الأزمة المالية العالمية

بـطـالـة وإلـغـاء عـقـود تـسـلـح، الوصفة الأشد سوءاً على إسرائيل: أزمـة مالية ترافق تحديات أمنية

حلمي موسى
خلافا لما يطفو على السطح، بدأت إسرائيل تعاني من نتائج الأزمة المالية العالمية. وليست صدفة أزمة الشركات الإسرائيلية مع العمال الصينيين، في أرخبيل »توركز وكايكوس« التابع للنفوذ البريطاني في شمالي الأطلسي.
والمؤكد أن هذه هي حال الكثير من الشركات الإسرائيلية خارج تلك الجزر، وفي مناطق مختلفة في العالم، وهو ما دفع كبير المعلقين السياسيين في صحيفة »يديعوت أحرونوت« ناحوم بارنيع أمس لأن يكتب أن »الازمة الاقتصادية العالمية تؤثر على الاسرائيليين بطرق مختلفة وغريبة: ولكن ليست كلها مسجلة في البورصة. خذوا مثلاً سوق التبرعات ـ مؤسسات اصولية كثيرة تتحدث عن تقلص فجائي في المساعدات وبصورة موجعة والنتيجة هي إلحاق الضرر بما اعتادوا تسميته »عالم التوراة«.
ويشير بارنيع إلى جدل حاد بين رئيسة الحكومة المكلفة تسيبي ليفني ووزير ماليتها روني بار ـ أون حول تنازلاتها المالية في إطار المفاوضات الائتلافية. وأوضح أن بار ـ أون يؤكد
لليفني من الآن »أنه لا يملك ما تريد. فجباية الضرائب انخفضت بسبب الركود. والبورصة كانت تمد الخزينة بخمسة مليارات شيكل. السوق في هذه السنة لن تربح ولن تدفع الضرائب. ينبغي الاستعداد للركود«.
ولكن الاقتصاد في إسرائيل ليس مجرد اقتصاد، إنه الأمن من ناحية وهو جاذبية البقاء في هذه الدولة من ناحية أخرى. وكثيرا ما أدى تدهور الأمن دورا في ارتفاع نسبة الهجرة المضادة، مثلما أن أسبابا اقتصادية تشجع في العادة على الهجرة نحو مناطق أكثر رخاء. ومن المؤكد أن لا وصفة أشد سوءا على إسرائيل من تدهور الأمن وتردي الوضع الاقتصادي دفعة واحدة.
وهنا أهمية لهذين الخبرين:
١ ـ في ضوء الأزمة المالية تساءل المراسل العسكري في »معاريف« أمير بوحبوط عما إذا كانت قد نشأت تصدعات في مشروع شراء طائرات »أف ـ ٣٥« من الولايات المتحدة. وأشار إلى ان أولى النذر السيئة في هذا السياق جاءت من إيطاليا (أحد ثمانية شركاء في مشروع انتاج الطائرة)، حيث تقرر عدم شراء طائرتين للاختبار. ويعتبر شراء طائرات الاختبار مقدمة لشراء الطائرات الحربية. كما أن صحيفة »التايمز« اللندنية كتبت أن الحكومة البريطانية تدرس أمر تعليق الشراكة في مشروع انتاج هذه الطائرة.
ونقلت »معاريف« عن مصدر أمني رفيع المستوى أن »إسرائيل لم تتعهد بشراء أي طائرة متملصة من الرادار. وفي ضوء موافقة البنتاغون على السماح لنا مبدئيا بشراء الطائرة، عززنا الطاقم الذي يفحص الطائرة ويتباحث مع الأميركيين في التحسينات التي نريد إدخالها عليها. ليس ثمة قرار ناجز. إننا نراقب التطورات، ونحن هنا كما الآخرون نتأثر بالركود. ومن البديهي أن الوضع الاقتصادي سيؤثر على القرار عما إذا كنا سنشتري الطائرة والأعداد التي نريد. ومعلوم أنه بقدر ما يقل بيع هذه الطائرات، فإن سعرها يرتفع ولا يمكننا تجاهل ذلك«.
٢ ـ اعتبر المراسلون الاقتصاديون للصحف الإسرائيلية أنه بعيدا عن البورصات، فإن كرة الثلج التي تدحرجت بفعل الأزمة المالية العالمية تهدد مصير الآلاف من العائلات الإسرائيلية. وتتحدث التقديرات الرسمية عن أن الركود وتراجع الاستهلاك سيقود إلى دفع عشرات الآلاف من الإسرائيليين إلى براثن البطالة. والحديث يدور عن العمال في العديد من القطاعات وفي مقدمها الصناعة والتجارة والسياحة.
وبحسب هذه التقديرات، من المتوقع أن تزداد البطالة بنسبة لا تقل عن ٣٠ في المئة في العام المقبل، بحيث يندفع حوالى ٥٥ ألف مستخدم إلى دائرة البطالة. وعليه فإن البطالة، التي بلغت أدنى نسبة لها العام الماضي وكانت بحدود ٦ في المئة، سترتفع إلى ٨ في المئة حتى مطلع العام .٢٠١٠
تجدر الإشارة إلى أن وزارة المالية الإسرائيلية قلصت مؤخرا توقعاتها لنسبة النمو في العام المقبل، من ٣,٥ إلى ٢ في المئة. وثمة من يعتقد أن نسبة النمو الفعلية ستكون أقل من ذلك ولن تزيد عن ١,٧ في المئة، بعدما كانت في العام ٢٠٠٨ في حدود ٣,٥ في المئة و٥,٤ في المئة في العام .٢٠٠٧ وإذا كان لهذه الأرقام من معنى، فهو تراجع القدرة الشرائية وتسجيل نمو فعلي سلبي أو صفر.
شتاء ساخن
وتتوقع إسرائيل شتاءً ساخناً مع قطاع غزة، في مطلع العام المقبل. وأكد المراسل العسكري لصحيفة »هآرتس« عاموس هارئيل أن القلق ينتاب الجيش الإسرائيلي جراء الأزمة المالية وأثرها على الميزانية الأمنية. وأشار إلى أن الجيش لم يهضم بعد معاني الأزمة الراهنة. ولكن من الجلي أن »الركود العالمي، الذي سينزلق الى اسرائيل، سيؤثر اخيرا على ميزانية الدفاع ايضا… وقبل شهرين فقط اشتكوا في الجيش ولا سيما في سلاح الجو، من تصاعد هائل في النفقات الجارية، في ضوء ارتفاع الاسعار ولا سيما في مجال الوقود. اما الآن، عندما انخفض سعر برميل النفط من ذروة ١٣٠ دولارا للبرميل الى درك اسفل نسبيا لاقل من ٩٠ دولارا، فيدور الحديث عن وجع رأس اقل ينبغي التصدي له«.
ويرى هارئيل أنه »حين يلمّح محافظ بنك اسرائيل ستانلي فيشر في المقابلات الصحافية إلى وجوب اجراء تعديلات على ميزانية الدولة للعام ،٢٠٠٩ فإن المؤسسة الأمنية تدخل في حالة تأهب امتصاصية. الامن هو البند الاكبر في الميزانية والتعديلات ذات الاهمية معناها اغلب الظن، التقليص في هذه الميزانية ايضا. الجولة السابقة في هذا الشأن، برغم الضجيج الاعلامي الذي اثارته وزارة المالية، انتهى قبل نحو شهرين من دون اضرار حقيقية لجهاز الامن«.
ويتحدث هارئيل عن احتمالات العودة في إسرائيل »للصدام: بحث متجدد في الميزانية، الى جانب احتمال اشتعال عسكري. لقد بات ممكنا منذ الآن التقدير بأنه في مثل هذه الحالة سيُتهم جهاز الامن مرة اخرى بتضخيم الخطر العسكري لغرض معارك الميزانية«.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى