الملاهي الليلية في سوريا
عصام خوري
بينت أزمة ارتفاع أسعار العقارات السورية عدة نقاط حرجة في حياة الشباب السوري، مبرزه أمراضا تهدد بتفكيك قيم المجتمع الطوباوية التي ربينا عليها.
الملاهي الليلية:
ازدادت الملاهي الليلية في محافظة اللاذقية كمثال من ثلاثة ملاهي عام 2000 ليصل الرقم حسب معرفتي المتواضعة إلى 17 ملهى ليلي هذا العام “وربما يكون هذا الرقم أقل من العدد الفعلي” أي بزيادة تصل إلى نسبة “17.6%”.
وتعد نسبة الزيادة سالفة الذكر نسبة كبيرة الشأن، خاصة إن قارناها مع نسبة افتتاح متاجر جديدة في أسواق مدينة اللاذقية وجبلة، والتي شهدت تراجعا هذا العام مع موجة غلاء الأسعار لتصل إلى “-0.5%”.
ولعل المراقب للحركة التجارية في الأسواق يلاحظ مدى تدنيها، والأمر نراه أيضا بالنسبة لفئة الحرفيين، الذين يعانون من قلة الأعمار وانعكاسه على أرزاقهم.
لعل الكبت الجنسي، ونزعة الذكورة في مجتمعات الشرق ومنها سوريا، وعجز الشباب عن تأمين استقرار شريف، بالإضافة لسياسة ثقافة الاستهلاك في الأسواق وفي التلفاز وفي المؤسسات العلمية… جميعها عوامل تدفع الشباب نحو هذه الملاهي، حيث يدفعون أغلب مدخراتهم المالية، طمعا بابتسامة، أو لمسة من هذه أو تلك، والغاية طبعا الحصول على رقم هذه الراقصة لهدف مواعدتها في يوم تالي…
غياب الخجل:
إن أغلب الراقصات في بدايات تأسيس هذه الملاهي كنَّ من جنسيات “مغاربية وسلايفة وعراقية”، إلا أن البارز هذا العام هو اقتحام السوريات لهذا القطاع، وبغياب التعريف عن أسماؤهن الحقيقية، خوفا على سمعة أهاليهم. وتأتي غالبية العلاقات معهن عن طريق قوادين متعاقدين مع هذه الملاهي وأحيانا يكونون القوادين أنفسهم أصحاب هذه الملاهي. ونتيجة الزبائن المميزين ماديين قد يسهل هذا القواد أمورا إدارية عالقة وكل معاملة بسعرها الخاص.
كان الدخول إلى هذه الملاهي نقطة خجل وحرج عند البعض، لكن اليوم عدم دخولها نقطة أسف من قبل الشباب على الصديق المتخلف عنها.
ومن اللافت للنظر مدى تفاوت الطبقات الاجتماعية المرتادة لهذه الملاهي، فروادها عموم طبقات المجتمع “من الأثرياء، حتى سائقي السيارات”.
وعندما تتجول الراقصات في الشوارع، قد تجد عددا كبيرا من المارة يعرفونهن، ويتباهون بعلاقتهم معهن. والتسمية العامة لهذه الراقصات “فنانات” تهذيبا للفن المبتذل اللاتي يؤدنهن.
ماذا يحدث داخل الملهى؟
من الممكن تسمية الملهى الليلي ببيت المال الجديد، ففي كل ليلة مئات الآلاف تصرف على الطاولات الفقيرة المحتوى.
حيث تقدم هذه الملاهي مشروبا روحيا شعبيا “العرق أو البيرة” للمرتاد بالإضافة لصحن صغير من الموالح والمكسرات، وصحن كبير من الفاكهة، على أن يدفع كل مرتاد في هذه الطاولة مبلغ لا يقل عن 500ليرة سورية، ويتفاوت هذا الرقم بين ملهى وآخر. وبعد هذا الرقم يأتي دور الراقصات الذين يرقصن بقرب من المرتاد وفي حال لم يقدم لهن مبلغ مالي وبشكل دوري يتركنه نحو مرتاد أغنى ويقدر جمال أجسادهم المعروضة بسخاء لبعض اللمسات. وترقص الراقصات على صوت مطربين شعبيين غير معروفين.
وقد ترى أحد رواد هذه الملاهي يقدم مبالغ فلكية في حال سعادته من فتاة أو أخرى. لذا قد تجد في كل ملهى فتاة مخصصة لزبون دائم يقدمها القواد له كل مساء، ودائما يجب ان تكون طاولته مميزة، وفي حال رغب زبون آخر الحصول عليها فعلية دفع مبالغ تفوق مبلغ الزبون القديم. ساهمت هذه السياسة في تعزيز نسب زيادة هذه النوادي على نسب المطاعم المحترمة، لتتفوق اقتصاديا على كل القطاعات الإنتاجية والتجارية في سوريا، ويلاحظ مؤخرا تحول عدد كبير من المطاعم المعروفة لسياسة هذه النوادي.
فتزايد توزع النوادي الليلية في غالبية ضواحي مدن سوريا، وبات بعضها متخصص ببرامج رقصات غربية لفرق روسية او أوكرانية محددة كما في دمشق…
اين تقيم الراقصات:
يسعى دائما القوادين لاعتماد فنادق من الدرجة الثانية والثالثة لإقامة فتياتهم، أو يسعون لاستئجار شقق تقيم فيها عدة فتيات، على أن يراقبونهم بصيغ متواصلة.
في حال الفنادق يشترط القواد على صاحب الفندق عدم السماح لأي مواطن النزول في الفندق باستثناء فتياته، أما في حالة الشقق فإن القوادين يسعون دائما لعدم الإعلان عن هذا المنزل، كي لا تحدث مشاحنات بينه وبين جيرته، ولطالما حدثت هذه المشاجرات.
ويلاحظ على هذه المنازل أنها مخصصة فقط لنوم الفتيات بعد برنامجهم، أما أية ممارسات اخرى فتتم في أماكن أخرى لا يدري بها سوى القواد أو صاحب المال.
أين الرقيب:
إن وجود ملاهي ليلية هو أمر طبيعي في كل المجتمعات، لكن التعاطي في سوريا مع هذه الملاهي بات ظاهرة فريدة، فالمال بات يصب على هذه الملاهي، بصيغة غير منطقية. مما يبين خللا في النسيج الاجتماعي والاقتصادي السوري، وهذا الامر يتشابه مع ظواهر انحلال الاشتراكية في دول حلف وارسو، التي تشهد حاليا تجارة جنس تغزو أوروبا كلها ودول الخليج العربي باستثناء المملكة العربية السعودية والكويت واليمن.
ومع غياب التعاطي الإصلاحي مع هذا المرض الاجتماعي من قبل الحكومة، يلاحظ غياب الإحصاء الدقيق عن حالات الايدز في سوريا حيث صرح مدير الصحة في محافظة إدلب السيد بهيج الدويري أن “عدد الإصابات بفيروس الايدز في سوريا يراوح بين ألف و1500 إصابة بحسب تقديرات البرنامج الوطني لمكافحة الايدز”. ” المصدر: جريدة تشرين نشر يوم: 07/12/2006″
ويأتي هذا التصريح ليبين مدى جهل القطاع الحكومي بالإحصائيات الدقيقة، وتفاوتها بين “الالف والخمسة عشر ألف!!…” وهذا ناجم عن غياب مراقبة دورية وطبية للعاملات في هذه المراقص، ودور الدعارة الغير مرخصة “المعروفة بالنسبة للجهات الأمنية السورية المختصة”، حيث تأتي الرقابة الصحية في الدول الأوروبية بضرورة وجود دفتر صحة للعاملات في هذا القطاع على أن يتم مراجعتهم كل ثلاثة أسابيع، وإلا تسحب تراخيص عملهم، وقد تغلق الخانات التي يعملن بها.
طبعا غياب وجود دفاتر صحة في سوريا ناجم عن غياب وجود قانون خاص للعاملات في هذا القطاع، والتعامل معهم على أساس فنانات نزيهات.
ورغم بروز هذا المسبب الواضح بالنسبة للحكومة، فإن الحكومة تتغاضى عن التعاطي مع هذا الملف، وتسمح بنشر إعلانات توعية تهدد من أمراض السيدا “الايدز”، ليتشابه تعاطيها مع هذا الملف، مع تعاطي مؤسسة التبغ في منتجاتها التي تكتب عليها عبارة “التدخين يضر بالصحة ويسبب أمراض السرطان!!”.