براون والعرب و”بقرة السيولة”
سعد محيو
جولة رئيس الوزراء البريطاني براون “التسويقية” الأخيرة في المنطقة، كانت أول اعتراف غربي على مستوى رفيع بأن البترودولارات العربية باتت لاعباً رئيسياً ليس فقط في النظام الاقتصادي العالمي بل أيضاً في العلاقات الدولية.
لكن أي لاعب لأي دور؟
سنجيب عن هذا السؤال بعد قليل. لكن الآن إطلالة سريعة على الامكانات المالية العربية، التي تتجسد في شكل رئيس الآن في صناديق الثروة السيادية العربية.
شهدت السنوات الأخيرة صعود صناديق ثروة سيادية عربية وأخرى من اقتصاديات ناشئة (وهذه الصناديق، كما هو معروف، هي أصول خاضعة للحكومة صُممت أساساً للانخراط في الاستثمارات الخارجية). وسرعان ما برزت الأهمية المتنامية لهذه الصناديق كمستثمرين دوليين، وأثار نموها المتوقع نقاشات حادة حول الدور الذي ستلعبه في الأسواق المالية العالمية.
الصناديق ليست ظاهرة جديدة، لكنها كانت إلى حد ما تمثّل لاعبين على أطراف الأسواق المالية العالمية. بيد أن الانتقال من الأطراف إلى المركز كان سريعاً ومهماً، مدفوعاً بالتدفق الهائل للرساميل من الغرب نحو الاقتصاديات المصدّرة للسلع كالدول المنتجة للنفط واقتصاديات ناشئة أخرى. هذه المداخيل وفّرت قاعدة لاتني تتوسع بالنسبة إلى صناديق الثروة السيادية، مما قذف بها من هامش الأسواق العالمية المالية إلى مركزها لتصبح لاعباً مهماً في الاقتصاد العالمي.
ويقول الباحث الألماني سفين بيرينت إن الأهمية المطردة لصناديق الثروة السيادية ترافقت مع نقاش حاد حول مضاعفات صعودها على بنية الأسواق المالية العالمية وهيكليتها وعلى النظام الاقتصادي العالمي ككل. هذا النقاش انطلق إلى حد كبير بفعل تقرير مقتضب نشرته مؤخراً مؤسسة مورغان ستانلي وأعربت فيه عن اعتقادها بأن الحجم الكبير للصناديق السيادية العربية قد يصل إلى 12 تريليون دولار في العام 2015. إضافة إلى ذلك، كانت أهم المخاوف التي عبّر عنها الغربيون في 2007 و2008 هي تلك المتعلقة بمدى تطابق صناديق الثروة السيادية مع مبادئ الحكم الصالح والشفافية ومدى تأثيراتها في كل من تطورات السوق وعلى الانكشاف الاستراتيجي-السياسي للولايات المتحدة. كما طالت المخاوف الطبيعة الاستراتيجية الكامنة في استثمارات الصناديق، والطموحات الجيوسياسية لمالكيها، والأخطار المباشرة على الأمن القومي للاقتصاديات المتلقية.
من رحم هذه التناقضات ولد موقف غربي صارم ضد تمدد استثمارات صناديق السيادة إلى المواقع السيادية في الدول الكبرى، على غرار الموانئ والمطارات والبنى التحتية الرئيسية. بيد ان الأزمة المالية الطاحنة الحالية دفعت الغربيين إلى القفز فوق كل هذه “الاعتبارات السيادية” وبدأوا يطلون على الاصول العربية على أنها “المنقذ والمخلص”، كما أعلن جوردون براون في الرياض والدوحة.
حسناً. أخبار جيدة. لكنها لا تجيب عن السؤال الذي طرحناه في البداية: أي دور جديد سيكون للمال العربي في العلاقات الدولية؟
مصدر بريطاني رفيع قال إن براون لاحظ أن الخليجيين قلقون للغاية من مجرد تحويلهم إلى “بقرة حلوب” لا تدر سوى السيولة للمصالح الغربية. وهم على حق بالطبع.
لكن الحق بدون قوة أشبه بجندي من دون سلاح، أو عود من دون أوتار. ولكي يحصل العرب على مردود سياسي (في شكل دور عالمي) لأموالهم، يجب أن يقرنوا هذا الحق بالإرادة وبسلاح الموقف. وما لم يفعلوا، فإن صناديقهم السيادية ستساهم في انقاذ الاقتصاد العالمي، لكنها ستفقد الدول العربية سيادتها حتى على الطريقة التي تقرر فيها إنفاق أموالها.
جوردون براون جاء إل الخليج ليتسوق، أهلاً. لكن آن الأوان أن يبدأ العرب أيضاً بالتسوّق.. والتسويق لحقوقهم المشروعة!
الخليج