صفحات أخرى

عروبة الخليج: دشداشة وعقال… وتفريط باللغة والهوية!

null
محمد منصور
أطلق برنامج (بلا حدود) علي قناة الجزيرة مؤخراً، ومن خلال اللقاء مع وزير التعليم والصحة البحريني الأسبق الدكتور علي فخرو… مجموعة أرقام مرعبة تدل علي أزمة العروبة في الخليج… وعلي السياسات السكانية والديموغرافية الخطيرة التي تمارس في هذه البلدان علي نحو يهدد هوية شرق الجزيرة العربية كلها… وربما يسمح في القريب العاجل أو الآجل… وفي حالة اندلاع نزاع علي نحو ما، بتدخل المنظمات الدولية للمطالبة بمنح الحقوق السياسية للأغلبية الهندية المقيمة في الإمارات مثلا… والتي ترزح تحت تسلط الأقلية العربية الحاكمة… حيث لا يزيد عدد سكان الإمارات اليوم علي 10 أو 15 بالمائة في أبعد تقدير!
طبعاً ليس هذا السيناريو تهويلا إعلامياً… فقد سبق لمدير عام شرطة دبي العميد داحي خلفان تميم أن أعلن في مؤتمر الهوية الوطنية الذي عقد في أبو ظبي في نيسان (إبريل) الماضي… أنه لا يستبعد أن يرشح هندي نفسه لرئاسة الإمارات في المستقبل القريب. فيما تفتق ذهن مسؤول إماراتي آخر، عن تصور غريب لحل لمشكلة الهنود الذين يشكلون النسبة الغالبية من السكان… بحيث يتم استقدام مليون صيني حتي يقوموا بعمل توازن سكاني مع هذه الأغلبية الهندية!
إن أعلي الزيادات السكانية في العالم كما قال الوزير علي فخرو في (بلا حدود) هي (3.5%) ولو افترضنا أن دول الخليج بلغت هذه النسبة خلال الثلاثين سنة الماضية، لكان علي تلك الدول أن يتضاعف عدد سكانها لمرة واحدة فقط… لكن الإحصاءات الرسمية لدول مجلس التعاون الخليجي بين عامي 1975 و2006 تشير إلي أن عدد سكان دول الخليج تضاعف خلال الثلاثين سنة الماضية ثلاث مرات… باستثناء دولة الإمارات التي تضاعف عدد سكانها ثماني مرات… وفي هذه الحالة فإن نسبة ضعفي الزيادة السكانية كانت أعلي من الحد الطبيعي المفترض في الحالة القصوي… وفي الإمارات كانت سبعة أضعاف هذه الزيادة خارجة عن الحد الطبيعي لأي زيادة سكانية… وبالتالي كانت كل تلك الزيادات من الوافدين… وهي تهدد نسبة السكان العرب من أبناء الخليج العربي!
وتشير الإحصائيات الهامة التي أوردها البرنامج… إلي أن الكسل والاتكال علي العمالة الوافدة قد استفحلا واستشريا في دول الخليج، عوضاً عن أن يتضاءلا بفعل تطور المجتمعات وتراكم الخبرة… فبينما كانت العمالة الوافدة في الخليج عموماً تمثل 45% من القوة العاملة في تلك البلدان في القطاعين العام والخاص معاً، فإنها أصبحت اليوم تشكل في المتوسط 66% من القوة العاملة وهي تصل إلي حدها الأعلي في الإمارات (90%) وفي قطر (89%) وتبلغ حدها الأدني في عمان (33%) والسعودية (47%)
لكن الطامة الكبري كما شرحها الوزير أن عدد الوافدين عام 1975 كان يساوي نسبة (26%) من عدد سكان المنطقة… وكانت نسبة العرب الوافدين في هذه العمالة هي الربع… عام 2006 أصبح الوافدون يشكلون نسبة (53%) من عدد سكان المنطقة وبقيت نسبة العرب من هذه العمالة الوافدة هي الربع فقط… أي أن الدول الخليجية كانت حريصة علي الدوام ألا تزيد نسبة العمالة العربية فيها… الأمر الذي جعل الكفة ترجح في النهاية لمصلحة العمالة الآسيوية والغربية!
طبعاً المسألة ليست مقاييس ونسب سوق العمل فقط… فثمة مظاهر ثقافية واجتماعية تهدد الهوية اليوم وتدل علي أن الخليجيين أصبحوا أقلية في بلادهم، لا سيما وأن أغلبية العمالة ليست عربية أو مسلمة مما يعني تبدل ثقافة وهوية المنطقة بعدما انتشرت فيها الكنائس والمعابد والمقابر والمحارق لعشرات الديانات… وفي هذا السياق قال د. فخرو: لا نستغرب أن تأتي أساطيل بعض الدول لبعض الوافدين من غير العرب في يوم من الأيام… وتقف عند موانئ بعض مدننا وتقول أنا جئت أحمي هؤلاء… فمن حقهم أن يكونوا مواطنين ومن حقهم أن يكونوا جزءا من هذا البلد …. وأضاف: الآن بدأت البوادر… بدأت تطلع عرائض، بدأت تطلع مقالات عن أننا نحن الذين بنينا هذه المنطقة، ولنا حقوق إنسانية ثابتة فيها، لنا حقوق السكن فيها، لنا حقوق المواطنة فيها، نحن الذين بنيناها فكيف نعطيها لغيرنا يتمتع بها ونحن نعود إلي الفقر وإلي العذابات التي في بلداننا؟ .
طبعاً هذا غيض من فيض الحقائق والأرقام التي عرضها البرنامج والتي دفعت الإعلامي أحمد منصور لمقارنة ساخرة، حين أشار إلي مخاوف إسرائيل من التغيير الديموغرافي لصالح الفلسطينيين حيث تتوقع الدراسات أن تصبح النسبة عام 2015 (50%) إلي (50%)، ويقال إن هذا يهدد بزوال إسرائيل… فإذا كانت النسبة هنا 90% إلي 10% معني هذا أن هذه الدول (مش موجودة)، يعني ربما موجودة كحكومات لكن ليس لها وجود كثقافة وكهوية وكأمة!
ولا شك في أن سخرية أحمد منصور هذه… تصور واقعاً موجوداً علي الأرض… فكل شيء في الخليج اليوم يتجه نحو التفريط بالهوية والخصوصية، والغريب أن هذه الدول التي تتبني رسمياً الزي العربي التقليدي من دشداشة وعقال وكوفية… تبدو اليوم أشد فرنجة وتغريباً من الدول العربية التي شاع فيها الزي الغربي… والأغرب أن هذه الدول التي تؤكد انتسابها للإسلام، تبدو في أكثر روابط الإسلام وضوحاً: (لغة القرآن) هي الأكثر تفريطاً حتي من دول عربية تدعي العلمانية… فاللغة العربية وخصوصا في دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم كالأيتام علي موائد اللئام… الشركات… المطاعم… الفنادق… سائقو التاكسي… كلهم يجاهرون بأنهم لا يتكلمون العربية، وينظرون إليك بازدراء إن كنت لا تتكلم الإنكليزية! وقيم الأخوة ورابطة الدين تتم التضحية بها فتغدو (السعودة) في السعودية علي حساب العمالة العربية بالدرجة الأولي، وفي الكويت علي خلفية الثأر من الجنسيات العربية التي ناصرت أنظمتها احتلال صدام للكويت… ويغدو راتب الخبير العربي أو الباكستاني أو الهندي المسلم أقل من نظيره الأمريكي أو الأوروبي مهما بلغت مهاراته… وتغدو ناطحات السحاب هي نمط العمران الذي يرسم معالم الهوية في غير مدينة خليجية!
ولو أردنا أن نتابع إعلاماً يعكس واقع الشارع في كثير من دول الخليج اليوم، لكان لزاما علي تلفزيونات الإمارات أن تتحدث الهندية… وعلي التلفزيون السعودي أن يفرد ساعات من بثه لتعليم اللغة البنغالية والأوردية… أو الحديث بلغة عربية مكسرة كالتي يتعلمها أبناء السعوديين اليوم من الخادمات والسائقين… وأن تعتمد الإنكليزية كلغة قومية لمجلس التعاون الخليجي… ما دام التفريط بالانتماء العربي، وباحترام اللغة العربية قد وصل إلي هذا الحد! إن الخليج اليوم يعيش مباراة الثراء والرفاهية، علي حساب تأصيل الإنسان والهوية… والنزعة الإقليمية المعادية لبعض الجنسيات العربية… سواء علي خلفية خلافات سياسية أو أيديولوجية… جعلت الخليج يتصور نفسه كياناً خاصاً معادياً للكيان العربي في لا شعوره… رغم أنه يتكامل معه ويحتاج إليه ويمتزج معه تاريخياً واجتماعياً ودينياً واقتصادياً… ولعل صراحة الدكتور علي فخرو ودفاعه المستميت عن عروبة الخليج، خير شاهد علي هذا… وهو بالتأكيد ليس الصوت الوحيد… لكننا نأمل ألا تضيع هذه الصرخات في وادي النوم في العسل!
غانم السليطي: ثروة لم تستثمر جيداً!
وأبقي في الهم الخليجي ولكن هذه المرة فنياً… ومع فنان يعتز كل عربي بثقافته وسعة أفقه واطلاعه… هو الفنان القطري غانم السليطي الذي تابعت له علي قناة دبي حواراً متميزاً مع بروين حبيب في برنامج (نلتقي). حيث انتقد ما أسماه النزعة العنصرية في الخليج والتسيد علي الجنسيات الأخري… وانتقد أيضاً انضواء الفن والثقافة في الخليج اليوم في حمي الاستهلاك… وطالب بأن يكون التعامل مع الثقافة بعيدا عن خيمة السوق والاقتصاد… متأسفاً علي حال المسرح الذي قال إنه (ضاع في الطوشة… صار في خيمة الاقتصاد والاستهلاك…) وطالب بأنه مثلما يدعم مصنع المبيدات الحشرية يجب أن يدعم مصنع البشر الأهم… المسرح والكتاب!
غانم السليطي الفنان المثقف صاحب الرؤي النقدية الحادة، والذي تعرفت إليه شخصيا قبل عدة سنوات، حين كنت أعد حلقات برنامج (كاريزما) التي صورت بعض حلقاته في دمشق لصالح تلفزيون قطر، وكان السليطي ضيف إحدي تلك الحلقات… يأسر محدثه منذ اللحظات الأولي، ببساطته البعيدة عن التكلف… وبعمقه الذي يستند إلي مخزون ثقافي حقيقي.. وبنقائه الذي جعله يبدو مهزوما في بلده حتي ولو لم يقل ذلك صراحة!
فهذا النجم المسرحي الذي كان في الثمانينات أحد أعمدة المسرح الخليجي… اعترف اليوم أنه أصبح تاجر ذرة… وقال: أنا أعمل اليوم في تسويق بعض المواد الغذائية… لا أمزح في ذلك… لأن هذا أفضل لي من أن أصنع عملا فنيا أخجل منه .
لقد انصرف غانم السليطي في السنوات الأخيرة إلي تقديم مشاريعه التلفزيونية في تلفزيون أبوظبي… وكان آخر ما شاهدته له مسلسلا بعنوان (عمي ألوان) ولا أدري لماذا لا يتبني التلفزيون القطري هذا الفنان الكاتب والممثل النجم، في حين تمنح عروض الإنتاج لشركات عربية لا تضيف إنتاجاتها الكثير لرصيد التلفزيون القطري، خارج ركوب موجات الموضوعات السائدة، واتقانها لفن العلاقات والسمسرة!
لقد كان أجمل ما قاله غانم السليطي: ليست مهمتي كفنان أن أمجد وأمدح… فحيث يوجد الخطأ توجد الدراما، ويجب علي السلطة أن تساعد الفنان علي كشف الخطأ .
أخشي أن تكون هذه الرؤية المتنورة والعميقة لدور الفن هي سبب هزيمة غانم السليطي بشكل أو بآخر… إذا كان هذا هو السبب فهي هزيمة مشرفة علي أية حال… فتحية لهذا المبدع الكبير!
عيب يا جومانا مراد!
أفهم أن تمثل جومانا مراد في السينما المصرية دور فتاة سورية أو لبنانية، أو حتي مصرية، وأن تتحدث اللهجة المصرية حسب مقتضيات الدور… لكنني لا أفهم لماذا تصر علي التحدث باللهجة المصرية، وهي تظهر ضيفة إحدي حلقات برنامج البيت بيتك علي الفضائية المصرية! أجري دريد لحام طيلة حياته الفنية مئات المقابلات التلفزيونية في مختلف المحطات العربية… لكنني لم أسمعه يتكلم يوماً سوي بلهجة بلده… ومثله الفنانة الكبيرة مني واصف التي قالت لي يوماً: أحببت دور كوكب في وادي المسك لأنني من خلاله عرفت كممثلة سورية… قبله كنت معروفة في الوطن العربي من خلال دور هند بنت عتبة في فيلم الرسالة وأدواري في مسلسلات أخري بالفصحي لكن كانوا الناس يتحزرون… هل هي سورية أم لا . وفي مقابلاتها التلفزيونية لم تتحدث مني واصف سوي اللهجة السورية أو الفصحي إذا اقتضي الأمر!
هذا الاعتداد بالهوية الوطنية درس نحتاج أن نتعلمه من الكبار… وباحترام أيضاً… كي ندرك تفاصيل الاعتزاز بالبلد الأم… فلا تصل حدود المجاملة إلي انتحال لهجات الآخرين حتي لو كانوا أشقاء… لأن أي فنان مصري بالمقابل لا يظهر ـ يا ست جومانا ـ علي أي فضائية عربية ليتحدث بغير لهجة بلده وأهله!
ناقد فني من سورية
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى