قضية فلسطين

خالد مشعل: سياسة طهي الدين

هوشنك بروكا
من استمع، أمس السبت، لخطاب سيد حماس الأول، خالد مشعل، والأرض “تزلزل” تحت “رنين” كلماته الماورائية، في “دمشق الأسد”، لا يحتاج إلى جهدٍ كبير، ليفهم ما يقوله السيد “الإلهي”، لغزة القتيلة؛ غزة الضحية ل”صلاةٍ مفخخةٍ”، خارجةٍ عليها، هي ليست لها، وإنما زُجت فيها ب”إسم الله”؛ غزة المبتلية ب”قم النووية”، وطهران(ها) الخاطفة والمصادرة ل”الإسلام”، و”اللاعبة” الذكية عليه، راهناً، والتي تريد به وبتاريخه المتعارك، المتخاصم، بين سنّة الله وشيعته، أن تنتقم الآن، من جغرافيا الإسلام، وأهل الإسلام أنفسهم، والعرب أولهم، من مشرقهم إلى مغربهم.
من قرأ خطاب مشعل السيد، المعلّق في السماء، ك”نصٍّ ورائي في الماوراء”، أو نصٍّ في “فبركة السماء”، سيلحظ مدى “الشطح السياسي”، لا بل “الجريمة السياسية” التي يرتكبها، هذا السيد السياسي، و”إيديولوجيته الحمساوية السماوية”، بحق فلسطين غزة، على الأرض، وفلسطين العرب أولاً، ومن ثم بحق كل الشارع العربي والإسلامي، الهارب من داخله الممكن إلى خارجه الكبير المستحيل، الذي لا حول له في فوقه ولا قوة، ولا ولن يزيد عليه شيئاً يذكر من قبيل الفعل، سوى صناعة المزيد من القول والقول المضاد، أو الغضب والغضب المضاد.
سيد حماس الأول، كعادته، لم يتصرف، في خطابه، أمس، كسياسي يمشي على الأرض، وأنما اعتلى الكلام السماوي الكبير، و”تسلق” الأيات القرآنية، موحياً للمتلقي، ب”نبوءةٍ قادمةٍ”، وكأنه “رسول” يطير في السماء، وما نزل منها لتوه، الآن، إلى “دمشق المباركة”، إلا ليبشّر من “قبلته” وجهة خطابه، هناك، أهل غزة، وأهل الشارع المشتعل، و”دولها” المشتعلة، من “أمته العربية والإسلامية العظيمة”، ويقرأ عليهم، في “صلاةٍ مباشرة”، على الهواء مباشرةً، “نبوءته” الحمساوية، بأن الله، يتابع “غزوة غزة” عن كثبٍ؛ ويقرأ محرقتها ونارها وخرابها وشهداءها عن كثبٍ؛ و”سينصر غزة هاشم وأحمد ياسين” عن كثبٍ، ف”ابشروا” يا أهل “غزة الحمساوية السماوية” في “السماء السياسي”، ب”أن الله لكم، وأنّ نصر الله لقادمٌ واللـــــــــــه..أنتم بحفظكم للقرآن وإرتيادكم للمساجد نصرتم الله في أنفسكم..لهذا سينصركم الله حتماً..أن تنصروا الله ينصركم ويثت أقدامكم..ولذلك قال ربنا بعدها: “وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون”.
السيد “الإلهي” المتكئ على كلام الله، يريد أن يقول لجمهوره “الإلهي”، بأنه “يعلم” مع الله العالم والعليم، بأن النصر “المعلوم المحتوم”، قادمٌ، لا محال، وإنّ الله على شهادة السيد لشهيدٌ!!!
بهذا الكلام المنقول عن كلام الله، وقرآنه، “زج” السيد الحمساوي الأول، خالد مشعل، القرآن والله، في سياسته بالوكالة عن “قم النووية” و”دمشق الفلسطينية أكثر من ياسر عرفات!”، ووزع العالم في غزة السماء القادم من النصر القادم، بين “دار إسرائيل وصديقاتها وربيباتها”، و”دار حماس”؛ بين “دار من لهم الله”، و”دار من ضدهم الله”؛ بين “دار الحرب”، و”دار السلام”؛ بين “دار الكفار”، و”دار المسلمين”؛ وبين “دار المندحرين المهزومين الشيطانيين”، و”دار المنتصرين الغانمين الإلهيين”.
هذا الخطاب الماورائي، القادم من الوراء السلفي، و”المدجج” بكلام السماء(والسماء، على مستوى البشر، حيادٌ، لا ينحاز إلا لله، كما يجب لله أن يكون)، هو من شقّ فلسطين إلى فلسطينَين، وشطّر الفلسطيني إلى شطرين ضدين، أحدهما يريد فلسطين في المسجد، وآخر يريدها في أوسلو.
هذا “الخطاب الإستشهادي”، المعوّل على الدم والشهادة التي هي لأجل الشهادة، هو الذي دفع بفلسطين، أمس، إلى المذبحة المزمنة، منذ عقودٍ دمويةٍ، كثيرةٍ مضت، ولا يزال.
هذا الخطاب السياسي، الإنتحاري، المعلّب بالدين، والمغلّف بكلام السماء، هو الذي “مسّخ” فلسطين على الأرض، وحولها من فلسطين ك”قضية تمشي على الأرض”، إلى “قضية إلهية، مقدسة، تسبح في السماء”.
هذا الخطاب السياسي المتديّن، المعتلي على “إيديولوجيا الدين”، هو الذي حوّل الدين في الشارع العربي والإسلامي، من غزة إلى قم وتورابورا، مروراً بالجنوب اللبناني، والعراق “المطبّر”(من التطبير)، و”عراق المقاومة”، إلى سياسة رائجة، و”ممتازة متفوقة”، لصناعة القتل والقتل المضاد، للعبور إلى رحاب “الدول المقدسة”، و”الجماهير المقدسة”، و”الشوارع المقدسة”، و”الحروب المقدسة”، و”الإنتصارات الإلهية المقدسة”، وقلوب “القادة السادة الأئمة المقدسين المؤلهين”.
كل ذلك، يُصنع في مطابخ سياسية، مختصة ب”طهي الدين”، و”طهي المقدسات”، و”طهي كلام السماء”، لأجل “حقٍ كبيرٍ يُراد به باطل أكبر”، للتسويق المحلي حيناً، والعابر للحدود أحياناً أخرى.
وهكذا، وفي سياق إيديولوجيا الدين ذاتها، ومن “المطابخ الدينية” ذاتها، طلع علينا سيد حماس، أمس، من “قبلته” الدمشقية، ب”طبيخه السياسي المتبّل بالدين وبهاراته”، كطباخٍ سياسيٍّ ماهرٍ، مختصٍّ في “طهي” الدين والمقدسات، وتحضير “وجبات” الإنتصارات “الإلهية” السريعة، في دمشق السريعة.

هوشنك بروكا
ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى