نحر أم انتحار الشباب ظاهرة تفاقمت كثيرا ؟!
لافا خالد
قديما ارتبطت ظاهرة الانتحار بأسباب معينة وكانت تحدث في نطاق ضيق وإن كان الضحايا في أغلب الأوقات فئة الشباب ممن كانوا ولا يزالون يدفعون حياتهم ثمنها لفشل عاطفي أو حالة فقر ميؤسة أو أسباب أخرى تتعدد , في وقتنا الحالي ونتيجة لضغوطات الحياة الكثيرة والقفزات النوعية واتساع الفجوة بين الأغنياء الذين يزدادون غنى على مدار اليوم والساعة والفقراء الذين يزدادون فقراً على فقر
لا بل يسجلون أرقاما قياسية في تدهور الوضع المعيشي فباتت دوافع الانتحار بين الشباب تأخذ أبواباً أوسع نتيجة لهذا التمايز ووفق الكثير من المصادر التي اضطلعت عليها دلت على إن تزايد الانتحار بين الشباب ما هو إلا دليل على تزايد مشكلاتهم التي لا تلقى اهتماما وتودي بالنتيجة الانتحار أو للنحر الذي يتسبب به المجتمع بقصد ودونما قصد في أحيان أخرى , في هكذا حالات تناقض ملحوظة وبتتبع الأسباب والمسببات يبقى إن الانتحار واحد وإن تعددت أسبابه والنتيجة مأساة لفقد ضحية روحه وتفتتت لمصير اسر كثيرة عانت هذه المصيبة
ويبقى السؤال: لما تفاقمت الظاهرة بين فئة الشباب خاصة ؟؟
قبل فترة وجيزة بتاريخ 9/ 12 / كانت الخبر المفجع بإقدام الشاب آراس على قتل نفسه شنقا , آراس الشاب الذي عرف عنه أخلاقه الطيبة وكونه ابن لعائلة معروفة بأخلاقها الحسنة كان مدعاة السؤال وفي نفس الوقت فتح على نفسه وأهله بارود النار الذي لم يهدأ وكلام الناس بين القيل والقال منهم من قال إنه يئس من الحالة الاقتصادية ومنهم من قال ضغط الأهل ومنهم من قال كان يرغب الهجرة كي يعيش كما كل الشباب التي تعيش وتترفه في بيئة تتوفر فيها أشياء كثيرة لم يجدها في مجتمعه , انتحاره كان الدافع عندي أن أتقصى ظاهرة الانتحار في مجتمع الجزيرة السوري الذي يعيش وضعا مختلفاً عن باقي المحافظات السورية من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية أردت أن تكون عينة البحث في المدن الرئيسية من المحافظة في الحسكة والقامشلي والمالكية لصعوبة جمع عينة عن الأرقام ولتكتم الكثيرين على هكذا حالات حدثت بينهم ,كان الأمر متعبا ومؤلما ولغياب الإحصائيات عند الجهات المختصة التي لا تعنيها أو لم تدرج في اهتماماتها هذا الموضوع ارتأيت أن أقف على بضعة أسباب الانتحار بين فئة الشباب خاصة التي ارتفعت الأعداد بينها سيما في السنوات الأخيرة حتى بدا الرقم مفزعاً والأسباب مفزعة منها ما هو سبب اجتماعي ومنها ما هو حالة فراغ روحي وأسباب أخرى تتعدى ذلك يربطها كثيرون بحالة القهر والإذلال والتهميش المتعمد في مجتمع لا حول لهم ولا قوة , أخبرتني إحدى العائلات في إحدى قرى مدينة المالكية إن ثلاثة أشخاص من أسرة واحدة انتحروا بنفس الطريقة وفي نفس المكان وشاب آخر من القحطانية أنهى حياته لأن ألمانيا اعاداته لسوريا فلم يتأقلم مع الحياة التي هجرها وعاد إليها وأصيب بنكسة وحالة نفسية متأزمة لينهي حياته حرقا , وآخر تعاطى المخدرات في سبب أدهشني بشيوع هذه الظاهرة بين شبابنا ونحن ننام على خراب , وفتاة في ناحية القحطانية وضعت حدا لمأساتها كما روى أهل القرية بأن أقدمت على حرق نفسها لأن أخاها كان يقسوا معها المعاملة فلم تجد البديل بأن تتخلص من جبروته إلا لتحرق جسدها الغض الطري في غرفة مهجورة لم يبقي النار إلا عظاما طرية في جسدها النحيل , وفي امتحانات الشهادة الثانوية العام المنصرم أقدمت فتاة من مدينة القامشلي على تجرع كميات كبيرة من الدواء لأنها لم تحصل على المجموع الذي أراد لها والدها المهندس وتشاء الأقدار أن يكتب لها حياة جديدة ,وآخرون كثر سمعت عنهم تجرعوا السم أو أنواعا من الدواء الفاسد أو بطرق أخرى مختلفة وحتى لا نسرد في الكلام ونفتح أبوابا كلنا يسعى لإغلاقها تبقى ظاهرة الانتحار بين الشباب الناقوس الذي يقرع بشدة وتفتح ملف الشباب المهمش وحتى في معظم الحالات التي تتبعناها كانت تقفل أبواب تلك القضايا كما علمنا من الأهل على غرار الجرائم التي تبقى غامضة ولا يعرف الجاني فيكتب في نهاية التحقيق ( أغلق الملف ضد مجهول )
الأسباب الرئيسية لظاهرة الانتحار
ربما أصابع الاتهام ستتوجه بالدرجة الأولى في أسباب الانتحار إلى الأسرة التي تعاني التفكك والمشكلات الكثيرة بين الأبوين أو ربما الإخوة أنفسهم لأسباب مختلفة
وقد تكون إحدى الأسباب وهي ليست بالسبب البسيط كمشكلة عاطفية ولكن علينا ألا نتناسى إن أغلب أسباب الفشل العاطفي دوافعه اقتصادية معظم شبابنا عاطلون عن العمل واستنادا على مختلف الإحصاءات فنسبة البطالة ترتفع لتلتهم أهم المفاعل الحيوية وهم فئة الشباب وبالتالي كيف يمكن لنا أن نحمي شبابنا وهم من نكسة لأخرى ينتقلون فنراهم في حالة إقصاء عن كل شيء لا وظيفة مضمونة ولا عمل مستقر ولا معيشة لائقة تمكنه من إعالة نفسه ومن ثم أسرته التي تعبت عليه وحان الوقت ليجنوا ثمرة تعبهم عليه ومن ثم ولا طموحات محققة وكل ذلك يؤدي بالنتيجة لأزمات نفسية وحالات اكتئاب وأخرى تتحول لجسدية تتفاقم تودي في اغلب الأوقات أن ينهي الشاب حياته بمختلف الطرق إما يقتل نفسه أو يهدر شبابه في أشياء لا تليق به ولا بوضعه ومركزه الاجتماعي أو يختار الهجرة وهي اقسي حالات الانتحار بالنسبة لمجتمعاتنا حيث نفقد بهجرة شبابنا أهم أعمدتها لا بل نخسر شريانها النابض ونلقي بالتالي المسؤولية على اتجاهات مختلفة تتحمل الجهات الحكومية الجزء المهم وكذلك الأسرة والمجتمع المحيط ومن ثم لا نشفع للشاب الذي يختار هكذا نهاية لا يرضاها الشرع وكلنا يعي كما العقاب جسيم في يوم الكل فيه مبعوثون ليوم عظيم وهو ولا الأعراف والتقاليد ترحمهم
لو تابعنا آثار الانتحار المؤسفة وما تخلفه من دمار لنجد إن المنتحر يفتح أبوابا جهنمية لآخرين كثر وبالأخص الجيل الجديد الذي يجد ما حوله مفرغا من قيمه الأصلية فتحتار الأسرة في تربيته إن اتبعوا اللين معه تمرد وإن شدو الحبل قليلاً يفكر بقتل نفسه ومن ثم التكنولوجيا التي لم نأخذ سوى قشورها ومخلفاتها تعلمنا ما كنا نعلمه وما لا نعلمه والذي هو أعظم
لمن لا يعلم
في اليوم الثاني من عيد الأضحى المبارك السنة الفائتة حاول طفل في التاسعة من عمره أن يجرب من باب الممازحة أن يعلق مشنقة أخيه الأصغر على غرار ما حصل مع صدام حسين وشباب اليوم يتبعون آثار بعضهم ومعظم ما يرثوها عن بعضهم آثار سلبية ,من خلال تتبع بضعة أسباب الانتحار يبقى السؤال الحائر من المسئول عن هذا السلوك العدواني عند الإنسان الذي لا يجد الحضن الذي يرتمي إليه ولا يجد نفسه في مكانه المناسب فينتقم إما من مجتمعه أو من نفسه وكلا الحلين أمرّ