أفتخر بهويتي … كالتونسي
فواز تللو
أفتخر بهويتي…عبارة نسيناها منذ عقود حتى جاءت انتفاضة تونس لتوقظها، أقولها اليوم وأنا لست تونسيا، لكن هويتي تتطابق مع هوية التونسي الوطني العربي المسلم، الإنسان الحر الذي حقق استقلاله الثاني بشكل سلمي راق في وجه نظام أمني مستبد فاسد.
أنا كالتونسي، عربي وأفتخر بهويتي العربية أمام العالم، بعدما أساء لهذه الهوية الاستبداد وفهم عنصري استئصالي لمعنى الانتماء العربي، وليشرعن هذا الفهم بالتالي للاستبداد والظلم.
وأنا كالتونسي، مسلم وأفتخر بهويتي الإسلامية أمام العالم، بعدما أساء لهذه الهوية، قلة كفَرت وقتلت باسم الإسلام وأساء لها من أيّدهم أو برَر لهم ولو بعض أفعالهم، ومن كان عن يمينهم أو يسارهم، وربما ادعى عداءهم لمصالح سياسية آنيَة، لكنه في جوهر فكره لم يكن إلاَ مثلهم.
وأنا كالتونسي، وطني وأفتخر بانتمائي لوطني الحالي الذي رسمت حدوده منذ قرن، بعيدا عن رأيي، كما حصل في تونس، لكنني عملت على تنميته والحفاظ عليه من التفتت، من دون شعور بالذَنب لأنني لم اعتبر انتمائي لوطني خيانة من منظور عربي ولا كفرا من منظور إسلامي، متسلحا بشعورعال بالمواطنة، ومتجاوزا انتمائي القبلي والطبقي والطائفي، كما هو التونسي الذي اعتبر أخاه في تونس أقرب إليه من أي شخص غير تونسي، كائنا ما كانت قوميته او طائفته، لا كرها بالآخرين، بل إدراكا واعيا بالأولويات.
وأنا كالتونسي، فخور بأنني أضع قيم الإنسان والإنسانية من قبيل احترام حقوق الإنسان الأساسية، وعلى رأسها قيم الحرية والديمقراطية وحق الاعتقاد والاختلاف والحياة والكرامة، أضعها جميعا كم وضعها التونسي، أولوية وعلى رأس وفي صلب أيِ فكر أو إيديولوجيا سياسية قد أؤمن بها، سواء كانت قومية أو إسلامية أو ليبرالية أو يسارية، من دون أن أسمح بأي مبررات لتجاوز هذه القيم الإنسانية من قبيل التحدِيات والمؤامرات الخارجية والداخلية والهجمة الصهيونية والإمبريالية والهجمة على الإسلام، وغير ذلك كثير من مبررات تستخدم لتهميش أولويَة هذه القيم الإنسانية أو تخوين أو تكفير من طالب باحترامها وتطبيقها وجعلها أولويَة.
وأنا كالتونسي أفضِل الاستقرار لا الفوضى، لكنه بالتأكيد ليس استقرار المستنقع الأبدي، الذي يخبِئ تحت سطحه ما هب ودب من آفات اجتماعية، وما أن يتحرك سطحه الراكد المستقر، حتى تنتشر تلك الآفات لتحول البلاد إلى فوضى تأتي على كل شيء. إن الاستقرار الذي أقدسه كالتّونسي، استقرار يبدأ وينتهي عند الإنسان كأعلى قيمة، وما يتفرع عن ذلك من حقوقه الأساسية وحريته وكرامته وإرادته الحرة، بعكس ما يروج له البعض من تقديس الاستقرار المستنقعي على حساب هذه القيم، ملوحا بالخوف من الإسلام وكل مظهر من مظاهر التدين، لأخذ البركة من السادة في الغرب، لقمع البشر ومصادرة أي تحول ديمقراطي، بغض النظرعن الغطاء الايديولوجي الذي يختبئ هذا البعض خلفه.
ترى… هل هناك من حرّك وجمع العرب والمسلمين وشعوب العالم جميعا، من دون اختلاف، ومنذ زمن طويل، كما جمعهم الحدث التونسي؟ هي قليلة جدا إن وجدت، فالجميع هنا وبلا استثناء… تقريبا، وحّدهم الهمُ التّونسي، ففرحوا لفرح تونس وما أنجزته انتفاضتها، وباتوا يعتبرون أنفسهم منتصرين وكأن جائزة الحرية كانت من نصيبهم وليست للتّونسيين فقط، فالهوية التي تبناها التّونسيون لانتفاضتهم كانت هي الهوية الأعلى التي جمعتهم مع كل العرب والمسلمين وشعوب العالم، إنها رابطة قيم الإنسان والإنسانية من قبيل احترام حقوق الإنسان الأساسية، وعلى رأسها قيم الحرية والديمقراطية وحق الاعتقاد والاختلاف والحياة والكرامة والعدالة. تلك كانت هوية وأهداف وشعارات الانتفاضة التّونسية، وهي أيضا ما جمع البشرية حولها، وهو ما يجمع الإنسان بأخيه الإنسان قبل أي شيء آخر. هي هويتنا الأولى جميعا مهما كان انتماؤنا القومي أو الطائفي أو معتقدنا الإيديولوجي، الذي قد يشكل أي منها هوية ثانية وثالثة لنا من دون تناقض … إنسان يقدس الحرية والعدالة والخبز والكرامة.
‘ كاتب سوري