الأزمة المالية العالمية

هل يدفع الخليج ثمن الأزمة المالية العالمية؟

د. سعيد حارب
لا نحيد كثيراً عن تفكير المؤامرة ونحن نسمع عن مطالب من الدول الكبرى لدول الخليج العربي الإسهام في حل الأزمة المالية الاقتصادية العالمية، فدول الخليج العربي ليس لديها من الحلول سوى الإسهام «بدفع» مزيد من الأموال في جسد الاقتصاد العالمي، أو بعبارة أدق «الاقتصاد الغربي» الذي بدأ يتهاوى منذ أسابيع قليلة مضت، وقد اتخذ الغربيون خطوات لإصلاح هذا الاقتصاد، لكنها لم تكن كافية، فأسواق الأسهم في هبوط دائم، فما ترتفع درجة إلا وتهوي درجتين، وبدأ بعض البنوك يترنح تحت ضربات الإفلاس، وتراجعت أسعــار العملات وفقــد الناس وظائفهم.. في مشهد لا يمكن تصوره قبل أشهر قليلة، فلم يكن أحد يتصور أن ينهار الاقتصاد الأميركي ليجرّ معه الاقتصاد الأوروبي ثم العالمي، وبقيت دول الخليج تقاوم هذا الانهيار ببعض الإجراءات الإدارية والقانونية وبضخ المليارات من مدخراتها في أسواقها التي تأثرت بهذه الأزمة العالمية، التي لم يكن لأهل الخليج يد فيها، وإذ بهم يفاجأون بأن المطلوب منهم أن يدفعوا ثمن أخطاء الآخرين.
فالسيد غوردن بروان،رئيس الوزراء البريطاني يتجول في دول الخليج طالبا مساعدتها أو تدخلها الإيجابي لإنقاذ اقتصاد بلاده واقتصادات دول الغرب المركزية كافة، بل جاء لـ«يطلب» من هذه الدول أن تدفع أموالاً أكثر في الأسواق العالمية، لأن لديها ثروات مالية كبيرة!! وكأن هذه الأموال حق سائب لكل من أرادها. وقد ذكرتني جولة غوردن بروان بسلفه توني بلير، حين قام بجولة في دول المنطقة قبل الحرب على العراق لتمهيد الأجواء من أجل تقبّل الحرب والإسهام في نفقاتها، وقد تجول بلير كذلك في عدد من الدول العربية والإسلامية لضمان عدم معارضتها للحرب، وكان نشطاً أكثر من وزير خارجية أميركا ـ يومها ـ كولن باول حتى أطلقت الصحافة البريطانية على توني بلير لقب وزير خارجية أميركا.
واليوم يتجول خلفه لـ«يشفط» أموال الخليجيين لحل مشكلته، ويبدو أن «أصدقاءنا» الغربيين لا يتذكروننا إلا في الكوارث!!
إن دول الخليج العربي جزء من منظومة الاقتصاد العالمي، وقد أسهمت بقوة في دعم هذا الاقتصاد من خلال تزويده بالطاقة التي ستنضب قريباً، بينما يحتفظ الغربيون بمخزونهم البترولي للمستقبل ويكتفون بطاقتنا الرخيصة.
ودول الخليج العربي أسهمت في دعم الاقتصاد العالمي من خلال تدوير عائدات النفط في استثمارات عالمية استفادت منها الدول الغربية من خلال تحريك عجلة الاقتصاد، وإيجاد أسواق جديدة وتشغيل أيد عاملة كثيرة.
أسهمت دول الخليج العربي في دعم الاقتصاد العالمي من خلال فتح أسواقها أمام المنتجات العالمية وشراء أرتال من الأسلحة بملايين الدولارات من أجل أن تحرك عجلة الاقتصاد في الدول الغربية.
كما أسهمت هذه الدول في استقبال ملايين الأيدي العاملة من الدول الغنية والفقيرة ليقوموا بتحويل مدخراتهم التي تبلغ مليارات الدولارات دون أن تفرض عليهم ضرائب، أو تحد من تحويلاتهم حتى في أثناء الأزمة الاقتصادية الراهنة.
كل هذا الإسهام الإيجابي في دعم الاقتصاد العالمي لا يكفي « الأصدقاء»!! بل المطلوب من دول المنطقة أن «تدفع» ثمن أخطاء الآخرين، فأموال الخليج لم تكن سبباً في انهيار الاقتصاد العالمي، بل كانت السياسات الخاطئة للقادة السياسيين والاقتصاديين الغربيين هي السبب في هذا الانهيار، بل إنه حين تم التدخل لإنقاذ الاقتصاد في بعض الدول اشترط المشرعون فيها أن لا يتم تعويض الصناديق السيادية عن خسائرها، ومعلوم أن أهم الصناديق السيادية هي الصناديق الخليجية!!
لذا فإن المطالبة بـ«الدفع» ليس لها ما يبررها سوى نظرية المؤامرة على هذه الأموال، التي استنزفت في أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية لسحب ما جمعه الخليجيون خلال عقد السبعينيات، ثم شفطت مرة أخرى في حرب تحرير الكويت، ليذهب ما جمع في عقد الثمانينيات، وشفطت في الحرب على العراق ليذهب ما جمع في التسعينيات، وها هي تشفط مرة أخرى ليذهب ما جمع خلال السنوات الثماني الماضية.. إن المطلوب من هذه الأموال أن تسدد حسابات الآخرين، وفي هذه المرة فإن المطلوب يتراوح بين 2 و3 تريليون دولار، أي ما بين ألفين وثلاثة آلاف مليار دولار!! وهي ميزانية قارات بأكملها.
لقد خسر الخليجيون في الأزمة الأخيرة مرتين؛ مرة حين تبخرت أموالهم المستثمرة في الدول الغربية، ومرة حين انهار سعر النفط من 147 دولارا إلى ما يقرب الخمسين دولارا، وهاهم اليوم يخسرون للمرة الثالثة بتحمل ثمن أخطاء الآخرين، فإن كان لابد من الدفع ـ وأعتقد أنه سيتم ـ فلا بد لدول الخليج من فرض شروطها، وأولها وجود ضمانات لهذه الأموال، حتى لا تتبخر في أزمة حقيقية، أو مصطنعة، ثم لا بد أن تصب الأموال في استثمارات حقيقية كشراء شركات، أو بنوك، أو استثمارات مضمونة، وأن توضع خطة محددة الزمن لعودة هذه الأموال إلى أصحابها، وأن يشترك أصحاب الأموال في إدارة أموالهم، فقد ثبت أن من لا يدير أمواله، فإنها تؤول إلى الزوال، ثم أخيراً..أن تتعهد الدول، وليس المؤسسات، بضمان هذه الأموال، ويصبح ذلك جزءا من التزاماتها الدولية.. هذه بعض التصورات لـ«الدفع»، وبغير هذا تصبح الأموال الخليجية كالأموال السائبة.. والمال السايب يعلم الناس السرقة!!
كاتب من الإمارات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى