احـذروا الثـورة يـا أهـل السياسة الجدد في تونس
عبد الوهاب الملوح
ها هي الثورة يحققها الإيمان بقوة الإنسان وقدرته على المقاومة والانتفاض وقت ما تتوفر الفرصة؛ تحققت الثورة بإرادة الشعب ودماء الشهداء؛ ثورة نظيفة أكدت أن الطغيان مهما طال يمكن أن يزول وأن السكوت في الغياهب لا يعني الموت ولا يعنى الانكسار والهزيمة لكنه ماكينة تعمل من الداخل ولا تهدأ؛ تراكم أسباب المقاومة وتتحين فرص التمرد؛ وثورة الشعب التونسي قادها الشعب في طبقاته الدنيا من دون تنظيرات أو خطابات أو زعامات من هنا أو هناك كانت تشتعل من قرية إلى أخرى ومن حزن إلى آخر، من سيدي بوزيد إلى الرقاب إلى جلمة إلى تالة إلى القصرين إلى بن قردان إلى الرديف، وكلها قرى في الداخل، قرى معدمة نائية مهمشة بعيدة عن المراكز الكبرى بعيدة أيضا عن مقرات أحزاب المعارضة وبعيدة عن مواقع المثقفين المعارضين أو المستقلين؛ لم يكن للمثقفين دور فاعل فيها أول الأمر، ولم يكن لأهل السياسة حراك قوي فيها أيضاً. اندلعت بشكل عفوي تلقائي، كان للنقابات القاعدية دورها في دعم هذه الثورة وكذلك للمساندة الإعلامية، سواء الإعلام الفضائي أو الإعلام الانترنيتي، وكان للفايسبوك دوره الفعال في إيصال المعلومة وعدم حجب ما يحدث. ومع ذلك، كانت تحجب المواقع في كل لحظة، وكنا نتحايل تقنياً وتكنولوجياً على بث مقاطع فيديو وإرسال الخبر وتمريره إلى اكبر عدد. كان هناك من الشباب من يأتيني بمقاطع الفيديو المسجلة في جهاز هاتفه، وكنت أنزلها في صفحات الفايبسوك، ونضطر لتغيير كلمات المرور والتحايل لتمرير هذه المعلومة أو تلك مصورة أو مكتوبة، وهو ما لم يحدث للأسف مع أحداث الحوض المنجمي سنة 2008 واحداث بن قردان سنة 2010، غير أن هذه الثورة لم تتوقف، امتدت أفقياً أولا، ثم تصاعدت عمودياً، ولم تهدأ، كانت تشتعل على جميع الأصعدة إلى أن وصلت إلى تونس العاصمة، واتخذت منعرجها النهائي نحو طريق اللاعودة، وتحولت المطالب فعلاً من مطالب اجتماعية إلى مطالب سياسية، وكان يوم 14 كانون الثاني لمّا كسر الجمهور حاجز الخوف وطالب برحيل الطاغية وكان قاب قوسين أو أدنى لاحتلال وزارة الداخلية، وكانت هناك أشياء تُدبر في الكواليس، وكان الشعب متيقظاً دائماً، حتى عندما حاولوا الالتفاف عليه أول الأمر بالفصل 56، تفطن للمسألة والخدعة فيها، ولذلك عادوا للفصل 57، والشعب إلى الآن يحرس ثورته، ويعمل على أن لا يخطفها منه أحد، لكن الآن تخلى السياسيون والمثقفون المعارضون، وها هم الآن كأنهم يريدون تقسيم الكعكة بينهم، كأن الثورة كعكة! هل الثورة كعكة لأهل السياسة المعارضين، وكل واحد يدلي برأيه، وكل واحد يريد أن ينال حصته؟
لقد قدم الشعب التونسي الحرية على طبق من ذهب لأهل السياسة، والفرصة بين أيديهم لصنع تونس ديموقراطية حرة من دون أي مزايدات.. لقد ضحى الشعب التونسي بالغالي والنفيس، من أجل حريته، وقدم خيرة شبابه فداء لهذه الثورة، ونخشى أن يسرقها منه أهل السياسة بحساباتهم الضيقة التي لا تنفع أحداً غيرهم. أصبحت المنابر الآن في كل مكان وعلى جميع الأشكال، إسلاميين وتروتسكيين وناصريين وبعثيين وقوميين واشتراكيين، وعادت الإيديولوجيات القديمة للظهور، وعادت التنظيرات والشعارات الثورية البعيدة عن هموم الشعب البسيط. هذه الهموم المتعلقة أساساً بالكرامة وبالخبز وبالحرية؛ على أن الشعب يفهم أيضاً، وبات يعرف ما يحدث جيداً، وأن إيقاع ثورته أسرع من الضوء، وأنها يمكن أن تندلع في أي وقت آخر، وتأتي على اليابس والمتجمد والانتهازي؛ لقد أصبح التونسي يعرف الانتهازي ويطرده من بين صفوفه حين يتحرك من أجل قضاياه. إذاً، احذروا الثورة يا أهل السياسة الجدد!
(تونس)
السفير
المهرولون دائما
عبد الوهاب الملوح
هؤلاء الذين هم هنا وهم هناك؛ هؤلاء الذين يجيدون دور الجلاد ودور الضحية في نفس الوقت هؤلاء الذين لهم القدرة على أن يكون لهم ألف وجه في اللحظة الواحدة؛ هؤلاء ‘الذين يبيعون القرد ويضحكون من شاريه’ هم في كل مكان ولا مكان يسعهم وهم أصحاب الحقيقة دائما ومنهم ذلك الذي قبل ساعة واحدة كان يدافع عن الوهم ويضرب الطاولة من اجل استتباب الصمت ويراهن على إن نظام بن علي هو النظام الأقوى والأوفى والأجمل في الدنيا قاطبة.
يدافع بشراسة المحتضر عن حياة ذهب في ظنه انه سيخلد فيها؛ طبعا وقد طال انحناؤه إلى درجة انه ما عاد يرى غير الحذاء والغبار من حوله وما يلقيه له السلطان وأتباعه ليثمِّن (عاليا)؛ يزكي؛ يبارك ويهتف ‘ألا كل ما خلا زين العابدين باطل’ ثم ينقض بكل شراسة على من يعارضه الرأي حتى بالصمت…
منذ أيام والقتلى يسقطون بالعشرات برصاص بوليس النظام السابق أعدت إحدى المجلات المشهورة عند أتباع النظام طبعا ملفا عن أحداث تونس وملخص هذا الملف إدانة لما يحدث من جهة الملثمين والعصابة المناوئة لتونس و’الإرهابيين’ وتثمين لقرارت الرئيس الرائدة والتاريخية والمقصود هناك الكلمة الأولى التي ألقاها الديكتاتورعشية يوم 3 كانون الثاني/يناير 2011 والتي اتهم فيها شعبه انه إرهابي وضمن هذا العدد كانت هناك كلمة لصحافي يشتغل بوزارة الثقافة يدين فيها الصمت البشع للمثقفين التونسيين وكيف لا يدينون ما يجري ويقفون كلمة واحدة ضد الانتفاضة مع نضام بن علي الذي .. وشرع بدوره يعدد ويحصي المبادرات الرئاسية من اجل المثقفين والانجازات والكرامات التي تكرَّم بها الرئيس للمثقفين وهو ما يستدعي طبعا أن يهبوا ويدينوا انتفاضة الشعب ويستنكرون ما يحدث من احتجاجات ويدعون الناس من مواقعهم كمسرحيين وسينمائيين وشعراء وكتاب أن يوقفوا تضامنهم مع المحتجين واعتبر المثقفين التونسيين ناكرين للجميل لأنهم التزموا الصمت ولم يقوموا برد الجميل لمن أكرمهم وأسعدهم ووهبهم رغد العيش على أن اللحظة التاريخية تستدعيهم أن يقوموا بدورهم العرفاني غير انه و يا لمفاجأة ما إن تم الإعلان عن خطاب مساء يوم 13/01/11حتى طلع الصحفي صاحب المجلة المشهورة ليردد ‘غلطوني’ أيضا وشرع في دورالضحية مجددا؛ ينادي بمحاسبة كل المسؤولين وينادي بحرية الإعلام وهو واحد من مهندسي إعلام الفترة الكابوسية دونما إن يتوقف عن دوره الببغائي في تكرار ما قاله ‘عرْفه’؛ وغير مستبعد إن ينقلب مجددا على نفسه ويدعي انه ابن الشارع وانه من أبناء الشعب وهو كذلك من أبناء الشعب لكنه عمل على حبس هذا الشعب وكبته بجميع الأشكال؛ انه الان يحاول ان يكون هنا ويركب الحدث ايضا ولكنه لا يعرف ان لكل فترة قوانينها وانه لما طلع على الفضائيات العربية يمدح ويزكي ويثمن ويبارك نسي ‘اذا الشعب يوما اراد الحياة’ ويا للوقاحة مازال يعتقد انه من اراد الحياة الكريمة … أمثال هؤلاء المهرولين هم هناك الآن فقط وافتضحت أساليبهم وما عاد بامكانهم ان يستغبوا هدا الشعب الكريم ولا مكان لهم في أي مركز من مراكز القيادة الآن ولا صدقية لمهنتهم الاعلامية لابد من القطع معهم..
شاعر من تونس
القدس العربي