هل قمة دمشق ضرورية؟
يعاني العمل العربي المشترك من أزمة طاحنة. هناك سببان. أولهما توزع ولاءات عربية على محاور إقليمية ودولية. السبب الثاني معنوي ونفسي: الشعور الرسمي بأن هذه المحاور تقدم ضمانات لأمن وسيادة النظام، أقوى من الضمانات التي يقدمها العرب للعرب، من خلال جامعتهم وقممهم.
كأن شيئا لم يكن، فسورية ماضية في الإعداد لقمة نهاية مارس، على الرغم من أن نظام بشار قد تجاوز نظام أبيه في تفكيك شعار التضامن العربي. تقدم حلف سورية مع إيران على كل الارتباطات القومية. هدف سورية بشار من القمة ليس انتزاع قرارات توافقية، وإنما التأكيد لأميركا وللغرب أن سورية قادرة على تجميع القادة العرب في عاصمتها، على الرغم من المقاطعة والحصار المفروضين عليها أميركيا.
لي ملاحظة اعتراضية هنا تتعلق بإجراءات عقد القمة، أية قمة: ضرورة التخلي عن طابع التفخيم والتعظيم الذي يحاط به المؤتمرون. ضرورة تقريب الزعماء والقادة العرب من جمهور الشارع العربي بالقدر الذي يسمح به أمنهم وحراستهم. ضرورة عقد لقاءات ثقافية وسياسية واقتصادية على هامش كل قمة تتناول بالعرض والنقد القضايا والقرارات التي ركز عليها القادة المؤتمرون.
أعود الى سورية والقمة، فأقول لا شك أن لبنان سيكون محك اختبار لنظام بشار في تسهيله أو عرقلته انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا يمثل لبنان في قمة دمشق. إذا استمرت دمشق وطهران في عرقلة ترئيس سليمان، فالأرجح أن يغيب زعماء عرب رئيسيون عن القمة، كتعبير عن الاحتجاج على سورية. لم يصل الأمر للآن الى مقاطعة جماعية، إنما التمثيل قد يكون على مستوى رؤساء الحكومات أو وزراء الخارجية.
الواقع أن الخلاف السعودي/ السوري ما زال في ذروة توتره. تصريحات كبار المسؤولين السوريين تغمز من القناة السعودية والدور السياسي السعودي في المنطقة. السلطة السورية تمنع دخول الصحف السعودية. تمحو مواقع هذه الصحف في الإنترنت. السبب الرئيسي للخلاف هو ظن نظام بشار أن السعودية، بما تملك من نفوذ ومصداقية عربية ودولية لا تلجم ضغط إدارة بوش على سورية، فيما تعتقد السعودية ان اغتيال رفيق الحريري كان بمثابة تجاهل لقدرها ومكانتها في لبنان والمنطقة.
مصر أعلنت أنها ستشارك في قمة دمشق، من دون أن تحدد مستوى المشاركة. الفتور في العلاقة المصرية/ السورية اقترب من درجة البرودة. هناك شكوك مصرية في دور سوري شجع «حماس» على انتهاك الحدود المصرية مع غزة. من دمشق، أطلق خالد مشعل تهديداته بمواصلة الاختراق. كانت لهجة الصحف السورية مؤيدة لحماس، معتبرة إغلاق الحدود مع مصر استمرارا للحصار المفروض على غزة. من سيناء، انطلقت العملية الانتحارية الحماسية في صحراء النقب، لإحراج مصر في إظهار التزاماتها الدولية وكأنها تتناقض مع المصالح العربية.
سواء عقدت أو لم تعقد. سواء كان التمثيل على مستوى الزعماء أو ممثليهم، فلا اعتقد أن قرارات ومبادرات ذات أهمية ستصدر عن قمة دمشق، بسبب الدور السوري الذي ما زال معرقلا في لبنان، ومعارضا لعملية أنابوليس التفاوضية، أقصى ما يمكن أن يصدر عن القمة هو تأكيد مواقفها وقراراتها السابقة.
احتمال فشل قمة دمشق يندرج في إطار مسلسل الفشل التاريخي لجامعة الدول العربية في إحباط المشروع الاسرائيلي، وفي الارتقاء بالعلاقة العربية إلى مستوى المصلحة القومية العليا. العرب يعرفون أن الجامعة تأسست بضوء أخضر بريطاني. أرادت بريطانيا أن تكون الجامعة جامعة دول تقطع الطريق على الوحدة العربية.
تجسد الفشل المزمن في عدم قدرة دول الجامعة على تطويرها نحو شكل من أشكال الاتحاد الفيدرالي أو الكونفيدرالي، فيما كانت أوروبا تطور خطوة خطوة ناديها الاقتصادي ليصبح دولة اتحادية. وهكذا، تراجع المشروع القومي من إرهاصات الوحدة الى مجرد جامعة دول. من الدفاع المشترك إلى التضامن. ومن التضامن إلى الخلاف والتباعد.
أخفقت وجُمدت كل المشاريع لتعديل ميثاق الجامعة والارتقاء بأدائها. ظل التفاهم والإجماع، وليست الأغلبية، هي الآلية المتبعة في اتخاذ القرار. وحتى القرار ظل غير ملزم للدول. وما من عقوبة تفرض على الدولة النشاز.
لست حزينا على المؤسسات المقترحة التي لم تنفذ في إطار الجامعة. لا يمكن إنشاء محكمة عدل عربية، أو مجلس أمن عربي. في حالة إنشائهما سيكونان عاجزين تماما كالجامعة الأم. كان إنشاء اتحاد برلماني عربي في إطار الجامعة مهزلة حقيقية. أراد عمرو موسى من الاتحاد أن يلقي بظلال مشروعية شعبية على المشروعية الرسمية للجامعة. ينسى الرجل أن البرلمانات العربية ما زالت مجرد خاتم يبصم القرارات الرسمية.
موسى أخفق في مشروعه لتطوير وتفعيل أداء الجامعة العربية كجزء من مشروعه لإعادة النظر في النظام العربي كله. فشله إلى الآن في لبنان ينال من قدره ومكانته كديبلوماسي شعبي ناجح وصادق في غيرته القومية. استطاع موسى استعادة الثقة الخليجية به كأمين عام غير منحاز، بعد الشكوك والريبة في تعاطفه مع نظام صدام. مع عودة الاستقطاب بشدة في لبنان، والتهديدات المتبادلة بين الأكثرية والأقلية، تعرض عمرو موسى إلى حملة إعلامية ظالمة من «حزب الله» و«حماس».
كيف السبيل إلى تطوير العمل العربي المشترك؟ كيف يمكن الارتقاء به إلى مستوى أكثر وحدة وتضامناً وانسجاماً، مما هو عليه الآن من حالة مزرية في إطار جامعته وقممه؟
بعض الأقلام الكلاسيكية تشن حملات شعواء منذ أكثر من خمسين سنة على جامعة الدول العربية. تحملها وحدها مسؤولية الفشل. النقد يجب أن يوجه إلى النظام العربي المسؤول الحقيقي، وليس إلى جامعة عمرو موسى. في عصر الوحدات والتكتلات السياسية والاقتصادية، حان الوقت لكي يدرك النظام العربي ضرورة تطوير مؤسساته القومية. في عصر العولمة، لا بد من الارتقاء نحو تفاعل أكثر واقعية، نحو التزام بالقرار. نحو انسجام سياسي وديبلوماسي أكبر بين الأنظمة العربية المتقاربة في مواقفها وسياساتها.
في عصر الرداءة العربية، لا بد من إعلام يستنهض همّة الوحدة والتضامن في المجتمعات العربية. لا أشعر بالغيرة التي يشعر بها النظام العربي على جامعته. هو يريدها أن تبقى هكذا مشلولة. أخشى أن اتهم برومانسية حالمة إذا ما دعوت إلى ناد عربي بديل للجامعة. ناد يضم دولا متفاهمة سياسيا. إنشاء محور عربي داخل الجامعة أو خارجها قادر على إلزام دوله بوحدة القرار، هو أفضل من هذا الجمود المترهل، هو أفضل للدول العربية المعتدلة التي تتعرض حاليا لهجمات من كل جانب. وأولها من الجانب الإيراني/ السوري.
قد لا تريد السعودية ومصر، بدافع غيرتهما القومية، التخلي عن الجامعة، كي لا تتهما بتصديع شعار قومي جامع. غير أن عدم مضي أهم دولتين عربيتين في إنشاء محور أقوى من توافقهما الحالي، من شأنه تعريض السعودية إلى هجمة سورية/ إيرانية تحاول اجتذاب دول الأطراف الخليجية إلى النأي عن الدولة الأكبر، والحد من أهمية مصر ودورها الفلسطيني والعربي النافذ.
2008 الثلائاء 12 فبراير
الشرق الاوسط اللندنية