صفحات أخرى

عن ذاكرة الجسد روايةً ومسلسلاً

الشيخة مستغانمي والعروبي نجدت انزور وذاكرة الجسد المثقوب
ضيّعتُ صباح الأمس أربعة ساعات من عمري لأشاهد الحلقات الأولى من مسلسل “ذاكرة الجسد”، وكنتُ أبحثُ في هذهِ الحلقات الأربعة عن بعض المشاهد المثيرة التي ستشدني لأتابع المسلسل حتى حلقته الأخيرة، إلاّ أنّني اكتشفتُ بأنّ الأربعة ساعات قد ضاعوا هباءً في خضم هذا الكمّ الكبير من التفاهة والجهل.
ما شدني لمتابعة المسلسل هو أنّني كنتُ في فترةٍ ما من المنبهرين برواية “ذاكرة الجسد”، كانَ ذلكَ في أوجه قراءاتي وانشغالي بتكوين ثقافة خاصة، وربما لأنّني قرأتها أكثر من مرّة، فقد أعطيتُ شخصياتها مكانة قيّمة في داخلي، سقطت (للأسف طبعًا) عندما اطّلعتُ أكثر على الكثير من الروايات والقصص الأخرى، لأكتشفَ أنّ رواية “ذاكرة الجسد” ليسَت سوى عمل بسيط يصلُ أحيانًا حدّ السذاجة في التعابير والرؤى، وهكذا كانَ المسلسل، بل في الحقيقة، كانَ المسلسل أكثر بؤسًا وسذاجةً من العمل الروائي الذي كتبتهُ الشيخة أحلام مستغانمي رضيَ الله عنها!!!!
كانَ نزار قبّاني أوّل المشيدين برواية مستغانمي، وقد تفضّل بكتابة كلمة حولها على غلاف الرواية قائلاً أنّهُ ما كانَ سيتردد لحظةً لو طُلبَ منه توقيعَ اسمهِ أخر الرواية، طبعًا نزار قبّاني رجل المبالغات الأول في العالم العربي ولهذا لن أخذ ما كتبهُ على محمل الجد، وسأعتبرهُ مجرّد تزكية لكاتبة جزائرية رآها يومًا تخرج من المسبح مبتلة الجسد والماء يقطّر كاللؤلؤ من على جسدها (اقرأ كلمة نزار قباني).
ولأنّ نزار قباني أولَ المشيدين بهذهِ الرواية اللغوية، فقد اقتنيتها ذاتَ يومٍ من مكتبة مانشستر العامة، وقضيتُ ساعاتً طويلة في قرأتها واعادة قراءتها، وكنتُ (للأسف مجددًا) أردّد ما جاء فيها على مسامع حبيبتي القديمة، ثمّ ضاعت هذهِ الرواية على أرفف المكتبة العامة ونسيتها، وقرأتُ كتبًا أخرى بعدها، تعمّقتُ في قراءة الروايات العربية والانكليزية والأمريكية، ثمّ ذاتَ يومٍ وجدتني أراها مصادفةً في رفّ أخرَ وفي مكتبة عامة أخرى، وهناكَ اقتنيتها وأردتُ قراءتها من جديد والدخول في عالم “خالد بن طوبال” وصديقه “زياد” وعشيقتهما “حياة”.
وقتها اكتشفتُ كم أنّ هذا العمل الروائي ساذج ودونَ أي عمق فكري وفنّي. مجرّد لغة عربية شعرية مملة ومفتعلة. من الأخر، لم أقرأ في رواية ذاكرة الجسد شيئًا يسمّى (سردًا). مجرد تطويل وتعويص ومحاولة بائسة للتشويق.
وهكذا استيقظتُ ذاتَ صباح رمضاني وأردتُ مشاهدة المسلسل الذي يطرحُ هذهِ الشخصيات واضعًا في داخلي الأمل لاكتشاف حبكة السرد في الرواية عن طريق نسختها الدرامية.
إلاّ أنّ المسلسل لم يكن أقلَ حماقةً من الرواية، فقد اعتمدت السيناريست “ريم حنّا” على نقل الرواية كما هي بسخافتها وسطحيتها. حاولت أن تحافظ على طريقة التلاعب بالزمن كأنّهُ نصّ مقدّس، ناسيةً في الوقت ذاته أن العمل الدرامي المقتبس من رواية يجب أن يقلب أعقاب هذا العمل الأدبي ويخرجه من عباءته اللغوية والفنّية، ويتمّ بذلكَ تجريده من أدواته ووضعهِ في اطار سردي بحيثُ سيتمكن المشاهد من متابعته دونَ الحاجة لوجع الرأس.
أيضًا وتماشيًا مع خطوط الرواية، جاء المسلسل دونَ أي اثارة وتشويق ومثير للملل، خاصةً باعتماد الحوارات على لغة الألغاز البعيدة كلّ البعد عن الواقع المُعاش، فصارت ذاكرة الجسد (المسلسل) كما المسلسلات المكسيكية (ماريا وكسندرا مثالاً).
الشيخة أحلام مستغانمي كانت السبب الأول في فشل المسلسل منذُ حلقاته الأولى وما سيتبعها. فقد كانَ لها شروطها في كتابة السيناريو واخراجه، وبهذا تنقّلت الرواية بينَ عدّة شركات انتاج ومخرجين وممثلين، وربّما هذا ما وضعَ السيناريست المبدعة “ريم حنّا” في فخّ كتابة سيناريو سيئ، وهذا أمرٌ لا يُخفى على شخص تابعَ معظمَ مسلسلات ريم حنّا، التي تعتمد فيها تقنية الدراما الروائية بشكل أكثر من مبهر، وبهذا خرجت بأعمالٍ درامية لا تنتسى مثل “ذكريات الزمن القادم” و”رسائل الحبّ والحرب”، إلاّ أنّ تدخّل الشيخة أحلام مستغانمي المباشر في كتابة السيناريو، هي الجاهلة بفنون الكتابة الدرامية، أفسدته وشوهته أكثر من حالة التشويه التي خرجَ بها في نسختهِ الكتابية.
المضحك المبكي في الأمر أنّ الشيخة مستغانمي تدخلت في السيناريو وأعطته من كاتب لأخر وسحبتهُ من سيناريست وأخر ونقلته بينَ عدّة مخرجين وطنّشت عشرات الممثلين ومارست جهلها الفنّي على السيناريو وفي النهاية تخرج لنا في حوار صحفي لتقول فيه أنّ أخر همومها في رمضان هو متابعة المسلسل وأنّها ستستفيد من شهر رمضان في التقرّب من الله وأداء الفروض الدينية كاملة (يا لكِ من منافقة سيدة مستغانمي).
ولننتقل الأن إلى السيد نجدت اسماعيل أنزور، والذي أعتبر نفسي مدين لهُ بشدّة، فهو السبب الحقيقي في اصابتي بلعنة الحلم الروائي والكتابة الابداعية، وذلكَ حينَ كنتُ طفلاً وكنتُ متابعًا شرسًا لـ مسلسله “نهاية رجل شجاع”، والذي بدوره أوصلني للرواية والرواية جعلتني أقولُ لنفسي يومًا “أنّني اريدُ أن أصيرَ روائيًا”، ولكن في الحقيقة، ورغمَ أنّني حتى هذهِ اللحظة لا أزالُ أستمتعُ بكلّ دقيقة أشاهدُ فيها هذا المسلسل الضخم، إلاّ أنّني أشعرُ في الوقت ذاتهِ بالشفقة تجاه نجدت أنزور، الذي باتَ يلعق الأحذية الخليجية ويقدّم لها أعمالاً مقتبسة من أفكار وأشعار الشيخ فلان والشيخ علاّن لغرض بعض المال الذي سيدخل جيوبه. لقد تحوّل نجدت أنزور لورقة يلعب بها الحكّام الديكتاتوريين مقابلَ بعض الملايين التي لطخت اسمهُ كانسان مثقف وصاحب رؤية وعمل درامي، وهكذا جاءَ ذاكرة الجسد بأتفهِ قدرة اخراجية، وقد حرصَ فيها على اظهار صورة “جمال عبد الناصر” ما يقارب الخمسة مرات في أقل من أربعة حلقات. هذا الأسلوب العروبي الانتهازي الذي باتَ يستخدمهُ نجدت أنزور كانَ كـ “الغاية تبرر الوسيلة”، فصارَ يتنقل بينَ الحكّام العرب طامعًا في بعض الدولارات مقابل اخراج عمل درامي حولَ فترة الكفاح وفترة النضال لتلكَ البلاد، وكما أنّهُ استنجدَ للقذافي طمعًا في اخراج مسلسل حولَ المقاومة ضد الاستعمار الايطالي في ليبيا، إلاّ أنّهُ ذهبَ إلى الجزائر لذاتِ الغاية، محمّلاً بفكرة واحدة وهي ما يروّج لهُ الحكّام العرب: طز في أمريكيا والصهاينة!
في ذاكرة الجسد، لم يحسن السيد أنزور في اخراج عمل درامي محكم. فراغٌ كبير في مشاهد المسلسل وطريقة انتقاله واختيارهِ للأمكنة أيضًا، حتى أنّ شخصية زياد التي أوكلها لممثل واعد جاءت فاشلة، وبها دمّر القليل الجميل في الرواية (كمشهد اللقاء الأول الذي جمعَ بينَ خالد وزياد).
اخراج العمل كانَ سيئًا، ولم يكن ليغتفر حتى لمخرج مبتدئ!
يبدو أنّ أحلام مستغانمي قد أخطأت عندما قالت في المؤتمر الصحفي الذي عقد حول المسلسل أنّ “ذاكرة الجسد” ستكونُ أكبر عمل درامي عربي، ربما بامكاننا وضع المسلسل تحتَ خانة أسوأ مسلسل لـ عام 2010، ولكنّنا نتمنّى لطاقم العمل، وبالأخص لنجدة انزور حظًا موفقًا في أعمالهِ القادمة، ونطلب من نجمة ستار أكاديمي أمل بوشوشة أن تترك عالم التمثيل فهي لم تخلق له، ونتمنى للمستغانمي رمضان كريم مليئ بالعبادات والتقرب إلى الله، ولكن بشكل يليق بها (دونَ نفاق).

http://mesrati.blogspot.com/2010/08/blog-post_16.html?utm_source=feedburner&utm_medium=feed&utm_campaign=Feed%3A+MESRATI+%28M++E++S++R++A++T++I%29

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. واوووووووووووو مقال طويل و ممل و مليء بالغضب و الكراهية و اشياء لم افهمها الشيء الوحيد الدي استوعبته انك اضعت 4 ساعات من عمرك الثمين في مشاهدة مسلسل تكرهين اصلا روايته رغم انك كنت في يوما من الايام من محبيهيالا التناقض لم تتركوا شيئا الا قلتموه لكن في سردك للنصائح مادا تقولين لريم حنا ان تترك الابداع و تلتزم البيت و تطلق الاقتباس ؟ احيك فعلا احيك لقد تعلمنا الدرس سنترك الشاشة الصغيرة نحن المشاهدين ايضا مادام لا يوجد مايستلزم المشاهدة …او ربما تنصحين بمسلسل و عمل درامي ؟ نحن ننتظر النصيحة منك لان رايك مهم للغاية

  2. أجل ..ربما المسلسل فشل
    أنا عن نفسي توقفت عن مشاهدته
    ولكن هذا لايعني ولا يمنح الحق لأي كان ليتنتقد نص الرواية
    ان فشل العمل فهذا راجع..لافلاس انزور الابداعي وهشاشة سيناريو ريم حنا

    رواية ذاكرة الجسد..كانت وستظل الرواية الاولى في الوطن العربي
    والكتاب الثاني بعد القرءان الكريم

    سقطتي احلام..ومنحتي الفرصة لكل حاقد ليخرج لسانه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى