الثورة التونسية والإسلاميون العرب
شبلي شمايل
أسقطت الثورة التونسية كل الحسابات والتقديرات التي اجتمع عليها المحللون الغربيون والمثقفون الإسلاميون والتي تقول بأن التغيير سيكون إسلاميا أو لن يكون.
لا يوجد كلمة واحدة دينية واحدة. حتى التعبير الشعبي التونسي (بربي) لم نعد نسمعه. ويروي أحد الصحفيين اللبنانيين الذي كان في تونس أن أحد الإسلاميين دخل بين المتظاهرين وحاول التسويق لكلمات مثل (شعبك مسلم) فلم يستمع له أحد. فبدأت بعض مواقع السلفيين تهاجم المناضل اليساري العلماني منصف المرزوقي بحجة أنه قال لا أدعو الناس للصلوات والعبادات أدعوهم للمظاهرات والاحتجاجات. وبعضها الآخر قريب من النهضة لم يخجل من أن يتهم حمة الهمامي القيادي الشيوعي التونسي البارز بأنه استئصالي لأنه عاب على حزب النهضة الالتقاء بمحمد الغنوشي رئيس الوزراء في عهد بن علي وفي عهد الحكومة المفبركة في باريس وواشنطن لاغتيال الثورة بعد تشكيل حكومته الأخيرة.
الأبواق الإسلامية تغني وتزمر وكأن ما يحدث وراءه الفكر النير لراشد الغنوشي الذي ألهم أردوغان وغل كما يدعي فهمي هويدي الذي لا يعرف بأن الغنوشي لم يترجم للتركية وأن راشد الغنوشي لم يلتحق بالاردوغانية إلا عندما نجحت بالانتخابات. وطبعا الجزيرة تحاول التسويق لذلك في ثنائية واضحة طرفها الأول ارضاء الأمريكان لهذا عينت لطفي الهمامي ورشيد خشانة مسؤولين عن تونس في القناة، وكلاهما من الحزب الديمقراطي التقدمي لنجيب الشابي. أي الشخص الذي حصد وزارة الطزي (كما يقول الشباب التونسي) في ظل حكومة الحزب الحاكم لانقاذ النظام. وبذلك يرضي أمير قطر فيلتمان وكلينتون اللذان يريدان بأي شكل بقاء المرجان وشركاه من الموالين لهم في مواقع السيادة الأساسية من مالية وداخلية وخارجية. ويترافق ذلك مع دعوة الجورشي لقطر وهو أحد أصدقاء السفير الأمريكي في تونس. لكي يتحدث عن ضرورة الانتقال الهادئ وعن عدم نضج الحركة الشعبية وضرورة ترشيدها. وبعد ذلك اعطاء اكبر حيز للإسلاميين لكي يتذكر الشعب أن هناك حزبا اسمه النهضة. وأخيرا تهميش التيار القومي التقدمي والتيار التروتسكي والشيوعي تماما. هذا التكامل في الجزيرة بين إرضاء الإسلاميين وإرضاء الأمريكيين يتمثل أيضا في الحملة التي شنتها القناة على السلطة الفلسطينية ليس لأنها عميلة أو مناضلة، وليس لأنها حقيرة أو نبيلة، فكل هذه المعايير معروفة للقاصي والداني، ولكن لأن تيارا وطنيا ديمقراطيا يلد في فلسطين من روح الثورة التونسية يرفض حالة الانحطاط التي وصلتها القضية الفلسطينية في صراع السلطة بين فتح وحماس، وينشد بناء حركة شعبية جديدة. الأمر الذي أرهب حماس والحكومة الاسرائيلية.
أرهب حماس لأنها ستفقد ما حصدت من شعبية على أكتاف الجهاز الفاسد للسلطة وسيتوجه الناس لتيار ديمقراطي مقاوم ينال تأييد كل شرفاء العالم،
وأرهب الحكومة الاسرائيلية التي تريد أن تتخلص من فكرة إعلان دولة فلسطينية بعد إعلان دول كثيرة اعترافها بهذه الدولة وأن يبقى الفلسطين حامل عباءة التطرف الإسلامي التي يصعب تسويقها في السوق الدولية. لتبقى وهي الأنموذج الأمثل للنازية اليوم واحة الديمقراطية كما يحب الضحل أوباما أن يسمي الكيان الصهيوني.
لكن الثورة التونسية امتدت وبدأت في مصر، وفي الجزائر يقمع البوليس والجيش المتظاهرين بعنف خوفا من أن تنتقل عدوى الحرية والاشتراكية الحقيقية لا اشتراكية ضباط الفساد والقمع. وفي كل بلد عربي نسمع اليوم نشيد الحرية والعدالة الاجتماعية. وكما قال ابن الحلقات الماركسية شابا المناضل في حقوق الإنسان هيثم مناع: “لقد قبرت ثورة الياسمين المثل العراقي في القلوب وفي العقول”.
العروش تهتز وبعد سنين من الظلام انجبت كل منوعات الظلامية الفكرية الدينية والنيو ليبرالية، يعيد الشعب لحق التشغيل والخبز والتعليم والتنمية والديمقراطية النابعة من الشعب الاعتبار رافضا التبعية والماضوية والانحطاط المذهبي. أجهزة الأمن السورية تطلب من بشار الأسد جرعة تخديرية من الوعود وتحكم عبر قاض التسلط على المناضل عباس عباس من مؤسسي حزب العمل الشيوعي بالسجن سبع سنوات وعلى رفاقه بأحكام جائرة خوفا من الأمل الثوري القادم.
كم كنت أتمنى أن يكون الفقيد الكبير ضحية التعذيب في أقبية السجون السورية المهندس مضر الجندي معنا ليشهد هذه الأيام.
( أشكر الرفاق الشيوعيين من تونس الذين راجعوا المقال)
هيثم مناع
الحوار المتمدن