الأزمة المالية العالمية

تريليون

ساطع نور الدين
الذين يضيعون في الارقام اذا تجاوزت الالف، يواجهون بلا شك هذه الايام مشكلة تواصل مع العالم المحيط بهم، الذي اصبح رقم التريليون من مفرداته اليومية الشائعة، بعدما كان حتى الامس القريب مجرد كلمة وهمية ليس لها اي معنى او قيمة، ولا تنطبق على المعايير الحسابية السائدة في عقول المليارات الستة او السبعة من البشر . كان قليلون يدركون ان التريليون يعادل الف مليار . وكانت النخبة وحدها تستطيع ان تربط بين هذا الرقم الخيالي وبين الدولار الاميركي لتحصل على مرتبة رفيعة في اي مجتمع.
حساب الاصفار التي يحتويها هذا الرقم كان ولا يزال يحتاج الى جهد استثنائي: ١٢ صفرا من ذلك الذي اكتشفه العرب يوما، واحدثوا من خلاله نقلة نوعية في علوم الحساب، وما زالوا يفضلونه على غيره من الارقام المكتشفة من قبل الحضارات السابقة.. اما تحويله الى معطى اقتصادي فانه لا يزال يتطلب الكثير من المعرفة والبراعة، وربما ايضا الى اتقان بعض فنون السحر.
ويبدو ان التريليون هو الان الاضافة الجديدة على قواميس لغة القرن الحادي والعشرين، بعدما احتل رقم المليار هذه المكانة في القرن العشرين، بينما اخترق القرن التاسع عشر الحاجز النفسي المتمثل بالمليون، فيما ظلت القرون السابقة تتعامل بما دون هذا الرقم الذي كان يشبه الحلم او حتى الوهم، برغم انه كان متداولا على نطاق ضيق جدا، يقتصر على دولة او اثنتين، وعلى مجموعة صغيرة جدا من علماء الحساب.. لكنه كان يخضع لما يشبه التحريم من قبل الاديان التي لا تحب في العادة علوم الحياة وتفضل علوم الغيب.
اليوم خرج التريليون من ذلك الحصار، وبات يمثل حاصل ارقام اقتصادية فعلية في معظم الدول الكبرى، لا سيما في اميركا والصين واليابان والمانيا وروسيا وغيرها.. وصار التحليق مع ذلك الرقم امرا مألوفا، الى ان حصل السقوط الاميركي الاخير، الذي اعاد للتريليون سحره الخاص، واكسب تداوله اليومي مغزى لم يكن يخطر في بال احد من علماء الحساب او الاقتصاد او حتى السياسة: كان الرقم عنوان عظمة اميركا، فاصبح الان مؤشرا لافول تلك الامبراطورية التي لا تغيب الشمس عن قواعدها العسكرية ولا تشرق الا على بعض انجازاتها العلمية.
الازمة المالية الراهنة في اميركا ليست مفهومة تماما بالنسبة الى العامة، بالرغم من الادعاءات الكثيرة بانها واضحة وسهلة جدا. لكن اللجوء الى رقم التريليون يمكن ان يقربها من الاذهان : خسر الاقتصاد الاميركي حتى الان ثلاثة تريليونات دولار من حجمه الاجمالي البالغ ١٢ تريليونا. وهذا الرقم مرشح للارتفاع الى ستة تريليونات خلال اقل من عام من الان.. اما كيف ولماذا ومن المسؤول ومن سيدفع الثمن، فان الاجوبة تدخل في باب التبصير، الذي يجعل البشرية كلها تتمنى لو ان هذا الرقم ظل وهميا، وترجو ان يتم سقوط الامبراطورية الاميركية مختلفا عن ظهورها الذي استدعى حربين عالميتين وبضع حروب اقليمية راح ضحيتها ملايين البشر.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى