الصحافة الإلكترونية.. مجال أكاديمي جديد يتطور يوما بعد يوم
في ظل تطور الإنترنت وتحولها إلى مجال منافس للإعلام التقليدي
القاهرة: محمد فتحي يونس
اجتاز وليد عادل دراسته الأكاديمية في الصحافة، وبعد فترة انتقالية غير مستقرة طرق فيها أبواب الصحف الخاصة في مصر، استقر به الحال في موقع «مباشر» الاقتصادي، ليعمل صحافيا اقتصاديا يغطي أخبار البنوك والبورصة. فرض عليه عمله الجديد تعلم مهارات لم يقابلها أثناء دراسته في جامعته الإقليمية بشمال مصر، مثل فهم المصطلحات الاقتصادية المتخصصة وكيفية التعامل مع الانترنت بشكل متعمق. ورغم ذلك يقول وليد: «في بداية عملي لم يكن هناك فرق بيني وبين الصحافي الورقي الذي يعمل في مطبوعة، كنت أجمع أخبار البورصة والبنوك ثم أرسلها لمقر صحيفتي عن طريق البريد الإلكتروني وأراها منشورة على الموقع بعد ذلك، بمرور الوقت تطور الأمر وأتيحت لي فرصة الإضافة والتعديل المباشر على المادة الصحافية الموجودة على الموقع، فكان الفرق الظاهر هو إمكانية التحديث بعد فترة، ثم شعرت بالفرق الأكبر عندما كنت أغطي المظاهرات الغاضبة أمام البورصة المصرية، احتجاجا على أحداث ما عرف بالثلاثاء الأسود (وهو اليوم الذي انهارت فيه الأسهم بشكل كبير منذ عامين) وقتها صورت ما حدث بكاميرا «الموبايل» ونشرته بجوار التقرير، فكانت التغطية ثرية ومميزة، فالفيديو يتيح رؤية الحقيقة كما هي، والمحرر الإلكتروني هو الأقرب لها».
وليد لم يكن وحده من بين الشباب الصحافيين الذين يواجهون تحديات ثورتي المعلومات والاتصالات، واشتعال المنافسة بسببهما، فالثورتان وضعتا جميع الصحافيين أمام تحد حقيقي شعاره «حاول أن تحجز مكانا في المستقبل بالتحول إلى صحافي إلكتروني». لكن ماذا يعني أن تكون محررا إلكترونيا..؟
يقول الدكتور محمود خليل، المشرف على شعبة الصحافة الإلكترونية بكلية الإعلام جامعة القاهرة: «أدركنا منذ سنوات أن الحدود بين أقسام الإعلام بدأت تختفي، فقدمنا مشروعا لإنشاء شعبة للصحافة الإلكترونية تجسد ذوبان تلك الحدود وتنتج خريجا عصريا يتسلح بالمهارات الجديدة لصحافي الحاضر والمستقبل، وتمت الموافقة على المشروع قبل بدء العام الحالي بساعات».
وبحسب خليل فإن الصحافي الإلكتروني المنتظر هو الصحافي الشامل الذي يقدم إنتاجا إذاعيا وتلفزيونيا ومكتوبا ينشر عبر وسيلة إلكترونية.
ويقول: يتصور البعض خطأ أن الفرق بين الصحافي الإلكتروني وغيره هو سطح القراءة، فهناك فوارق أخرى فالنص الإلكتروني مفتوح ومن الممكن أن يمتد ليضفي معلومات تاريخية وعلمية ويخدم الحدث عبر كل فروع المعرفة وفق رؤية الصحافي، فهو نص نشيط ومتفاعل طوال الوقت، أما المطبوع فمغلق ينتهي بنهاية آخر كلمة في التقرير، كما أن النص الإلكتروني يدعم بمواد بصرية وسمعية، بل من الممكن مثلا استخدام برنامج «غوغل إيرث» لتدعيم تقرير عن مكان معين فيراه القارئ أمامه رؤية العين».
وبحسب خليل فإن تكوين الصحافي الإلكتروني يتطلب القفز على المفهوم التقليدي للصحافي صاحب القلم «فلا ننسى أن أشهر سبق خلال السنة الماضية كان تصوير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لحظة إعدامه بكاميرا موبايل، فالصحافي لا بد أن يستجيب لطبيعة التحول الذي تفرضه ثورة المعلومات».
وأشار خليل إلى أن هناك أحداثا عديدة وكوارث صورت بنفس طريقة تصوير صدام حسين، ككارثة انهيارات «الدويقة» في شرق القاهرة وغرق العبارة المصرية في البحر الأحمر وبعض جرائم التعذيب والرشوة.
لا تقتصر التغيرات التي ستدخلها الصحافة الإلكترونية على ما سبق، فبحسب خليل ستمتد أيضا إلى أسلوب العرض وشكل النص الإلكتروني وكما أجبرت ثورة المعلومات الصحافة المطبوعة على التغيير في أسلوب الكتابة، وطريقة السرد، فلجأت إلى استخدام «الفيتشر» و«الحكي الدرامي» لتغطية الحدث لتضمن الاختلاف والتميز عن الصحف الأخرى، وتتغلب على مشكلة السرعة التي تسبقها فيها وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية، ستختلف النصوص الإلكترونية هي الأخرى نتيجة لثرائها واعتمادها على عناصر إضافية تتيح لها التميز بشكل أوسع.
وقال أستاذ الصحافة الإلكترونية إن الاختلاف الذي تتيحه الصحف الإلكترونية سيمتد إلى معايير الكتابة وطرق تقييمها بعد أن ظلت مستقرة لسنوات، «فإذا كان الجاحظ قد قال قديما إن المعاني ملقاة على قارعة الطريق والعبرة بالألفاظ، فنحن نقول الآن إن المعلومات ملقاة على قارعة الطريق والعبرة بأسلوب العرض». «المستقبل يفتح ذراعيه للصحافي الإلكتروني»، هكذا بدأ الدكتور أحمد زكريا مدرس التحرير الصحافي بقسم الإعلام بجامعة المنصورة حديثه معي مدللا على ذلك بإحصائية تؤكد أن أكثر من 80% من فئة الشباب يفضلون التعامل مع الصحافة الإلكترونية، لأنها تتيح إمكانيات تفاعلية عديدة مثل الدردشة والتعليق بسرعة والتزامنية الشديدة، وقال إن الفيلسوف الألماني هايبرماس صاغ نظرية رصينة اسمها المجال العام public sphere تؤكد أن وسائل الإعلام الإلكترونية تخلق حالة من الجدل بين الجمهور تتيح تأثيرا كبيرا في القضايا العامة وتؤثر على النخبة والنخبة الحاكمة والجمهور.
وبحسب زكريا لكي يكون الصحافي إلكترونيا ومتوافقا مع هذا التطور لا بد أن يكتسب مفهوم التحرير غير الخطي، أي يراعي التغيرات الجديدة التي دخلت على طرق صياغة القصص الخبرية مثل اختيار الوصلات الفائقة المناسبة لخدمة النص والقدرة على التعامل مع الوسائط الأخرى كالفيديو والتصوير الرقمي والصوت، كما سيتحول المخرج الصحافي إلى ما يشبه المخرج السينمائي، لأن النص الصحافي نفسه بات أقرب إلى النص السينمائي تتداخل فيه مواد عديدة صوتية وبصرية.
والنصوص الفائقة والوسائط المتعددة التي تزخر بها الصحافة الإلكترونية بحسب زكريا هي السبب في بروز مفهوم ثراء الوسيلة الإعلامية Media richness الذي يفضل بسببه قراء الصحف الإلكترونية التعرض إليها بمقدار الضعف تقريبا عن الصحف الورقية.
وقال زكريا إن «الوسائط المتعددة» والنصوص الفائقة يفضلها المتعرض بمقدار 75% عن عدم استخدامها، كما أثبتت الدراسات ولذلك لا بد أن يلم الصحافي الإلكتروني بمهاراتها.
ومن وجهة نظر زكريا فإن التغيير الإلكتروني سيمتد في المستقبل القريب ليشمل أخلاقيات العمل الصحافي، ومراجعة مفاهيم ظلت لسنوات مقدسة في مواثيق الشرف الصحافي كالخصوصية، وما يعرف بالخطوط الحمراء السياسية، إضافة لاختفاء الكتلة البيروقراطية التي تدير الصحيفة وتغير اقتصاديات الصحف وارتفاع المصداقية بفعل تعدد الدلائل على صحة المعروض.
على الجانب الآخر قال الدكتور شريف اللبان أستاذ تكنولوجيا الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة إن بنية النص الصحافي الإلكتروني مختلفة عن النص العادي فهو «نص فائق أو تشعبي يرتبط بتفاصيل عديدة خارج الحدث الراهن وتختلف أسلوب كتابته عن النص العادي».
ولفت إلى أن المفهوم الجديد للصحافي الإلكترونيonline editor يتطلب مهارات عديدة منها القدرة على التصوير بكاميرا الفيديو والتصوير الرقمي وكذلك الإلمام بتصور جديد لكتابة القصة الإخبارية أو التحقيق، مع إضافة تلك العناصر لإثراء النص بشكل مميز.
وعن إمكانية تحول الصحافة بأكملها إلى صحافة إلكترونية فقط قال اللبان: «لا أستطيع الجزم بإلغاء الصحافة الورقية الآن، والدراسات المستقبلية رفضت ذلك خلال الخمسين عاما القادمة على الأقل، لكن الصحف الورقية الآن لها مواقع على شبكة الانترنت، وجزء كبير منها تختلف بنيته الإلكترونية عن بنيتها في النسخة الورقية، سواء في طريقة كتابة النص أو سرعة تحديث الأخبار وتعديلها والتعليق عليها، إضافة إلى الصحف الإلكترونية الخالصة، فالمهارات الإلكترونية باتت واقعا ملموسا لا بد للصحافي المحترف أن يلم بها».
وقال اللبان إن تأسيس شعبة متخصصة للصحافة الإلكترونية بجامعة القاهرة ليس معناه أن من خارجها سيحرم من تعلم تلك المهارات، فشعبة الصحافة الورقية يدخل في لائحتها مواد لتكنولوجيا واستخدام الحاسب الآلي في الصحافة، ولكن الشعبة المتخصصة تزداد فيها الجرعة الإلكترونية نسبيا.
الشرق الاوسط