فسحة بين إقصائين.سماح إدريس وفخري كريم.
غسان المفلح
لازالت افتتاحية سماح إدريس في مجلته الآداب اللبنانية، والتي تناول فيها مهرجان المدى الثقافي، ومعرجا على منظمه السيد فخري كريم، وفي طريقه تحدث عن واقع كردستان العراق، وختم بتخوين كل من لا يقف على أرضية موقفه القومي العربي، الذي لا نشكك به أبدا، لكننا من حقنا أن نأخذ فسحة بينه وبين العديد من الردود أو معظمها،
على مقاله هذا، ومعظم من ناصر هذا المقال الافتتاحي ودافع عنه. آخر ما قرأت هو مقالة ردية عنيفة من الزميلين بدرخان علي وخالد سليمان، على موقع الحوار المتمدن. عنوان المقالة( في بؤس الوعي النقدي التبسيطي الاختزالي..سماح إدريس مثالا) بالتأكيد أن مقالة سماح لم تكن بريئة أبدا، وهي استطاعت أن تحرف النقاش نحو تفاصيل ما يدور في كردستان العراق، ومنها قضية جرائم الشرف، مافيات السلطة هناك، والمرتبطة مع مافيا فخري كريم، اختصرت تفاصيل المقالة هكذا، وعذرا على استخدام هذه المفردة- مافيا- كما أن الردود بمعظمها اعتبرت أن سماح إدريس من بقايا الكوبونات النفطية الصدامية، أو أنها تعبر عن وعي قومي عربي مريض، مختزل وتبسيطي، كما جاء في المقال الأخير لبدرخان وخالد. رأيت أنه من باب رد المظالم على الأقل أن أسجل ملاحظات اعتبرها جوهرية وغائبة عن النقاش العدائي هذا. إن احتلال/ تحرير الأمريكي للعراق من براثن الديكتاتورية الصدامية، قد أصبح نقطة علام وصلت إلى درجة أنها باتت المبتدأ والخبر الذي يتم بناء عليه نقاش كل أمور المنطقة، فقبل أمريكا في العراق، كانت المنطقة تنعم بالسلام والاستقرار والمواطن فيها مهما كانت قوميته ودينه ينعم بكامل حقوقه! والاستبداد القاتل للأوطان والمجتمعات لم ينوجد إلا بعد أن جاءت أمريكا إلى العراق، اعتقد أنها مقدمة يجب التنصل منها، مجيء أمريكا هو نتيجة وليس بداية لتاريخ المنطقة السيئ، أمر باتت كثير من النخب تتعامل معه بكونه بداية سلبية بالمطلق أو إيجابية بالمطلق. وهذا أيضا يجعل النقاش داخل هذين الحدين يأخذ طابع التخوين المتبادل.
الفساد السلطوي موجود في كردستان العراق، هذا أمر محسوم تماما، ولكنه لا علاقة له بحقوق الشعب الكردي السياسية، وهذه أيضا لا علاقة لها بوجود جرائم الشرف أو عدم وجودها. الجريمة والفساد والعشائرية أمراض يتم التخلص منها بالديمقراطية، والنضال الدءوب والوعي التحرري المؤسسي الذي مطلوب منه أن يتجذر رويدا رويدا. لهذا كان على سماح إدريس ألا يربط هذه بتلك. لأن حماس في فلسطين قدمت أسوأ نموذج لنضال تحرري وطني. فهل ما قدمته حماس أو فساد السلطة الفلسطينية، يجعل الحق الفلسطيني يتوه في هذه الزحمة؟ إذن النقاش ليس هنا، ليس في التفاصيل وليس في فساد فخري كريم النضالي، ليس هنا مربض الفرس. وليس الرد على سماح إدريس بتبخيس كل الوعي القومي العربي، فلغة التبخيس هذه هي وجها آخر من وجه الوعي التبسيطي نفسه. نصبح أمام وجهان لعملة واحدة. وكسوري بالتأكيد لن أدافع عن فخري كريم في اعترافاته عن علاقته الحميمة والنقدية بالرئيس الراحل حافظ الأسد، هذا شأن يخص المعارضة العراقية وظروفها في ذلك الوقت، التي كانت تضفي كثيرا من الشرعية على نظام أذاقنا المر ولازالت هذه المعارضة العراقية تتمتع بنفس السلوك والممارسة وعلى رأسهم مم جلال أطال الله بعمره، رغم أن هذه المعارضة أصبحت الآن تمتلك جزءا من السيادة السلطوية على العراق بلدها الذي ناضلت من أجله، لأن الجزء الأساسي من السيادة تتقاسمه أمريكا مع إيران بفعل موازين القوى على الأرض، حتى في كردستان العراق..ومع ذلك لازالت تقوم بكل ما من شأنه أن يضعف المعارضة السورية. بقصد أم بدونه لا يهم. وليس السيد فخري كريم بمنجى من هذا النقد. كي أحدد هواجس دخولي على الخط وهي هواجس مواطن سوري أولا وقبل أي تهمة أخرى! كل هذا الأمر لا علاقة له مرة أخرى بحقوق شعبنا الكردي في سورية وتركيا والعراق وإيران. وكما أنني أرى انه يجب التعامل مع هذا الأمر من زاوية تاريخية راهنة ووقائع رابضة على الأرض بعيدا عن شعارات قوموية تستنسخ بوعي أم بدونه من فكر قومي عربي شوفيني. سماح إدريس يرى سبب ما يجري في المنطقة هم الأمريكان، وليس كثيرا يسعدني أن يتحدث عن صدام حسين في أنه ديكتاتور وهو من بدأ الحرب الظالمة كما سماها على إيران. بل يؤكد بؤس الوعي العروبي. ولن أدافع أيضا عن السلوك الأمريكي في العراق، الذي بفضل رعونة الثنائي رامسفيلد وتشيني، رعونة أو عن قصد وسوء طوية مصالحية وثقافية، سلما العراق لإيران وللفوضى والعنف. ولكن أريد القول لسماح إدريس وفضاءه الأيديولوجي: أنه قبل سقوط السوفييت وحتى اللحظة، الفاعل الداخلي في مجتمعاتنا العربية هو الأساس وليس الفاعل الخارجي، وإن كان متجادل معه في كل بلد على حدا وبطرائق مختلفة وممارسات متعددة ولكن الفاعل الأساس هو السلطة العربية، التي ملكها سياق الحرب الباردة وانقسام العالم إلى معسكرين، فسحة ما كنت تحلم بها، فسحة جعلتها تتصرف بمجتمعاتنا وكأنها مزرعة خاصة. بحجة الاستقطاب لهذا المعسكر أو ذاك، كلا المعسكرين الغربي والشرقي أعطيا صك براءة، وصلاحيات كاملة لهذه السلطات بأن تتصرف كما تشاء في هذه المجتمعات، وهذه هي أرضية لما نراه الآن في هذه المجتمعات، وليس مجيء أمريكا على العراق، بل هذا المجيء هو من رفع الغطاء عما فعلته هذه السلطة على مدار أربعة عقود ونصف في هذه المجتمعات. لهذا لا تصلح أبدا أن نجعل دخول أمريكا على العراق هو بداية تاريخ ما نشهده اليوم، ولازالت ثقافة ذكاء بعض القادة الأفذاذ العرب في أنهم لعبوا على هذا التناقض بين المعسكرين مثالا يضربه بعض البحاثة العرب، لتبيان ذكاء هذا القائد الرمز أو ذاك. ولكون سماح إدريس دخل في تفاصيل لكي يخفي خلفها أساسيات المشكل، نقول أن فخري كريم في فضاءه الحالي، ليس أمريكيا أبدا، بل هو يصب هناك نحو طهران، كما نلمح الأمر عند مم جلال. ولهذا تسمح السلطة السورية بذهاب مثقفيها وإعلامييها الذين يعملون في مؤسسات السلطة نفسها بالذهاب إلى مهرجان المدى، ولو كان هذا المهرجان خدمة للسياسة الأمريكية لما سمحت السلطة السورية بذهاب أحد.هذا ليس اتهاما بل رأي في الفضاء الذي ينجزه مهرجان المدى، ومع ذلك، لم يكن الحديث مجديا حول وجود الموساد في شمال العراق، فهو موجود في كل مكان وإن اختلف وجوده من مكان إلى آخر، ولكنه وجود في النهاية، لا يلام عليه شعبنا الكردي، لأنه موجود في بلاد الله العربية، عجيب أمر هذه التهمة الجديدة لسلطة كوردستان، ربما الفساد والمحسوبيات والرشاوى والعمولات، والثقافة العشائرية بتقديري تسليط الضوء عليها وهي وظيفة الوعي النقدي أمرا مهما وخاصة من مثقفي كوردستان العراق نفسها، وبعضهم يقوم بهذه المهمة ويتحمل أعباءها كاملة، ودون ذكر أسماء الآن، ولكن قضية الموساد هذه هي قضية لم تعد تصلح كتهمة، ولكنها تصلح لسؤال: إن كان موجودا هل يخدم وجوده شعب كردستان أم لا؟ وماذا فعلت السلطات في المنطقة حيال هذا الأمر وماذا فعلنا نحن كمثقفين عرب( بين قوسين)؟ هذا أمر يجيب عنه طلائع هذا الشعب، وليس أن يتهم كل هذا الشعب بحقوقه التي بقيت مغدورة طيلة زمن الاستبداد. وبقي ملاحظة أخيرة لبدرخان وخالد: حنانيكما يجب العودة إلى بدايات التأسيس لشراكة في وعي يجمع بين شعوب المنطقة ولا يكرس الشوفينية وردود الأفعال