التغيير الوطني الديمقراطي بين إعلان دمشق و الواقع
محي الدين بنانة
إن التكلم عن إعادة الحوار مع أمانة إعلان دمشق, أو إعادة تأسيس تحالف سياسي ديمقراطي يضم الطيف الواسع من المعارضة في سورية يهدف تحقيق التغيير الوطني الديمقراطي السلمي. إن هذين الطرحين ما هما بالواقع سوى تفكير واحد يقود إلى نفس النتيجة التي آل إليها إعلان دمشق من الإفلاس الجماهيري و الفشل في عدم تطوير التجمع الوطني الديمقراطي و عدم الرؤية الصائبة في تحديد الهدف و الاعتراف بالواقع.
إن الواقع الحقيقي الذي تعيشه المعارضة السورية الآن يتمثل في ظهور تيارين لا بد من تبلورهما بشكل واضح حتى يصبح الفرز حقيقياً لأي مهتم في الشؤون الداخلية في سورية. إن هذين التيارين يلتقيان في مسألة الرغبة الأكيدة في عملية التغيير, و يختلفان في أمور كثيرة و هي (قضية الصراع الاجتماعي و العدالة الاجتماعية – الموقف من المشاريع الأمريكية الصهيونية في الوطن العربي و المنطقة بشكل عام – آلية التغيير هل تعتمد على الداخل أو الاعتماد على الخارج و التناغم معه للمساهمة في عملية التغيير – النظرة الإستراتيجية للمقاومة العربية هل هي مجموعة إرهابية تقلق السلام العالمي و تهدده, أم هي مقاومة حقيقية للمحتل و أتباعه بالإضافة إلى الاختلاف في تحديد الهوية)
• فالتيار الأول آخذ في التبلور باتجاه أن كل من ينتمي إليه يكون منحازاً إلى الجماهير داخل المجتمع, و التي تتمثل بالعمال و الفلاحين و الشرائح الاجتماعية الفقيرة و المتوسطة و المثقفين السياسيين, و إن هؤلاء جميعاً تكون مصالحهم متناقضة تماماً مع رجال الأعمال و وكلاء الشركاء و الرأسماليين بكافة أشكالهم و الذين حكماً في أغلبيتهم سينتمون إلى التيار الليبرالي الذي يحقق لهم المزيد من المكاسب المادية و السلطوية.
• إن مصلحة التكوين الاجتماعي للتيار الأول تقتضي تحديد الهوية التي ينتمي إليها, و هي الهوية العربية لأن ذلك يؤمن لأصحاب هذه التيار تلاحماً فكراً و اقتصادياً مع العمق الإستراتيجي في الوطن العربي. بينما يكون انتماء الشريحة الاجتماعية للتيار الآخر إلى الرأسمالية العالمية ضمن المفاهيم الجديدة للعولمة و التي تتمثل في قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم بدون منازع.
• إن المنتمي للتيار الأول القومي الديمقراطي يرى ضرورة التغيير الوطني السلمي التدريجي, و بعد ذلك يكون حل الصراع ديمقراطياً و سلمياً مع التيار الآخر الليبرالي. بينما أصحاب التيار الليبرالي يرون ضرورة الاعتماد على الخارج في التغير كما حصل في العراق. و الذي يعتبر خطأً كبيراً يؤدي إلى منزلقات خطيرة فالدول العظمى لا توزع هباتها بالمجان على الشعوب, و ما الإمبريالية الأمريكية سوى عقلية اليهودي المرابي الذي يستجرّك بديونه حتى يستعبدك بالكامل. و لذلك يجب أن تبقى المراهنة الحقيقية على تنظيم و حشد و تعبئة طاقات شعبنا المعطاءة لتصعيد كفاحها من أجل التغيير الوطني الديمقراطي السلمي و التدريجي.
• إن شرائح التيار القومي الديمقراطي ترى أن المقاومة العربية في فلسطين و العراق و لبنان و الصومال ما هي إلا نتاج الاحتلال الظالم لهذه البلدان من قبل التحالف الإمبريالي الصهيوني بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و ربيبتها إسرائيل, و إن نجاح أية مقاومة في أي مكان من وطننا العربي أو العالم ما هو إلا نجاح لكل الشرفاء في هذا الوطن, و كل مراهنة على إيجاد أرضية مشتركة للتعايش مع المشاريع الإمبريالية و الصهيونية ليس إلا وهماً لأنها تستهدف المزيد من تفتيت و تمزيق أمتنا العربية و نهب ثرواتها.
إن الاعتراف بوجود هذين التيارين على الساحة السورية لا ينقص و لا يضعف قوى المعارضة بل يجعلها أكثر انسجاماً مع الذات و مع الواقع لتنطلق كل رؤية بدون إعاقات الرؤية الأخرى في طريقها نحو التغيير, و نكون بذلك قد استفدنا من التجربة التي خاضتها كل قوى المعارضة في إعلان دمشق. و هذا يستدعي العمل الدؤوب و بإستراتيجية متأنية على زيادة تلاحم شرائح المجتمع و دفعها للتعبير عن ذاتها و إيجاد الآلية السلمية و الصحيحة للضغط باتجاه التغيير الوطني الديمقراطي السليم من خلال هيئات و منظمات المجتمع المدني و من بعدها فإن الحكم يعود إلى الجماهير لتختار ممثليها الحقيقيين الذين يعبرون بصدق عن شرائح المجمتمع العربي في سورية.
د. معارض سوري مغترب
المصدر :موقع النداء