صفحات أخرى

الشعور بالعجز

null
سمر المقرن
(كم شعرت بالعجز.. عندما عرفت أن السجين النجراني زايد آل سنان، قد حفظ القرآن الكريم كاملا، ما يعني أن من حقه الاستفادة من المرسوم الملكي الذي يأمر بإسقاط نصف العقوبة عمن يحفظ كتاب الله كاملا، وتم استثناؤه من هذا المرسوم لأنه نجراني “إسماعيلي”، إحدى فئات الطائفة الشيعية، ولم أستطع أن أكتب عن قضيته في الصحافة السعودية، أو أن أفعل له شيئا).
كم شعرت بالعجز.. عندما قابلت “دلال”، الشابة السعودية المتوقدة التي وصل سنها إلى الخامسة والثلاثين بلا زواج، لأنها عاشقة، أحبت ابن خالها السوري، والذنب لم يكن ذنبه سوى أنه “سوري”، فرفض أهلها والمحاكم تزويجها منه، عندها استنجدت بي، بحثت لها عن نصيحة، فلم أجد إلا من يقول لا بد لها من التصعيد الإعلامي في القنوات الفضائية الغربية، شيء لا تقدر عليه ولا تريده وهي ابنة القبيلة الصارمة المحبة لوطنها وأهلها).
كم شعرت بالعجز.. عندما جاءت إلى مكتبي امرأة من أصل مغربي وتحمل جنسية سعودية، وقالت لي: “أرجوك ساعديني.. أرغب باستعادة جنسيتي بعدما طلقني زوجي السعودي، ولم أعد قادرة على العودة إلى بلادي دون موافقة محرم، أرجوك ساعديني للعودة إلى استعادة جنسيتي، “فقط” من أجل أن أشم رائحة أمي. لم تعد تريد جنسيتنا فقط، تريد أن تعود كما كانت رسمياً لتشعر بحريتها وتخرج من منافذ المطار دونما وصاية، شعرت بالأسى والعجز، لأنني لم أستطع أن أصنع لها شيئاً.
كم شعرت بالعجز.. عندما اتصلت بي تلك الكوافيرة وهي تبكي وتطلب مني النجدة، فهي ترغب في العودة إلى موطنها ورؤية أهلها، وكفيلتها التي استقدمتها بتأشيرة خادمة ترفض هذا طالما أنها لم تكمل سنوات العمل المتعارف عليها في العقد، مع أن الكوافيرة طلبت منها أن تخصم كل التكلفة من أجرتها، ومع ذلك لم تستطع أن تتحرر من هذا السجن الظالم الذي حبستها فيه تلك الكفيلة، وكأنها جارية عندها من زمن حريم هارون الرشيد، كل الذي استطعته – مع الأسف الشديد – أنني اتصلت بأحد المسؤولين في سفارة موطنها، وأخبرتهم بحكاية الفتاة، وطلبوا رقمها، ومع ذلك لم يفعلوا لها شيئا، استمرت تعمل في الرياض بكل ألم إلى أن أنهت مدة عبوديتها.
(كم شعرت بالعجز.. وأنا أرى نساء من دون حكم قضائي ونساء أنهين مدة العقوبة وبقين في السجن، لأن ولي أمرهن (الرجل)، رفض استلامهن، وكم تمنيت المال في ذلك الحين أن يكون في يدي لأصنع لهن دارا رسمية فيها كل الخدمات التي يستحقها الإنسان المكرم المحترم في كل الشرائع والأنظمة الوضعية على حد سواء. كل ما قدرت عليه أنني اتصلت بأحدى النساء ذوات الأيادي البيضاء والأعمال الخيرية لتساعدهن، لكنها لم تساعدهن. إنه في استطاعتي الآن أن أتابع أخبارهن، ويسعدني ما أسمع من أخبار جيدة نسبياً عنهن، لكني أشعر بالعجز عندما أشعر أنهن يستحققن أكثر من هذا ولا أستطيع أن أوفره لهن.
كم اشعر بالعجز عندما أزور معاقا صار معاقا بسبب شوارع الرياض التي لم يدخل في قاموسها شيء اسمه “النظام”، واحترام نظام المرور وإشاراته.. أو عندما يشكو لي أحدهم من فقده بعض أطرافه وحاجته لأمر العلاج في الخارج، فلا استطيع أن أفعل له شيئا.
(قاتل هو الشعور بالعجز ومتعب، لكنني عندما أتذكر أنني لست وحدي، وأن هناك الكثير.. الكثير من النساء والرجال في هذا العالم من كل الأجناس والأعراق من الذين تقض مضاجعهم كل هذه الصور المتعبة والأصوات المؤرقة التي تزعجني، ويتألمون منها أكثر من ألمي، ويقدمون للناس أكثر بكثير مما أقدم..
أولئك العظماء الذين جعلوا هم الآخر هو همهم وبلوى الآخر هي بلواهم. كل أولئك الناس الطيبين الذين يستطيعون أن يخرجوا من شرنقة الأنانية ليشعروا بالآخر المحتاج، أو المريض، أو كل من يعاني معاناة ما فيمدوا له يد العون، كل بما يستطيع، فهذا بماله، وذاك بجهده، والآخر بحسن تدبيره. فقط عندها، عندما أتذكر هذا، يذهب من نفسي الشعور بالعجز والألم، وتستبدله نفسي ببحر غامر من الأمل وتستبشر نفسي بصباح مشرق جديد.
“أوان” الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى