طبيعة صامتة.. لوحة زيتية 45 × 38 سم. سوري
فاضل الخطيب
منذ أكثر من سبع سنين وأنا بكامل عقلي ووعييّ, أتذكر كل يوم عشته, وأتذكر الـ”أصدقاء” الذين لا يملّون من إبراز صداقتهم والرفاق الذين لا يبخلون انتقاداً على نظام حزبهم القائد, وتمنيات وآهات الجميع بالغد الأفضل..
وهناك الكثير الذي يمكن أو يجب أن أمحيه ـ طبعاً إذا كانت محاية المخ ماشية.
لا أقول ذلك من باب الشكوى ولا العنطزة, بل أريد التأكيد بأنني أقرأ أحياناً أنه هناك فئة من المجتمع متفائلة وتنظر للمستقبل بأمل واعد وقلب صامد, والفئة الثانية بصعوبة تستطيع تأمين المخدّر اليومي لحياتها ـ المخدّر هنا يمكن أن يكون ليس البديل عن أية مادة تؤثر على أسباب الشعور بالسعادة بل التي تؤثر على الكآبة..ـ
أقول هذا مستفسراً عن بعض الأمور التي قد لا تكون واضحة تماماً أمام ناظري.
الحقيقة أنني أفهم كل شيء وقد يكون هذا هو العلة والوجع, وربما يكون السبب هو أنه لا أفهم شيئاً البتة وهذا هو الجميل في هذه اللحظة..
لكنني أعرف شيئاً واحداً هو أنني لا أعرف شيئاً.. وهنا بحاجة إلى مساعدتكم وتوضيحاتكم التي ربما أتعثر فيها يوماً ما..
ولم أصبح أكثر ذكاءً بعد حضوري مداخلة الرفيق المساعد أبو محمود خلال زيارته للقرية واجتماعه مع المواطنين, ولم أصبح أكثر ذكاءً بعد قراءتي لمحضر اجتماع وجهاء قريتنا مع سيادته, وأنا أحتفظ بنسخة عنه, ورغم سريتها لكنني سأطلعكم عليها ربما تصبحون أكثر ذكاءً مني.. ـ لقد استطعت اختراق سرية أجهزة أمن القرية, واختراق الأمن أسهل بكثير من تجاوزه أو مصادقته!ـ. وقد كتب التقرير ببطئ شديد لأن المساعد أبو محمود قراءته بطيئة وهادية ـ الله يهدينا جميعاً ـ!
** الرفاق الأعزاء:
أحييكم بحرارة ومحبة رفاقية, وأقترح أن نبدأ مباشرة بالحديث عن جوهر الموضوع وبدون مقدمات.
يقول الكثيرون في هذه الأيام بأن المشكلة المطروحة للنقاش أمامنا ليست مهمة, لكن الحقيقة أنه هناك الكثير من الحجج التي تؤكد أهميتها والتي سوف أقولها الآن أمام جميع الرفاق.
طبعاً قبل البدء بطرح المشكلة لا بدّ من الإشارة إلى بضعة أمور وعوامل سبقتها ومهدت لظهورها, ومن المفيد معرفة المقدمات التي ساهمت بشكل أو بآخر بحصول المشكلة المطروحة, وهذه المقدمات مهمة جداً من وجهة نظر حل الموضوع..
نرى اليوم كثيراً من الرفاق لا يعطي أهمية للمقدمات والأمور التي مهدت لوقوع الحادثة والعناصر التي لها دور في ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر, يجب معرفة سبب حدوث تلك المقدمات التي سبقت المشكلة وكان لها الأثر الكبير في تطور المشكلة كما هي أمامنا بلا زيادة ولا نقصان, وأهمية معرفة ذلك يعود إلى الدور الذي يمكن أن يساهم في حل المشكلة هذه..
ومن المعروف أن حل المشاكل مرتبط بشكل رئيسي بالظروف والعوامل الموضوعية التي تحيط بها ولا يمكن إغفال ذلك أبداً, وفي الحقيقة يمكن القول…..
(أحد الحضور همساً)… ـ هدّي بالك يا رفيق, أكيد إنو الغداء اليوم راح يكون لحم, لكن إذا بهذا النشاط والهمة بدّك تظل تحكي يمكن ما منخلّص اجتماعنا قبل الساعة 2 , ويعني بتعرف شو بيكون أكلنا؟!. ـ ..
** ليست المرة الأولى التي أعالج فيها هذه المشكلة, وآمل أن تثقوا بما أقوله بأنه نحتاج إلى معرفة كل أجزاء المشكلة, الأجزاء البسيطة كلها وبدون إهمال أي منها كي نستطيع إيجاد صورة شاملة وصحيحة عن المشكلة وهذا بالتالي يكون خدمة باتجاه الطريق المؤدي للحل!…
(بين الحضور همساً)… ـ هذا الرفيق يا رفيقة سميرة مثل اللي يبحث عن إبرة في التبّان المليان تبن … أكيد عابتقرأ جريدة … بيكفي لعب بفنجان القهوة يمكن تكسره يا رفيق … لو بعرف عن شو عا بيحكي, وجه الرفيق معروف لكن ما بعرف وين شايفو … شوف كيف عا بيحرّك حلقو, بتسيل من بوزو الكلمات مثل العسل, الرفيق مقتنع إنو نحن منتبهين لكل كلمة بيقولها ونحن عا منتلقف كلماتو بحماس وهزة رأس… طبعاً بين الفترة والثانية منحرّك رؤوسنا علامة الموافقة … يا عيني يا حبيبي لا, لا تعملهـــــا … وين القهوة يا إبن الحلال الناس نعست وعيب يقوم حدا ينام والرفيق بعدو عا بيحكي… ـ .
** أنا أكون سعيداً لو أنه بعد هذه المقدمة القصيرة أن يطرح الرفاق رأيهم بالموضوع, أنا آسف أنه اليوم صباحاً استطعنا تأمين نسخ عن الموضوع المطروح أمامكم, آمل أن تكونوا درستموه جيداً خلال هذا الوقت القصير, وهي بالمختصر المفيد تعني أنه لكي نقوم بحل المشكلة يجب علينا معرفتها بشكل مفصل, ولمعرفتها يجب علينا معرفة المقدمات التي أوصلت الموضوع إلى هذه الدرجة من التعقيد, ولمعرفة المقدمات لابد من معرفة الحيثيات والظروف التي ساهمت في بروز المقدمات, ولمعرفة ذلك لا بدّ من معرفة الظروف التي تمر بها قريتنا.. علاقة ديالكتيكية يا رفاق..!!…
(متابعين بانتباه للمحاضرة)… ـ رفيقة عمشة شايفي إنو على رأس عوض في ذبانة زرقاء.. دخلك الذبانة لأية فئة تابعة؟ .. ثدييات أو زواحف؟.. آآه .. من زمان درسنا عن الطيور!!.. شوف كيف عا بيحك رأسه الوسخ, مثل اللي بيتصوّر إنو عوض خوّيف وما عنده شجاعة يضرب الذبانة, هو بيفكّر إنو حكة رأسه بحضور الرفيق وخلال حديثه يعني الموافقة أو بأسوأ الحالات إنو يعتقد إنو بدو يحكي ويعقّب على كلام الرفيق .. بتعرفي يا رفيقة شو عابيفكّر عوض؟… ـ .
** رفيق عوض كنت تريد الحديث عن شيء ما؟…
(عوض بغمغمة)… ـ لا .. لا يا رفيق! والحقيقة أنو كان يحدّث نفسه بعد مضايقة الذبانة له “يا ريت لو سيدنا نوح ضرب الذبانتين وقتها بكشاشة الذبان على الحيط وريّحنا منهم وما حملهم معه بالسفينة“!!
(من الحضور)… ـ حتى موضوع الإجتماع وجدول الأعمال ما بيعرفو, ما بيعرف ليش موجود الرفيق وعن شو عا بيحكي, المدير بتاعو بعثو على الإجتماع محلو لأنو معلمه موجود بإجتماع ثاني مثل هذا الإجتماع في مديرية الناحية وبنفس الوقت, ولأنو مديره ما عندو المسكين غير طرف واحدة ما قدر يحضر هون وغاد, يعني ما بيقدر رغم كل شطارتو يقعد مرة واحدة على كرسيين اثنين!.. وين القهوة يااا..؟… غريب هالرفيق يمكن إلو عا بيحكي أكثر من ساعة ولا فيه رغوة على حلقه… المرّة الماضية بإجتماع النقابة قبل رفع سعر المازوت كان حلق الرفيق عا بيرغي وكان بزاقو عا بيطرطش على الكراسي الأمامية … ـ .
** نتمنى أن يكون الحل المقترح أمامكم ـ أيها الرفاق يساعد على زيادة إنتاجية مشروع الضيعة, ولتأمين شروط الحل ليس من الضروري اعتماد أسلوب الأصبعجي والذي يشكل السند الرئيسي مع تروست الثورعجي والذي يعيدنا إلى نقطة البداية …
(من الحضور)… ـ ليش ما قعدت بجانب فنخور شباط, كرسي مليحة وكانت فاضية وقت جيت, وما بيبعد خطوتين عن الشباك, شوف هذا فصعون الدالي قعد قدامي وما عاد شفت شيء من ظهره.. يا أخي بجنب الرفيق ما بيقدر الواحد يتثاوب.. خدرو رجليي وما عاد بقدر نزّل حالي بالكرسي لتحت, بعد شوية بيصير الواحد تحت الطاولة .. بقوم بحكي شيء كلمتين؟.. لكن إلي أكثر من ساعة وما بعرف عن شو عا بيحكي الرفيق؟.. صبر, شوية صبر!.. وين القهوة؟… ـ .
وكان الرفيق سبع الحنو لا يتكلم مع زوجته الرفيقة أم وديع وذلك بعد نقاش حاد عن جرائم الشرف, اتهمت فيه أم وديع وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل بوقوفها ضد حملة الدفاع عن المرأة, بينما الرفيق سبع تجاهل ذلك وأثنى على مبدئية الوزيرة والتزامها بتعليمات القائد, ومن وقتها صارت لغة التخاطب بينهما هي كتابة قصاصات الورق لبعضهم!
ولكون الرفيق سبع هو المنظم للندوة من ألفها إلى يائها, وكان قد سهر حتى ساعة متأخرة من الليل بالتحضير للحدث المهرجاني لزيارة المساعد أبو محمود, لذلك كتب لزوجته على قصاصة ورقة”أرجو إيقاظي من النوم الساعة السابعة صباحاً”, لكن الرفيق سبع غط في النوم, وعند استيقاظه حوالي الساعة الثامنة كان مغتاظاً جداً وبدأ يصرخ قائلاً بأنه شيء معيب أن زوجته لم توقظه في الوقت المناسب, وقبل انطلاقه من البيت مسرعاً شاهد بجانب سريره قصاصة ورقية مكتوب عليها”صارت الساعة سبعة إنهض من الفراش!”