صفحات العالمما يحدث في لبنان

لبنان في دائرة المشهد الإقليمي الغامض

سليمان تقي الدين
فاجأ الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد جميع الأوساط بقراره المشاركة في افتتاح الجامعة السعودية في جدّة بعد أن أظهر المسؤولون السوريون عبثاً على المملكة لعدم تنفيذ الاتفاق الذي تم في دمشق مع الأمير عبد العزيز نجل الملك السعودي حول تسهيل مهمة تشكيل الحكومة اللبنانية.
في المعلومات المؤكدة أن وزير خارجية تركيا زار دمشق على وجه السرعة ونصح بإتمام الزيارة لأن تعقيدات الأزمة الإقليمية إلى تصاعد مما قد ينعكس سلباً على عموم المصالح العربية وربما تحصل توترات أمنية هنا أو هناك ومن بينها لبنان، سوريا، والمملكة تحتاجان إلى التعاون والتفاهم لأنهما مستهدفتان. لقد أصبح الوضع اللبناني بنزاعاته المذهبية مصدر تأثير في مناخ العلاقات العربية. أما الوضع في العراق فيجب أن تتقاطع فيه المصلحة السورية والسعودية. أما الموضوع الأخطر فكان تركيز الانتباه على انسداد آفاق التسوية السياسية مع الكيان الصهيوني وحكومته العنصرية المتطرفة. تركيا التي قامت بالوساطة بين سوريا والكيان أكثر معرفة بمدى الجدية للتفاوض واحتمال التقدم على المسارات العربية مع سوريا ولبنان وفلسطين. بل إن ما بات يقلق جميع أطراف المنطقة مشروع “يهودية الدولة” وما ينطوي عليه من أبعاد ودلالات. وهو شعار لم يطرح لتحسين شروط التفاوض أو رفع سقف المطالب بل تجري ترجمته عملياً عبر التهويد الجارف لمدينة القدس ولأجزاء واسعة من الضفة الغربية والنشاط المحموم لحركة الاستيطان والمستعمرات. كما أن فكرة حل الدولتين لم تخرج في أدبيات حكومة الدولة العبرية عن “إدارات محلية” لا تملك أياً من مقومات السيادة. أما موضوع اللاجئين فقد طوته الحكومة العبرية ومعه تتخذ الإجراءات السياسية والقانونية التي تضع عرب 1948 بين خياري الاندماج والتسليم بيهودية الدولة وامتيازاتها وبين الهجرة أو التهجير. لم تكن سوريا والمملكة السعودية خارج هذا التقدير للموقف سيّما وأن الرئيس الأمريكي بدأ بقلب معادلة الشروط بالحديث عن تقصير العرب في أخذ المبادرات لملاقاة نتنياهو لحظة يؤكد هذا الأخير رفضه لوقف الاستيطان.
في حصيلة المشهد الإقليمي، هناك توافق يتجدد بين أمريكا والكيان الصهيوني، بل هناك سعي أمريكي لدعم هذا الكيان ليستعيد قوته الرادعة بعد فشل السياسة الأمريكية. أما الملف الإيراني فهو يُستخدم ضد العرب في المواجهة وفي التسوية. أمريكا ليست حريصة على عروبة العراق ووحدته. ولا هي حريصة على أمن المملكة الذي بات التوتر على حدودها يشكل مصدر عدوى، وليس لدى الأمريكيين من حلول إلاّ إدارة الأزمات وتغذيتها. لم يعد من جدوى للمنافسة على دور القيادة في وضع عربي بهذا الضعف والاهتراء. أما لبنان فليس هناك من مصالح عربية معرضة للخطر بل كل لبنان وفئاته هي في موقع الخطر.
في الحوار السوري السعودي حددت سوريا أهدافها في لبنان بثلاثة عناوين فقط هي: التنسيق في السياسة الخارجية منعاً لانصداع الموقف العربي واستفراد أطرافه. عدم البحث في سلاح المقاومة إلاّ في إطار الحل السياسي الشامل لضمان حقوق لبنان والفلسطينيين معاً. عدم استخدام لبنان لتهديد أمن سوريا، أو التحريض على الشقاق بين الشعبين.
في اللقاء السوري السعودي الأخير جرى الحوار كما أعلن في جميع الملفات الإقليمية. تجدد التفاهم على الموضوع اللبناني في صياغة توافقات لبنانية، رغم تعقيدات الموقف عبر أطراف خارجية أخرى وأطراف لبنانية تحكمها عقدة مصالحها الفئوية. تبلغ الفرقاء اللبنانيون الرسالة الإيجابية من اللقاء السوري السعودي وخفضوا من منسوب طموحاتهم بالاعتماد على النزاع بين الدولتين. لكن من الخطأ الاعتقاد أن هاتين الدولتين تستطيعان حجب المداخلات الأخرى. هناك من لم يسلّم بعد بإخراج موضوع سلاح المقاومة من التداول، وهناك من يعتقد أن أزمة المنطقة تساعده على تحسين شروط التفاوض. لقد عادت في بعض الأوساط الرهانات على حدث إقليمي يغير المعادلات. وهناك قوى محلية تعتقد أن المناوشات الأمنية في لبنان وإبقاء الساحة على توترها السياسي يستنزف رصيد المقاومة وحلفائها. البعض يذهب في الطموحات والأوهام إلى حد الرهان على قرارات دولية جديدة لمصلحته وثمة من يعتقد بإمكان توسيع مهمة ودور قوات الأمم المتحدة. يقرأ هذا الفريق الصورة بشكل جزئي. لا يحسب حساباً واقعياً للورطة الأمريكية في افغانستان والعراق، ولا يحسب حساباً للأزمة المالية العالمية وتناقضات معسكر الغرب حولها. وهناك من يعتقد بإمكانية استخدام شرعية الانتخابات النيابية غير متفّهم لعدم وحدة الأكثرية النيابية واحتمالات انقسامها، ولا يحترم الأكثريات الأخرى في طوائفها وأزمة النظام، الديمقراطي لأنه محكوم بالشراكة بين هذه الطائفيات مجتمعة. لكن الأهم من كل ذلك أن جميع القوى الطائفية لا تسلم أوراقها للدولة. هناك أزمة وطنية تتعلق بالعجز عن فصل مشروع الدولة في لبنان عن أزمات المنطقة التي لن تشهد حلولاً في الأفق المنظور.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى