الصحافة السورية .. لاممنوع ولا مسموح
مزن مرشد
صحافة الموظفين
ماذا ينتظر الاعلام السوري أو أي اعلام في العالم من شخص أمسك القلم بالصدفة وأصبح صحفيا بين ليلة وضحاها…..
لا تتجاوز نسبة خريجي الاعلام من العاملين في الحقل الاعلامي، العشرين في المائة بالرغم من ان قسم الاعلام التابع لكلية الاداب في جامعة دمشق والذي احدث لأول مرة في العام 1986 قد خرج حتى الان أكثر من الف خريج، أقلية منهم استطاعت العمل في الاعلام بوسائله الثلاث المتلفزة والمسموعة والمطبوعة وبعضهم الآخر وجد فرصته في الاعلام الخاص الذي بدأ يتسع وجوده مؤخرا نتيجة لإعطاء مزيدا من التراخيص لصحف ومجلات خاصة، وغالبيتهم وجد ضالته بايجاد فرص عمل خارح القطر عبر هجرة اجبارية لدول الخليج العربي أو غيروا المهنة من أساسها واشتغلوا بأعمال لا علاقة لها باختصاصهم فلقمة العيش هي الاهم في نهاية المطاف.
أما الاعلام الرسمي فلم يستوعب من الخريجين الا نسبة قليلة كما ذكرت، في حين أنه وببساطة يعين في ادارات التحرير ( أي كصحفيين) خريجي كافة أقسام كلية الاداب بما فيها الدراسات الاجتماعية والفلسفة والتاريخ والمكتبات واللغات بكافة فروعها- وهذا مقبول نوعا ما على الأقل سيعملون بالترجمة- أما باقي الاختصاصات فبمجرد تعيينهم بالصحيفة يصبحون صحفيون بالامرالواقع وعليك تقبلهم كأعضاء في هذا الجسد الاعلامي المسكين سواء اثبتوا مهنيتهم وموهبتهم أم لم يثبتوها، فقد أصبحوا صحفيون رغما عن أنف القدر، وهؤلاء بمعظمهم تعين بواسطات لا أول لها ولا آخر تبدأ من رئيس التحرير الذي يحق له التعيين وتنتهي برئيس مجلس الوزراء، وهؤلاء بطبيعة الحال يحصلون على البطاقة الصحفية من جريدتهم ويصبحون أعضاء في اتحاد الصحفيين دون أي سابق انذار لمجرد وجودهم في صحيفة، فما الذي ينتظره الاعلام السوري أو أي اعلام بالعالم من شخص أمسك بالقلم بمحض الصدفة وكتب مواده بمعجزة ولم يخطر على باله يوما بأنه سيمسي بين ليلة وضحاها صحفيا وهو الذي أعد نفسه منذ دخوله فرعا ادبيا لأن يكون مدرسا لا أكثر وما أوسع الفرق بين آلية تفكير المدرس وتركيبة العقل الصحفي!
ومن هنا بقيت معظم المفاصل الاعلامية بيد اشخاص وصلوا اليها على أساس القدم الوظيفي والوضع الحزبي بعيدا عن التقديرات المهنية أو الكفاءات العلمية، ففي كبرى الصحف الرسمية بقى أحدهم أمينا للتحرير ما يقارب الخمسة عشر عاما ولا يتعدى تحصيله العلمي الشهادة الابتدائية وعلى ذمته قد حصل على الشهادة الاعدادية لاحقا، وبالطبع بقي على رأس عمله حتى بلغ التقاعد.
أما في أحد الاقسام الثقافية فقد سلمت دفة مطبوعة متخصصة فيه لشخص حاصل بالزور على الشهادة الثانوية لكنه روائي –بالعافية- نشر رواياته العتيدة التي لا يتجاوز عدد صفحات الواحدة منها الخمسون صفحة بفضل علاقاته القائمة على المصالح المتبادلة مع اتحاد الكتاب العرب الذي يحتاج وحده لتحقيق موسع والكثير من الدراسات كي يعرف القارئ ما الذي يدور في كواليسه وهذا ليس موضوعنا.
هذه يوضح باختصار اسباب ترهل الجسد الاعلامي أكثر فأكثر لعدم وضوح الرؤية والضرورات الاعلامية المطلوبة من الصحفي ولعدم وجود تقييما دقيقا يكافأ على أساسه المجتهد ويحاسب المقصر، فكانت الصحافة وظيفة مثلها مثل كافة الوظائف، ليتضاءل الفرق بين الصحفي والموظف، اذ لا زال بعض الصحفيين أنفسهم ينظرون لعملهم على أنه وظيفة لا أكثر، فالصحافة بالنسبة لهم مجرد فرصة عمل فيها فرصة للاستفادة المادية ( حوافزها المالية أو الاستكتاب جيد)، والكثير من العلاقات المفيدة على الصعيد الشخصي، وفي مثال آخر أكثر وضوحا يروي أحد رؤساء الاقسام والذي بقي في مكانه أكثر من عشر سنوات يروي قصته بكثير من الفخر والزهو بانه وبعد أن حصل على شهادته الثانوية وكان اول من يحصل عليها في ضيعته توسط له خاله ليوظفه في هذه الجريدة المفتوحة حديثا على حد تعبيره وكان يتفاخر على الجميع بأنه من أقدم الموظفين في الصحيفة وبالفعل، لم يخطئ الرجل بتعبير موظف فقد كانت الصحافة بالنسبة له ولمن مثله لا تمثل الا وظيفة يتقاضى فيها أجره آخر الشهر، وما أكثر أمثال صاحبنا في الصحافة السورية فالغالبية وصلوا الى الجسد الاعلامي بطريق الصدفة وضمن طريق البحث عن عمل، وهذا ما أسس لصحافة المكاتب او ما وراء الطاولة فلم يتعد عمل هؤلاء نقل الاخبار وصياغة التقارير الاعلامية الواردة من المؤسسات او الوزارات دون التدخل بها او حتى دون أن يخطر على بال أحدهم مجرد التفكير بمحتوى ما يكتبون، وحرصا منهم على مواقعهم التي وصلوا اليها مدركين تماما بأنها ليست لهم، أكثروا من المواد الايجابية أو المواد التي لا ترى الا النصف الممتلئ من الكأس حتى لو كان هذا الكأس لا يحتوي الا على عدة قطرات لا أكثر، فاشتهرت الصحافة السورية على يدهم بالجمود ولغة الخشب والتكرار، والتبجيل، ليصبح القائل أهم من القول، والفاعل أهم من الفعل، والتراكض لكسب الود هو الرسالة الأولى لصحافتهم بعيدا عن هموم المواطن، وعن الوطن نفسه، فلم تتضح الوطنية لديهم الا بالمزايدات بين بعضهم البعض بدون أسس موضوعية أو دوافع حقيقية لذلك منطلقة من مصلحتهم الشخصية ومدى استفادتهم من هذه المزايدات، وهذا ما بقي سائدا منذ أن أنشئت الصحافة السورية مع بدايات ثورة البعث في العام1963 حيث أوكلت ادارة العمل فيها، وعين في كوادرها، حزبيين لا صحفيين وكانت تسمى – صحافة تنموية – تتابع أخبار الثورة والتنمية آنذاك، ووضع قانونا للاعلام سمي بقانون المطبوعات مقتبسا عن قانون الاعلام المصري المبتدع عام 1952 والذي يتماشى مع ثورة المصريين تلك ولا علاقة لثورتنا به، والذي ظل ساري المفعول حتى ثلاث أعوام خلت، هذا القانون الذي منع كل شيئ تماشيا مع حماية الجمهورية ولا أدري الى الان السبب الذي جعل الحكومة السورية أنذاك تتبنى هذا القانون الذي كان يخدم جمهورية خرجت لتوها من حكم ملكي في حين لم يكن في سورية شيئ مشابه للتجربة المصرية الا ما يخص التأميم.
المهم في الموضوع أن هذا القانون لا هو ولا القائمين على الاعلام فيما بعد استطاعوا أن يضعوا ضوابط حقيقية للعمل الصحفي توضح صفات الصحفي وتميزه عن العامل في الحقل الاعلامي وما أوسعه، ولم يستطع أيضا أياً من القائمين على الاعلام من وضع حدود واضحة للمنع أو خطوط واضحة للهوامش الصحفية أمام الصحفيين فما هو مسموح المساس به اليوم قد يصبح من المحرمات غدا وهذا ماهو باق حتى هذه اللحظة، فهل تصدقوني ان قلت لكم لا وجود لخطوط حمراء في الصحافة السورية!!!
أي حرية مطلقة!!!!
ولاوجود لحرية أيضا !!!!
لا أستغرب اندهاشكم لأنني سأقول لكم بأنه لا وجود لخطوط خضراء أخرى تبيح ما منعته الخطوط الحمراء …. كيف ذلك ؟ سأقول لكم
هؤلاء الموظفون الذين وصلوا الى أهم المواقع الاعلامية والتي أكثر ما يمثلها عدم وجود أي رئيس تحرير الى اليوم خريج اعلام على رأس عمله الا خريجا واحدا وصل الى رئاسة تحرير كبرى الصحف السورية سأتحدث عن تجربتنا معه في حلقات قادمة، هؤلاء الموظفين الذين كانوا على مدى عقود يشكلون حجر الزاوية في الصحافة السورية كان المنع والسماح بالنشر يأتي من قناعاتهم الشخصية البحتة فأحيانا يكون هذا المنع أو السماح بالنشر أو حتى مقص الرقيب الخاص بهم مبنيا على مصلحة خاصة لأحدهم عند الجهة التي يمسها الصحفي بمواده، لذلك فما كان يمنع نشره رئيس تحرير أو أمين تحرير، ينشره ببساطة سواه، أو من يأتي خلفا له، أعلم أن الموضوع سيبدو مثل أغنية الشيطان، لكن هذا الجو الضبابي هو بالضبط ما يحصل.
أما فيما يتعلق بالمسائل السياسة فحديث آخر اذ ليس أي صحفي وصل الى الجسد الاعلامي أو الى صحيفة رسمية يستطيع أن يكتب بالشأن السياسي لأن هذا القسم من الصحافة لا يدخله إلا أناس موثوق بأقلامهم ومعروفة توجهاتهم الايديولوجية وهم أصلا منتمين للحزب الوحيد ولا يكتبون الا ضمن سياسة السلطة بشكل عام وهذا ما نجده مبررا نوعا ما في صحيفة حكومية تحكمها الموضوعية خارج دائرة توجهها العام أي موضوعية تجاه الاخرين فقط، ولكننا لا نجده مبررا في صحافة خاصة كانت ملكية أكثر من الملك، فصحيح أنها استقطبت أقلام خريجي الاعلام ووضعت جزءا لا بأس به منهم في مراكزها الادارية الاولى لكنها وللأسف مملوكة لرؤس الاموال التجارية او الصناعية وفي حالات كثيرة فهي مملوكة لرأسمال خاص ولكنه سياسي! وهنا كانت الطامة الكبرى فقد حددت هذه الصحف لنفسها خطوطا حمراء أعرض بكثير من تلك الخطوط الموضوعة أمام الاعلام الرسمي اذ أصبحت تقرأ في الاعلام الرسمي تحقيقات صحفية وتحليلات اقتصادية تمتاز بالجرأة والحرية أكثر مائة مرة من نظيرتها الخاصة حيث راعت الاخيرة ظروف صدورها وترخيصها وعلاقة أصحابها برجال السلطة وأصحاب القرار، فوضعت أما صحفيها الكثير من المحرمات التي لا علاقة لها لا بسياسة سلطة ولا بقانون وانما من منطق المصلحة وهي بالغالب صحف اختصت بالاقتصاد والسياحة والثقافة والمرأة وقليلة جدا هي الصحف التي طرق أبواب الموضوعات السياسية ولكنها تناولتها بشكل لا يختلف كثيرا عن طريقة تناول الصحافة الرسمية للمواضيع نفسها، مع محاولات خجولة في تقديم شيئا مختلفا في هذا الموضوع بالتحديد.
وبالعودة الى البدئ، فلم تكن اذا الصحافة السورية الى اليوم أكثر من صحافة موظفين تحاول جاهدة أن تصبح صحافة محترفين.
الحوار المتمدن
2008 / 1 / 17