ثورة تونس

صندوق الطماطم الفاسد تونسياً وعربياً

بدرالدين حسن قربي
بعد ثلاثة وعشرين عاماً من سيطرة زين العابدين بن علي الرئيس التونسي السابق على نظام الحكم، وفي لحظة قدرية بدأت بإحراق الشاب بوعزيزي نفسه احتجاجاً على معاملة السلطة المحلية له، ومن بعدها خروج الجماهير الغاضبة التي فاض كيلها في تظاهراتها المتواصلة فيما عرفت بثورة الجائعين احتجاجاً على غلاء الأسعار، ورفضاً للقمع ومطالبة بالحريات وتأمين فرص عمل لمئات الألوف من الشباب البطّال.  بعد كل هذه الفترة الطويلة ومع انفجارات ربع قرن من قهر وألم ومعاناة وجوع واضطهاد، وقد زلزلت تونس زلزالها، وأخرجت القلوب والأجساد أثقالها وأفاضت الشوارع والساحات غضبها، وقال الريس بن علي مالها، وقد أحس بالغرق يدركه فخاطب الجماهير الثائرة ينشد ودها: فهمتكم، فهمتكم، قال لها، فبعد فوات الأوان كُشف عن بصره وبصيرته فخاطبها: غلّطوني، أي ضحكوا عليّ، ضللوني، كأنه يعني أنه تعرض الى عملية تضليل من قبل بطانة سيئة حجبت عنه الحقائق كاملة وأبعدته عن الشعب، وكأنه أُوتي من الفهم مالم يُؤته من قبل، ولكن متأخراً جداً كعادة عتاولة الجبّارين في الأرض.  فقال بن علي ماقال والجماهير قالت بلسان حالها: آلْآن …! وقد كنتَ من الظالمين.  ومن ثمّ فقد كان فصل الخطاب بين ماقالته الجماهير المسحوقة وماقاله الرئيس بن علي، هو هربه والبحث عن مأوى وقد ضاقت عليه وعلى أصهاره وأنسبائه الأرض بما رحبت.
وعلى وقع مشاهد الغضب، كانت جماهير الناس في منافيها وفي بلاد العرب، تمتلئ بالسرور قلوباً، وتفيض بالحبور وجوهاً وهي ترى رئيساً شمولياً ديكتاتورياً تُطيح به احتجاجات الشارع وبراكين الغضب، وتتمنى أن ليت ماكان لهم يكون لنا.  وأما على وقع مشهد الهرب فقد تبدّى لاشك للعديد من الأنظمة الاستبدادية العربية ضعف سلطتهم التي يحاولون إظهارها على الدوام أنها مدعومة من الجيش وقوات الأمن والمخابرات ومحصنة ضد الغضب الشعبي، وأشاع هلعاً ما في أعماقها حاولت أن تخفيه، بل ذهب بعضها إلى حد تجاهل أخبار الأحداث التونسية غضباً وهرباً من أصلها استشعاراً لخطر يمكن أن يكون، لأن صندوق البندورة الفاسد هو هو نفسه عند الجميع، من حزب محنّط قائد للأمة والمجتمع، إلى عائلة مقدسة وقرابات من شفيطة ونهّابين مسنودين، فلا تجد شركةً ليس لهم فيها علاقة، ولا مصنعاً مهماً ليس لهم فيه دور، ولا مواصلات واتصالات إلا لهم فيها شأن وشأن، ولا إعلان ولا دعاية إلا وتصب في شركاتهم ومنتجاتهم، ولا استثماراً إلا وهم فيه شركاء، ولاصفقة إلا ولهم فيها ضبط وربط وحصة وقصة.  بقدرة قادر ممتدون كأخطبوط، قدرتهم بلا حدود، وواصلون ومحظييون ونشاطاتهم وأعمالهم في كافة أنحاء السلطة مدعومة بلا قيود، لهم صور وجداريات وتماثيل منشورة في الشوارع والطرقات لتذكر المقهورين بعين الرقيب عليهم إلى الأبد، ومن قمع للحريات وقوانين طوارئ ومحاكم أمنية وعسكرية استثنائية وسجون مليئة بالمعارضين.
وعليه، ففي حال حصول التغيير حتى وإن اختلف شكله وأسلوبه، فيمكن أن يتكرر السيناريو نفسه أو قريباً مما حصل لصندوق الطماطم التونسي في الأيام الماضيات والذي تجلّى بمهاجمة العديد من مباني حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم وحرقها في عدد من المدن التونسية، تمزيق صور بن علي في الشوارع والميادين وعشرات الآلاف من الناس في الشوارع تصرخ نحن جائعون، مصادرة أموال ومجوهرات طائلة ترجع إلى الرئيس وعائلته داخل تونس.  إطلاق سراح آلاف المعتقلين من سجناء الرأي والفكر من المعتقلات وعودة المئات من منافيهم القسرية والطوعية، اعتقالات واسعة للكثير من أقارب وعقارب الرئيس التونسي للاشتباه بارتكابهم جرائم بحق الشعب التونسي ووضع اليد على ممتلكاتهم وثرواتهم الطائلة، واختفاء العديد منهم وهرب بعضهم.  تشكيل لجان تحقيق واسعة وراء الممتلكات والثروات الطائلة المنهوبة والمسروقة من عرق الجماهير المعتّرة من قبل رجالات النظام.  إعلان سويسرا تجميد الحسابات المصرفية لزين العابدين وزوجته، والتي لحقت بها فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي والتي أبدت جميعاً وبشكل غير مسبوق استعدادها لكشف هذه الأرصدة وقبولها بإعادتها إلى تونس.  فتح السلطات التونسية الجديدة ملف الفساد ضد الرئيس الهارب وعائلته، وبدأت إجراءات قضائية ضدهم بتهم اختلاس أموال وممتلكات تخص الدولة.  غياب الدعاء للرئيس بن علي عن صلاة الجمعة، وكذلك الرقابة الامنية المشددة التي كانت تواكب صلاة الجمعة في مختلف المناطق التونسية.  ملاحقة أصهار الرئيس وقراباته وأشقاء زوجتة ممن سيطروا على من العديد الشركات العقارية والمصارف وشركات التصدير والاستيراد بما فيها وكالات السيارات وشركات الهواتف النقالة وفرضهم الكثير من الإتاوات والجبايات على الكثير من الشركات مما جعل لهم في معظم الشركات العاملة في تونس نصيباً مفروضاً.
أما إذا أردنا أن نعرف طبيعة هذا الصندوقة تعبئةً وترتيباً وعملاً، فإن فيما تسرّب من وثائق ويكيليكس عن هذا الشان رسالة كتبها السفير الأمريكي في تونس إلى إدارته في واشنطن اختصر بعض الوضع بعبارات بليغة، وكأنه يصف الحال في كل بلداننا ذات الأنظمة الشمولية والفاسدة بقوله: ينطبع في نفسي أن عائلة الرئيس بن علي مكروهة في بلدها، ومقطوعة عن كل ما يحدث فيه، وأنا أسمع عن عمق مشاركتها في الفساد وعن إمبراطورية الأعمال التي انشأتها بطرقٍ تُذكّر بالمافيا الإيطالية.
رسالة صندوق البندورة التونسي الخرِب الذي ظهرت عطور روائحه العفنة وفضائحُه على أهل الأرض من بعد ما فتحت ستائره وأبوابه ورفعت أغطيته، إلى كل صناديق الفساد والاستبداد: ادّاركوا أنفسكم ليوم لاريب فيه، قبل أن تُخسف بكم الأرض أو تطيروا في السماء.  وما أمر تونس وابن علي عنكم ببعيد، فهل من مدّكر…!!؟

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى