خبراء ماليون لـ»السفير«: الخطة تؤجل الكارثة لكن الركود الأميركي آتٍ
دولة بوش تعلن »تأميم« أزمة اقتصادها
تخطت خطة الرئيس الأميركي جورج بوش لإنقاذ القطاع المالي آخر العقبات مع إقرارها، أمس، في مجلس النواب بغالبية كبيرة، في خطوة تاريخية، يأمل الأميركيون في أن تساعد على إبعاد شبح الانهيار الذي يحوم فوق اقتصادهم، فيما رأى عدد من الخبراء الاقتصاديين، الذين استطلعت »السفير« آراءهم، أنّ إقرار الخطة لا يقدم حلاً جذرياً للأزمة التي عصفت ببورصة »وول ستريت«، مشددين على ان الركود آت حتما.
وفي خطوة وصفها البعض بأنها تشبه سياسات دول نامية تعتمد انماطا اشتراكية في ادارة اقتصادياتها، وكانت تعتبرها الولايات المتحدة دائما معادية للرأسمالية، أقرّ النواب الأميركيون »قانون دعم الاقتصاد المالي العاجل ٢٠٠٨«، وهي الخطة التي اقترحها وزير الخزانة هنري بولسون، والتي تبلغ كلفتها ٧٠٠ مليار دولار، بغالبية ٢٦٣ صوتاً في مقابل ،١٧١ فيما سارع الرئيس الأميركي جورج بوش إلى التوقيع على القانون ونشره، لاطلاق اكبر تدخل من قبل الدولة في توجيه الاقتصاد الاميركي منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
وكان مجلس الشيوخ قد وافق على الخطة، الأربعاء الماضي، بغالبية ٧٤ صوتا في مقابل ٢٥ صوتاً، وذلك بعد إدخال تعديلات طفيفة عليها، في أعقاب سقوطها المدوّي في مجلس النواب الاثنين، وذلك بإضافة بندين يتعلقان برفع سقف الضمانات للمودعين من مئة ألف دولار إلى ٢٥٠ ألف دولار، وإقرار إعفاءات ضريبية بحوالى مئة مليار دولار للطبقة الوسطى والشركات.
والخطة التي تعتبر اكبر تدخل حكومي في الأسواق منذ الكساد الكبير في الثلاثينات، تسمح لوزير الخزانة باستخدام مبلغ ٢٥٠ مليار دولار فوراً من الميزانية الفدرالية لشراء الأصول المالية المنهارة، يضاف إليه مبلغ ١٠٠ مليار دولار بقرار من الرئيس الأميركي، أما مبلغ ٣٥٠ مليارا المتبقي فيمكن اعتماده وفق ما يراه الكونغرس مناسباً.
وفور إقرار مجلس النواب للخطة، توجه بوش بالشكر إلى نواب الحزبين الديموقراطي والجمهوري، معتبراً أنه »بإقرارنا هذا التشريع، نكون قد اتخذنا خطوة شجاعة لمنع الأزمة في وول ستريت من أن تتحول إلى أزمة تصيب مجتمعنا«. وأضاف »لقد أظهرنا للعالم أن الولايات المتحدة ستعمل على استقرار أسواقها المالية وستحافظ على دورها القيادي في الاقتصاد العالمي«.
بدوره، تعهد بولسون بالتحرك سريعاً لتطبيق الخطة، فيما أشاد رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي بن برنانكي بإقرارها، واصفاً ذلك بـأنه »خطوة حاسمة باتجاه تعزيز استقرار الأسواق المالية وإعادة الثقة بعمليات الإقراض«.
من جهته، دعا المرشح الديموقراطي للرئاسة الأميركية باراك أوباما بوش إلى »التعامل مع هذا التفويض بحكمة«، مشدداً على أهمية التأكد من أنّ وزير الخزانة والمسؤولين الآخرين »ينسقون شراء هذه الأصول بطريقة تحمي دافعي الضرائب«، فيما شدد منافسه الجمهوري جون ماكين على أن خطة الإنقاذ يجب أن »تساعد الطبقات المتوسطة وليس وول ستريت«.
أمّا رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي فقالت إنّ »أنظارنا تتجه الآن إلى المستقبل حيث سيسطع نور المحاسبة إزاء ما قد يستجد من تطورات في أسواقنا المالية لكي لا يتكرر ما حصل«، مشيرة إلى أن الأسواق المالية »تركت من دون رقابة وتنظيم، وهذا ما أدى إلى إشاعة الفوضى«.
وكان قادة الكونغرس قد عملوا خلال الأيام الماضية لحشد التأييد اللازم للخطة خوفا من تداعيات رفضها على الاقتصاد. لكن بعض المشرعين شكوا من أنّ الخطة ستساعد المصارف الكبيرة، في حين أنها لا توفر ضمانات لأصحاب المنازل المتعثرين، إضافة إلى أنها ستمنح سلطات كاسحة لوزير الخزانة.
وفي هذا الإطار، قال النائب الديموقراطي بيتر ديفازيو إنّ هذا القانون »سيمنح سلطة غير مسبوقة، ولا يمكن تصورها، لهنري بولسون، وهو مضارب في وول ستريت صنع أسلحة الدمار الشامل المالية، ويقول الآن إنه يعرف كيف يفككها«.
لكن آخرين، أكدوا أنّ الخطة ضرورية للحيلولة دون التسبب في كارثة مالية محتملة، حيث اعتبر النائب الجمهوري زاك وامب، الذي كان قد رفض الخطة قبل أن يعود عن قراره، أنّ »خياراتنا نفدت وظهورنا إلى الحائط«.
وقال ١٣ من النواب الديموقراطيين وستة من الجمهوريين، إنهم غيروا مواقفهم الرافضة للخطة، تجنباً لوقوع كارثة اقتصادية، فيما كشف نواب سود أن اتصالات شخصية أجراها
معهم أوباما دفعتهم إلى تغيير موقفهم، في حين قال آخرون إن موافقتهم على الخطة جاءت استجابة لمناشدات من قبل أصحاب الشركات الصغيرة التي تعيش على الإقراض، فضلاً عن إضافة البند المتعلق بالإعفاءات الضريبية.
خبراء لـ»السفير«
وتعليقاً على إقرار مجلسي الكونغرس لهذه الخطة، قال مدير شؤون الاقتصاد العالمي في »معهد العلاقات الخارجية« (سي أف آر) بين ستايل لـ»السفير« إن »التعديلات التي أضيفت على الخطة هي في الأساس تخفيضات ضريبية لا ترتبط بخطة الإنقاذ، حيث إنّ الهدف منها كان جعل القرار مقبولاً بالنسبة للنواب والشيوخ المستائين«، موضحاً أنّ »جوهر القرار المعدّل لا يزال القرار ذاته الذي فشل في الحصول على مصادقة مجلس النواب الاثنين الماضي«.
بدوره، قال المحلل الاقتصادي في معهد »كاتو« الأميركي للدراسات دان ميتشيل لـ»السفير« إنّ »الهدف الوحيد للتعديلات التي أدخلت على الخطة، كان رشوة بعض أعضاء الكونغرس للتصويت على القرار«، معتبراً أنّ »الفلسفة الوحيدة التي يؤمن بها السياسيون هي أن يعاد انتخابهم، ولذا فإن ذلك لا يمثل تغييراً في مقاربتهم. ومع ذلك فإنها تمثل اتساعاً جديداً وخطيراً في صلاحيات الحكومة«.
ورأى ستايل إنّ القانون »يمثل تأميماً ضخماً للأزمة المالية في القطاع الخاص، وهو أمر لطالما نددت به الولايات المتحدة، عندما تقوم به الدول النامية«، مشيراً إلى أنه »في أفضل الأحوال، فإنّ الخطة ستساعد على درء انهيار كارثي في أسواق القروض، أمّا الركود الاقتصادي فهو أمر لا مفر منه«. وقد وافقه ميتشيل في هذا الرأي حيث اعتبر أنّ »خطة الإنقاذ ستزيد احتمالات الركود، لأنها تعيد الخطأ الذي اقترفته اليابان في التسعينيات عندما حاولت دعم أسعار الأصول لإنقاذ المؤسسات المفلسة«.
وحول التداعيات السياسية لما حدث، أوضح ستايل أنّ الأزمة »تمنح حملة أوباما قوة دفع، في حين أنها تقوّض سمعة الحزب الجمهوري في ما يتعلق بالكفاءة الاقتصادية«، فيما أكد ميتشيل أنّ »ماكين هو الخاسر في هذه المباراة، وربما أزال دعمه لخطة الإنقاذ كل فرصة لنصر جمهوري«.
أمّا الاقتصادي السابق في بورصة نيويورك روجر كوبارتش فأوضح لـ»السفير« إن »التغييرات التي أدخلت لا معنى لها. ولكن ذلك لا يعني أن خطة بولسون هي أفضل مقاربة لحل الأزمة المالية«. وأضاف أنها »تنهي عهد الرأسمالية المالية المطلقة التي أقرها نظام (الرئيس الأسبق رونالد) ريغان ـ (الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفدرالي آلان) غرينسبان«
وتابع »نحن نقبع حالياً في حالة انكماش ستستمر لنحو عام أو أكثر. ولذلك، فإن الأسعار لا تزال أسعار أسهم هشة، في وقت تستمر فيه شركات عديدة في الإعلان عن مكاسب ضئيلة. ومع ذلك، تساعد الخطة على تجنب ما هو أسوأ من الانكماش الحالي«.
ورأى كوبارتش أنّ »كل الأحداث التي شهدناها في أيلول (الخطة الحكومية لإنقاذ فاني وفريدي، وإفلاس ليمان براذرز، وإنقاذ آي إي جي، وتحذير بولسون وبرنانكي من كارثة اقتصادية، والميلودراما في مجلس النواب إزاء خطة بولسون) عززت موقع السيناتور أوباما وأضعفت موقع السيناتور ماكين«.
(»السفير«، أ ف ب، رويترز، أب)