صفحات أخرى

ندوة فكرية حوارية حوّل كتاب سلامة كيلة -الماركسية والقومية في الوطن العربي-.

null


عرض وتغطية عمار ديوب
عقدت في مركز جفرا التابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 5/6/2008 ندوة حول كتاب أصدره الباحث الماركسي سلامة كيلة بعنوان “الماركسية والقومية في الوطن العربي”. وشارك الدكتور ماهر الشريف و أبو علي حسن عضو المكتب السياسي للجبهة مناقشة الكتاب بحضور المؤلف
.

الكتاب وكذلك ورقة سلامة كيلة التي قدمها كمدخل للمناقشة تسرد مجموعة من الأفكار الهامة حول الموضوع. حيث ميّز بين الأمة والحركة القومية، فالأمة حقيقة ناجزة تاريخياً أما الحركة القومية فهي مشروع حديث .ولا يجوز الخلط بين المسألة القومية كمسألة واقعية وبين الحركة القومية والفكر القومي .وبالتالي فإن القضية القومية هي قضية هامة، وكل طبقة اجتماعية تتبناها بطريقة مختلفة.وأما الحركة القومية العربية الحديثة فقد ظهرت وأكدت نفسها مع انفصال ميشيل عفلق وصلاح البيطار عن المثقفين الماركسيين كسليم خياطة و رئيف خوري وآخرين .الذين بدورهم تمّ تخطي رؤيتهم الواضحة في وثيقة”في سبيل الوحدة العربية” في مؤتمر زحلة1937 ، والتي تمّ جبّها مع وصول خالد بكداش لقيادة الحزب الشيوعي وسيادة الرؤية الستالينية .التي أكدت أن المسألة القومية مسألة برجوازية إستناداً إلى أن الأمة العربية غير موجودة وفق تعريف ستالين الذي يربط نشؤ الأمة بنشؤ الرأسمالية وباعتبار العرب لم يدخلوا الرأسمالية فالأمة العربية غير موجودة. وبالتالي لا بد من نضال برجوازي لكي تنشأ الأمة وهذه مهمة البرجوازية حصراً.وباعتبار الماركسية العربية أصبحت قبلتها وكعبتها الدولة السوفيتية، فإنها أقرت بأن الأمة العربية غير موجودة بل هي فقط في طور التكوين.وما هو موجود شعوب عربية ودول، وليس هناك أمة موجودة تاريخياً.وبالتالي ليس هناك مسألة قومية على جدول مهمات الماركسيين .ومن يتكلم بها وعنها يتكلم عن تعصب قومي وهو خائن للأممية التي لا تعترف بالقومية وإنما فقط بعالم واحد.

هذا الفهم الماركسي يسميه سلامة ماركسية عاميّة أو نصية.وقد ميّز بعض الاتجاهات التي شكلت اختلافاً عن الحركة الشيوعية الرسمية ولكنها لم تتطور وتجبّ الحركة الرسمية، وقد برز فيها فكر وتنظيرات الياس مرقص وياسين الحافظ وناجي علوش وسمير أمين وفوزي منصور وآخرين.

ويزعم الكاتب أن المسألة القومية هي المشكلات التي تعاني منها الأمة، كالتجزئة والاحتلال والقطرية ولا بد من تجاوزها.وقد طرحتها الحركة القومية بشكل سليم و كان لا بد أن تكون إحدى مهمات الماركسيين العرب، وهذه خطيئتهم الأساسية.وبتجاهل كونها قضايا قومية، استندت إليها الرؤية الشيوعية العربية في توجهاتها وفكرها ؛ كونها الواقع الذي ينفي وجود الأمة ما دامت مجزأة في بلدان عدة،ولم تسد البرجوازية. وبالتالي ليست موجودة الأمة العربية كأمة مشكلة تاريخياً ولا بد من العمل من أجلها وهي مهمة البرجوازية كما أشار.ولذلك لم تتجاوز رؤية الحركة الشيوعية الواقع الاستعماري التي شكلت الدول العربية وفقه أي وفق اتفاقيات سايكس بيكو.وهنا مركز فشلها الرئيسي حيث أن المسألة القومية كانت قضية العرب الأولى في القرن العشرين.وستبقى قضية رئيسية ما دام العرب مقسمين إلى دول قطرية ومتجاهلين كونهم أمة واحدة.وبخصوص الأمة فهي مشكّلة سواء أكانت الدولة موجودة كممثلة للأمة أو لم تكن موجودة.

ويرى أن الخلاف الكبير بين القومية العربية والماركسية العربية يتحمل وجوده وعي التيارين المشار إليهما معاً.فالماركسية تجاهلت القضية تماماً واعتبرتها مسألة برجوازية .والحركة القومية فهمت أهميتها وتبنتها. ولذلك نجحت فيما أخفق الشيوعيين رغم تلمسهم لأهميتها قبل 1937. وأما الحركة القومية فرغم تبنيها لهذه القضية لم تستطيع السير بها نحو الوحدة لان هذه الحركة حركة عبرت عن فئات برجوازية صغيرة تحلم بالرأسمالية وفهمت القضية القومية فهماً مثالياُ.ولذلك يرى سلامة أن فشل الحركة الشيوعية عن التقاط هذه القضية هو ما أدى إلى فشل هذه الحركة بصورة عامة .ولأن البرجوازية لم تعد صاحبة مشروع مستقل وهي تابعة لذلك أصبحت هذه القضية ؛التي هي قضية التقدم والحداثة والعلمانية وإقامة نمط إنتاج جديد، هي قضية الحركة الشيوعية.وبالتالي لا بد للأخيرة من تجاوز أخطائها وتبني هذه القضية.ولا يفيد هنا العودة إلى ماركس أو أنجلز أو لينين أو غيرهم-ويمكن فقط من اجل التعلم والمنهجية- فالقضية قضية واقعية ومتعلقة بوجود التجزئة والاستعمار وهشاشة الاستقلال. وبالتالي لا بد من تبني هذه القضية.ويمكن الاستناد إلى ما أتى في سياق الفكر العربي ولا سيما لدى الياس مرقص أو ياسين الحافظ وطبعاً إلى رئيف خوري وسليم خياطة وآخرين.

أما الدكتور ماهر الشريف المهتم بتاريخ الحركة الشيوعية:

فقد أكد أن في الكتاب تكرار لبعض القضايا، وغياب خط موجه وجامع للبحث، وكأن فصول الكتاب كتبت على مراحل متعددة. وأشار بأن الكتاب ورغم استناده إلى تعريف ستالين للأمة ونقده له ،فإن سلامة لم يذكر التعريف في كتابه. كما أن سلامة في نقده للحركة الشيوعية العربية لم يستند لنصوص تلك الحركة.وأشار إلى غياب التحليل التاريخي.وأكد أن هذا التحليل غير تاريخي وفيه أيديولوجيا واضحة أكثر من العلم والواقع.

ورأى أن الحركة القومية نشأت قبل افتراق ميشيل عفلق وصلاح البيطار عن كتلة المثقفين الذي خطوا الوثيقة المشار إليها عام 1937 وأنها تعود إلى القرن التاسع عشر. وسرد أسماء مجموعة من الجمعيات المعروفة التي كانت بالضد من العثمانيين والفرنسيين لاحقاً.وهذه الحركة سابقة على الحركة الشيوعية.

وأشار إلى أن عصر 1924 -1937 الذهبي بالنسبة للحركة الماركسية العربية حيث شمّلت مشروعها القضية القومية كما يشير سلامة، هو نفسه عصر سيطرة ستالين، فكيف نوفق بين الآمرين؟

وفي الرد على سلامة أكد أن مشكلة الحركة القومية ليست في تبعيتها للاتحاد السوفييتي بل في عجزها عن أن تكون مستقلة. والسبب في ذلك انفصالها عن تراث مفكري عصر النهضة.وهو ما سهّل عملية الالتحاق والتبعية.

وفي مسألة الأمة حاول ماهر أن يستعين بكل من ساطع الحصري وقسطنطين زريق من أجل إثبات عدم وجود أمة عربية ناجزة. حيث أكد أنهما لم يشيرا إلا إلى وجود ممكنات قابلة للتحوّل إلى فعل، وليس وجود واقع مشكل اسمه أمة عربية.وأشار إلى أن التجزئة ليست بفعل اتفاقيات سايكس بيكو إذا استثنينا بلاد الشام بل تعود إلى أواخر الدولة العباسية.

وإذ أكد سلامة أن رهان العرب نحو تشكيل دولتهم الواحدة يستند إلى الماركسية فإن ماهر أكد بدوره أنه يجب الاعتراف أن الماركسية في أزمة وأزمة كبيرة.وتجاوزنا لها يتطلب العودة إلى ماركس وكل المفكرين الآخرين وكل ما أتى بعد ذلك.وعرّف نفسه أخيراً أنه ماركسي وقومي عربي بأن واحد.

أما أبو على حسن:

فقد أشار لأهمية الكتاب ورأى بأنه يتطلب التوسع والشرح أكثر، حيث أن الرأي العام يحتاج لتوضيحات أكثر،وأن في الكتاب تعريفات كثيرة للماركسية تكاد تضيّع القارئ في تحديد تعريف أو فهم صحيح للماركسية.فهي تارةً منهجية في التحليل وتارة أخرى قوانين ونظريات وأحياناً الجدل المادي .وقدّم مجموعة أسئلة أوضحت أنّه لا يجوز التقليل من الحركة القومية ولا بد من مساواتها مع الحركة الماركسية ورأى بأن الحركة القومية لديها فكر قومي يبز ويضاهي الحركة الماركسية وقد عبر مركز دراسات الوحدة العربية من خلال إصداراته عن فكر تلك الحركة .ووجد أنه بكلامه عن الحركة الماركسية يصفي حسابات مع هذه الحركة وأشخاص فيها .ثم أنه يكرس ذات الإشكالية بين الماركسية والقومية،داعماً حجته بالقول:أنه ما دام الواقع يفرز الفكر فواقعنا العربي فيه مشكلاته تتطلب المشروع القومي ولذلك كان هذا الفكر وهذه الحركة. ولذلك لا يمكن التقليل من شأنها أو اعتبارها فكراً مثالياً.وبالتالي لا يمكن الانطلاق نحو مشروع تحرري جديد إن لم نحل التناقض بين الماركسية والقومية.وتطرق لقضايا أخرى هامة في مداخلته.

وقد ردّ سلامة كيلة على انتقادات ماهر الشريف بأن أوضح أن الكتاب تتركز مهمته في قضية فكرية محددة هي إشكالية العلاقة بين الماركسية والقومية .وبالتالي هذا الكتاب ليس تأريخاً لموقف الحركة الشيوعية للمسألة القومية بل هي تتركز في دراسة هذه الإشكالية بالتحديد.وأن المراجع موجودة في كتب أخرى ولم يشأ أن يثقل هذا الكتاب بذكر تلك المراجع حيث أشار لتلك الكتب.وبخصوص ستالين أكد على أن إحكام ستالين على الحزب الشيوعي والكومنترن لم يتم قبل منتصف ثلاثينيات القرن العشرين.

وردّ على أبو علي بأنه لا يصفي حسابات مع أحد بل مع وعي لا بد من تجاوزه.أما بخصوص العلاقة بين الماركسية والقومية التي أشار أبو علي أنه قد وقع فيها فقد عاد للتأكيد على التمييز بين القضية القومية التي هي ضرورة وبين الفكر القومي الذي هو في تناقض مع الماركسية.وبالتالي هذا تناقض صحيح ولهذا أشار إلى ضرورة أن تتناول الماركسية القضية القومية وأن تبحث فيها وتقدم رؤية لها.

الكتاب المعروض من إصدارات مركز الغد العربي للدارسات الذي أسسه الدكتور جورج حبش . وقد طبع عام 2007، عدد صفحاته خمس ثمانون.

الجوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى