الأزمة المالية العالمية

الرأسمالية أفلست ؟

سميح صعب
بعد أكثر من شهر على انفجار الأزمة المالية في الولايات المتحدة وامتدادها الى اوروبا وآسيا والخليج، يبدو ان المعالجات المتخذة حتى الآن لم تفلح في اعادة الامور الى ما كانت عليه قبل 15 ايلول او ما بات يعرف بـ”الاثنين الاسود”. وبدأت المخاوف تبرز أكثر فأكثر من اتجاه العالم، وليس الولايات المتحدة فقط، نحو فترة من الكساد تصيب أسس الاقتصاد وليس النظام المالي فحسب.
المضاعفات التي تركتها الازمة المالية، حملت الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني غوردن براون على رفع الصوت والمطالبة بنظام مالي عالمي جديد يعيد النظر في الآليات التي اعتمدها النظام الرأسمالي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. ليس هذا فحسب، بل كانت للرجلين الجرأة كي يحملا واشنطن مسؤولية الازمة المالية التي اصابت العالم، ومن ثم الدعوة مدعومين من انغيلا ميركل الى قمة عالمية للبحث في الخروج من الازمة.
وعندما يتوجه زعماء العالم، وفي مقدمهم قادة الدول الصناعية الثماني الكبرى، للبحث في نظام جديد، فإن هذا يعني افلاس النظام القديم وسقوط فكرة ان السوق قادرة على اصلاح نفسها بنفسها ولو كان في مقدور السوق اصلاح نفسها بنفسها لما وافق جورج بوش على تقديم مساهمات حكومية في تسعة من اكبر عشرة مصارف اميركية وإن اسبغ على ذلك صفة الموقت. فماذا عساه كان سيقول رونالد ريغن لو كان حياً عن خطة الانقاذ المالي التي تطيح ليبراليته الاقتصادية المتفلتة من أية قيود؟ وفي بريطانيا ها هو براون يمحو مرحلة تاتشر التي انتهت الى ما انتهت اليه الليبرالية الاقتصادية المطلقة لريغان.
والارباك الذي يواجهه الاميركيون في المعالجة وعمق الازمة جعل ساركوزي وبراون في الواجهة: براون وضع أسس الانقاذ المالي الاوروبي، وأيده ساركوزي ومن ثم دول منطقة الاورو ومن بعدها الدول الـ27 الاعضاء في الاتحاد الاوروبي. ولأن المشكلة بهذا الحجم، فلم يعد في وسع الولايات المتحدة ان ترفض الاخذ بالاقتراحات الاوروبية.
وقد افسحت الدينامية الاوروبية، بخلاف التخبط الاميركي، في بروز تعددية مالية عالمياً فلم تعد اميركا القطب المالي المهيمن الان على العالم، كما اسقط التدخل الروسي في جورجيا الاحادية العسكرية الاميركية التي سادت منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.
اميركا تستيقظ هذه الايام على حقائق جديدة في العالم تبدأ بانهيار اقتصاد السوق وفق التعريف الاميركي. وستكون القاعدة الاولى في اسس النظام المالي الجديد الاشراف على المؤسسات المالية وفق ما قال ساركوزي. والاشراف هنا يعود الى الدولة عدوة الليبرالية الاقتصادية المطلقة.
إذن، كما في السياسة كذلك في الاقتصاد، يتجه العالم على انقاض النظام المالي المتبع في الغرب نحو تعددية اقتصادية تأخذ في الاعتبار مكانة الدول الناشئة من آسيا الى الخليج. وطبعاً تضطلع اوروبا هنا بدور ريادي، فيما الولايات المتحدة في حاجة الى وقت كي تتعافى من خسائرها ومن الهزات الارتدادية لزلزال وول ستريت.
ولم يعد مفيداً البحث عن الاسباب التي أدت الى الانهيار المالي، مثل الطمع او سوء التقدير، او الفساد، او المبالغة في الثقة بالنفس، إنما المطلوب اليوم الاستفادة من الاخطاء والاتجاه نحو معالجة جريئة تعيد الاعتبار الى دور الدولة، ضامناً اساسياً لحقوق كل الناس قبل ان تضمنها الشركات. والدليل على انه لا تزال هناك حاجة الى الدولة، ان الانظار اتجهت الى الحكومات في لحظة الحقيقة المالية. اذ ان الشركات العملاقة لم تثبت انها عملاقة عند الاستحقاق الجدي.
في النهاية على الولايات المتحدة ان تتقبل الواقع الجديد للعالم بعدما أفلست سياسياًومالياً.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى