سياسة البقاء وليست سياسة الانتصار. اقترحت إعادة انتشار مسؤولة وممرحلة لجنودنا في العراق. سوف نخرج بحذر شديد تماماً كما دخلنا بتهور شديد؛ سوف نمارس وأخيراً ضغوطاً على القادة العراقيين ليتحملوا مسؤولية فعلية عن مستقبلهم. وسوف نستعمل أيضاً كل عناصر القوة الأميركية للضغط على إيران. سأفعل كل ما بوسعي لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، سأفعل كل ما بوسعي لمنعها.
ويبدأ ذلك بديبلوماسية صلبة وقوية ومستندة إلى المبادئ من دون شروط مسبقة مسيئة لها إنما انطلاقاً من فهم متبصّر لمصالحنا. لا وقت لدينا لنهدره. لا يمكننا أن نستبعد من دون شروط مقاربة من شأنها أن تمنع إيران من حيازة أسلحة نووية. جرّبنا محادثات مجتزأة ومحدودة بينما نوكل العمل المستدام إلى حلفائنا الأوروبيين. لم ينجح هذا الأسلوب، وقد حان الوقت لتتخلّى الولايات المتحدة عنه. وسوف تكون هناك تحضيرات مترويّة ومدروسة. سنفتح خطوط الاتصال ونضع أجندة وننسّق عن كثب مع حلفائنا ولا سيما إسرائيل، ونقوّم فرص التقدّم. وخلافاً لمزاعم البعض، لست مهتماً بالجلوس مع خصمنا بهدف التكلّم وحسب. لكنني سأكون مستعداً في حال وصولي إلى سدّة الرئاسة، لقيادة ديبلوماسية صلبة ومستندة إلى المبادئ مع القادة الإيرانيين الملائمين في زمان ومكان أختارهما بنفسي إذا، وفقط إذا كان ذلك يحقّق مصالح الولايات المتحدة. هذا هو موقفي. وأريده أن يكون واضحاً وضوحاً تاماً.
بدأ البعض يردّد في الآونة الأخيرة أن الديبلوماسية بحكم التعريف لا يمكن أن تكون صلبة. إنهم ينسون المثال الذي أعطاه كل من ترومان وكينيدي وريغان. لقد أدرك هؤلاء الرؤساء أن الديبلوماسية التي يدعمها نفوذ حقيقي هي أداة أساسية من أدوات فن الحكم. وحان الوقت لنجعل من الديبلوماسية الأميركية أداة للنجاح من جديد – وليس مجرّد وسيلة لاحتواء الفشل. سنطبّق هذه الديبلوماسية من دون أوهام بشأن النظام الإيراني. سوف نقدّم خياراً واضحاً. إذا تخلّيتم عن برنامجكم النووي الخطير ودعمكم للإرهاب وتهديداتكم لإسرائيل، فسوف تكون هناك محفّزات مهمة بما في ذلك رفع العقوبات، والاندماج السياسي والاقتصادي في المجتمع الدولي. وإذا رفضتم، فسوف نزيد الضغوط. سوف تعزّز رئاستي سلطتنا بينما نستعيد مكانتنا. واستعدادنا لسلوك طريق الديبلوماسية سيجعل من الأسهل علينا حشد الآخرين لينضموا إلى قضيتنا. إذا لم تغيّر إيران مسارها عندما تعرض عليها الولايات المتحدة هذا الخيار، فسيكون واضحاً للشعب الإيراني والعالم بأن النظام الإيراني هو من يعزل نفسه، وسيعزّز هذا موقفنا في نظر روسيا والصين عندما نصرّ على تشديد العقوبات في مجلس الأمن. ويجب أن نعمل مع أوروبا واليابان ودول الخليج كي نجد كل سبيل ممكن خارج الأمم المتحدة لعزل النظام الإيراني، بدءاً من وقف ضمانات القروض وتوسيع العقوبات المالية وصولاً إلى منع تصدير النفط المكرّر إلى إيران ومقاطعة الشركات التي هي على صلة بالحرس الثوري الإيراني الذي صُنِّفت “قوات القدس” التابعة له عن حق في خانة المنظمات الإرهابية.
اهتممت لاقتراح السناتور ماكين المقاطعة كمصدر لممارسة النفوذ، ليس المقاطعة المتعصّبة التي تسعى إلى معاقبة العلماء والأكاديميين الإسرائيليين بل المقاطعة التي تستهدف النظام الإيراني. إنه مفهوم جيد لكنه ليس جديداً؛ فقد بادرت إلى إطلاق مشروع قانون قبل عام يشجّع الولايات والقطاع الخاص على مقاطعة الشركات التي تتعامل مع إيران. ويحظى هذا المشروع بالدعم من الحزبين؛ لكن السناتور ماكين لم يوقّع عليه لأسباب أترك له أن يشرحها. غير أن سناتوراً مجهولاً يمنع إقرار المشروع. حان الوقت لتحويله قانوناً كي نتمكّن من تشديد الضغوط على النظام الإيراني. ويجب أن نطبّق أيضاً عقوبات أحادية أخرى تستهدف المصارف والأصول الإيرانية.
وإذا أردنا ممارسة نفوذ حقيقي على إيران، يجب أن نحرّر أنفسنا من استبداد النفط. سعر برميل النفط هو من أخطر الأسلحة في العالم. لقد أدّت البترودولارات التي تموّل الأسلحة التي تقتل الجنود الأميركيين والمواطنين الإسرائيليين، وسياسات إدارة بوش إلى ارتفاع سعر النفط، في حين أن سياسة الطاقة التي تتبعها هذه الإدارة جعلتنا أكثر اعتماداً على النفط والغاز الخارجيين. حان الوقت كي تتخذ الولايات المتحدة خطوات فعلية لوضع حد لإدماننا على النفط، ويمكننا أن ننضم إلى إسرائيل انطلاقاً من قانون التعاون الأميركي – الإسرائيلي حول الطاقة الذي تم إقراره العام الماضي، من أجل تعميق شراكتنا في تطوير مصادر بديلة للطاقة.
يجب أن نعمل مع إسرائيل فنعزّز التعاون العلمي بيننا ونوحّد جهودنا في الأبحاث والتنمية. السبيل الأكثر رسوخاً لتعزيز نفوذنا في المدى الطويل هو وقف تمويل النظام الإيراني.
أخيراً، كونوا على ثقة بأنني سألوّح باستمرار بالتهديد بالعمل العسكري للدفاع عن أمننا وعن حليفتنا إسرائيل. لا تتشوّشوا. أحياناً لا بديل من المواجهة لكن هذا يزيد من أهمية الديبلوماسية. إذا استعملنا القوة العسكرية، الاحتمال أكبر بأن ننجح، وسوف نحظى بدعم أكبر بكثير في الداخل والخارج إذا استنفدنا جهودنا الديبلوماسية. هذا هو التغيير الذي نحتاج إليه في سياستنا الخارجية، تغيير يعيد للولايات المتحدة قوتها ونفوذها؛ تغيير يرافقه تعهّد سأجعله معلوماً للحلفاء والأخصام على السواء – وهو أن أميركا تحافظ على صداقة لا تتزعزع مع إسرائيل والتزام لا يهتزّ بأمنها.
لقد ساعدتم، بصفتكم أعضاء في “آيباك”، على تحقيق هذا الإجماع الثنائي الحزب لدعم حليفتنا إسرائيل والدفاع عنها. وأنا واثق من أنكم ستلتقون أعضاء من الكونغرس اليوم في كابيتول هيل وتنشرون الخبر. لكن السياسة ليست السبب الوحيد لوجودنا هنا؛ نحن هنا لأن القيم العزيزة على قلبنا متجذّرة بقوة في قصة إسرائيل. انظروا إلى ما حقّقته إسرائيل في ستين عاماً – فطوال عقود من النضال بعد المحرقة المروّعة، كان على هذه الأمة أن تؤمّن وطناً لليهود من مختلف أنحاء العالم، من سوريا إلى أثيوبيا وصولاً إلى الاتحاد السوفياتي. وفي وجه التهديدات المستمرة، انتصرت إسرائيل. وفي وجه المخاطر المستمرة، ازدهرت. لقد حافظت إسرائيل التي تعيش حالة من انعدام الأمن المستمر، على خطاب حي ومنفتح والتزام طيّع بسيادة القانون.
كما يقول لكم أي إسرائيلي، ليست إسرائيل مكاناً مثالياً، لكنها على غرار الولايات المتحدة تشكّل قدوة للجميع في سعيها نحو مستقبل أكثر مثالية. ونجد الخصال نفسها لدى اليهود الأميركيين. لهذا السبب وقف عدد كبير من الأميركيين اليهود إلى جانب إسرائيل مع سعيهم إلى ترويج القيم الأميركية في الوقت نفسه لأن هناك التزاماً متجذراً في الإيمان والتقليد اليهوديين، التزاماً بالحرية والإنصاف والعدالة الاجتماعية والمساواة في الفرص – Tikkum Olam، واجب إصلاح هذا العالم.
لن أنسى أبداً أنني ما كنت لأقف هنا اليوم لولا الالتزام الذي اتُّخِذ ليس في المجتمع الأميركي الأفريقي وحسب إنما أيضاً في المجتمع الأميركي اليهودي، والحركات الاجتماعية الكبرى في تاريخ بلادنا – لقد وقف الأميركيون اليهود والأفارقة جنباً إلى جنب. استقلوا الحافلات معاً إلى الجنوب؛ وساروا في مسيرات معاً؛ وأريقت دماؤهم معاً. وكان أميركيون يهود أمثال أندرو غودمان ومايكل شويرنر مستعدّين للموت إلى جانب جيمس تشيني الأسود باسم الحرية والمساواة. ما تركوه هو إرث لنا؛ ويجب ألا نسمح بتوتّر العلاقات بين الأميركيين اليهود والأميركيين الأفارقة. إنه رابط يجب تعزيزه؛ معاً نعيد تكريس أنفسنا لوضع حد للأحكام المسبقة ومحاربة الحقد بمختلف أشكاله. معاً نستطيع أن نجدّد التزامنا العدالة. نستطيع أن نضمّ أصواتنا معاً، وعندئذٍ حتى أقوى الجدران تنهار. ويجب أن يشمل ذلك العمل التزاماً مشتركاً حيال إسرائيل. أنتم وأنا نعلم أن علينا ألا نقف مكتوفي الأيدي. حان الوقت لنكون حذرين في مواجهة كل الأعداء بينما نمضي قدماً في السعي لبناء مستقبل من السلام لأولاد إسرائيل وجميع الأولاد.
حان الوقت للوقوف إلى جانب إسرائيل بينما تكتب الفصل المقبل في رحلتها الاستثنائية. حان الوقت لنوحّد جهودنا من أجل إصلاح هذا العالم، وأتطّلع إلى أن أكون شريكاً لـ”آيباك” نعمل معاً على تحقيق هذا الهدف. شكراً جزيلاً لكم، بارككم الله.
(مؤتمر اللجنة الاميركية – الاسرائيلية للشؤون العامة (آيباك) واشنطن – 4 حزيران 2008 ترجمة نسرين ناضر)