صفحات أخرى

صــواريــخ

null


حسام عيتاني

ليست الفضيلة كلها في زيادة أعداد الصواريخ وتنويعها ومضاعفة أمديتها. ليست هي الفضيلة كلها لأن عوارضها الجانبية باتت مما يستعصي التعامل معه من دون تسميتها بلا مواربة، فوجب على المنافحين عن تسليح المقاومة الالتفات الى أن التوازن الداخلي اللبناني يستحق، هو الآخر، عناية قبل وقوع انهيار يضيع الأرض التي تزرع الصواريخ فيها.

في موازاة ما قيل عن صواريخ يأخذها هذا الجانب ويهدد الآخر بقذفها الى غرف نوم الأول، تبرز مسألة لم يعد من المجدي الاختباء خلف الأصابع عند تناولها: ان سلاح المقاومة التي حُصرت لأسباب معروفة في حزب من طائفة بعينها، يتضمن دعوة مبطنة الى كل الطوائف للانكباب على التسلح. ليس يجدي في هذا المقام التكاذب والحديث عن وطنية هذا السلاح وعمالة ذاك، عن تخصص هذه البندقية في مقاومة الاحتلال وانجرار تلك الى حروب الأزقة والزواريب والفتن. السلاح هو سلاح الطوائف والجماعات بحسب ما يؤكد العقل الطائفي اللبناني (وما من عقل عامل غيره في هذه الأرجاء، في المدى المنظور). واذا كانت القوى السياسية قد أجمعت على بقاء سلاح المقاومة خارج إطار الجيش الوطني، فإنها حين فعلت ذلك، نالت الحق في التسلح لعزل الجانب الداخلي من سلاح المقاومة عن جانبه الموجه ضد الاحتلال.

يستهزئ من نفسه ومن الآخرين من يعتقد أن الأيمان التي قطعتها قيادة حزب الله بألا تستخدم سلاحها ضد طرف محلي، قد حظيت بآذان صاغية في أوساط الطوائف المفطورة على الذعر والريبة من كل ما ومن يختلف معها وعنها. ويقلل من جدية التعهدات تلك، خطابات يطلقها «حلفاء» الحزب الذين يبدو أنهم يمتلكون الحق بالنطق باسمه، فيما يلتزم هو الصمت وفي روعه أن الخصم تبلغ رسائل عدة، بصمته هذا.

لا، ليس كل سلاح المقاومة للمقاومة. على الأقل هذا ما تعتقده طوائف ترى أن من حقها البحث عن ضمانات أمنية تسيطر عليها سيطرة مطلقة طالما ان ما من استراتيجية للدفاع الوطني قد أقرت، وطالما ان الجيش اللبناني لم يصل الى المستوى الكفيل بالحلول مكان المقاومة من جهة في مهمة الدفاع عن لبنان في وجه اسرائيل، واحتكار «العنف الشرعي» من جهة ثانية. ويصبح، بذلك، كل سلاح في لبنان سلاحا أهليا بمعنى خضوعه للفرز وفقا لخطوط الطول والعرض الطائفية. وتنقلب حينها المقاومة لتصير عامل إذكاء للانقسام الداخلي بدل ان تكون ضمانة للاستقلال.

بطبيعة الحال، لن يوافق أنصار المقاومة، بمفهومها التقليدي، على هذه الأقوال. لكنهم بموقفهم الرافض لاستيعاب منطق لا يقل تماسكا عن منطقهم، من وجهة النظر المغايرة على الأقل، انما يساهمون في جذب سلاح المقاومة من حيث يدرون أو لا يدرون، الى ساحة الصراع الداخلي. ونقول «بمفهوم المقاومة التقليدي» لأن المعطى اللبناني الطائفي، يحول دون جعل تشكيل مسلح يغلب عليه لون طائفة ما، بغض النظر عن المهمات التي يعلن التزامه بها، مؤسسة وطنية. وما كان قائما ومتاحا أثناء وجود القوات السورية في لبنان، من قوننة لسلاح المقاومة وتوفير الغطاء السياسي له ومنع القوى الاخرى من التسلح، لم يعد قائما اليوم.

غير أن هذا القول يبقى ناقصا ما لم يبرز الإقرار بأن رؤية القوى السياسية الرئيسة في لبنان، ليست موحدة حول مستقبل بلدها، لا من حيث علاقاته الاقليمية ولا من حيث دوره في منطقته. التنافر هذا يضيف بعدا جديدا الى الخلاف بشأن سلاح المقاومة يجوز تلخيصه بسؤال: ما هي شروط انتقال السلاح الى إشراف الدولة وقرارها؟ بكلمات أخرى: ما هي الآلية الكفيلة بتحوله من سلاح أهلي الى سلاح وطني؟ غير أن السؤال هذا يبدو من الماضي بعد اغتيال عماد مغنية وانفتاح أبواب مواجهات وحروب شتى.

ومن أسوأ سيئات أسلوب التفكير المفروض في مجال السياسة اللبنانية اليوم هو الإصرار على أخذ الامور جملة واحدة ورفض التمعن في تفاصيلها ومدلولاتها. وهو أسلوب لا يستقيم في النظر في النظام القائم في لبنان ولا في قضاياه المتنوعة، وخصوصا في مسألة السلاح والعنف الرمزي الذي يختزنه وتشكيله، من حيث يعلم أصحابه ام لا يعلمون، مبررا لاندفاع قوى وجهات مختلفة الى استغلال وجود السلاح هذا في مآرب كثيرة.

هنا، لا مفر من القول ان الصواريخ ـ بما هي تكثيف لكل موضوع السلاح ـ لا تشكل عائقا أمام العدو الخارجي وحده، بل إن تأثيراتها الداخلية من الجسامة بما لا يمكن القفز من فوقها واعتبارها وكأنها لم تكن، خصوصا أن المؤشرات تتكاثر على تصاعد التهديدات التي يواجهها ما تبقى من سلم في لبنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى