سؤال الأزمة: متى يتعافى الاقتصاد الأميركي؟
بول صمويلسن
مع تواصل الأزمة المالية العالمية، هناك أسئلة عديدة ترد على أذهان الكثيرين ممن يودون معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى حدوث هذه الأزمة -وذلك بعد أن تضاربت آراء الخبراء حولها لدرجة أدت إلى زيادة حيرتهم -ومعرفة ما إذا كانت الوسائل المقترحة من قبل الإدارة الأميركية وغيرها من حكومات الدول الكبرى، في أوروبا وآسيا، ستكون ناجعة في إيجاد مخرج من هذه الأزمة أم لا؟ ومتى سيتم التعافي الاقتصادي: هل خلال عام ونصف كما ذهب إلى ذلك بعض الخبراء، أم خلال عامين كما ذهب إلى ذلك آخرون، أم أن الأزمة ستتواصل لسنوات عديدة قادمة؟ ولقد رأيت أنني قد أكون قادراً على الإجابة عن بعض الأسئلة التي وجهها إلي البعض من واقع خبرتي في العمل كمستشار للاحتياطي الفيدرالي في ذروة الكساد الكبير عام 1932، وككبير للمستشارين الاقتصاديين للرئيس”جون كنيدي” عام 1960.من ضمن هذه الأسئلة: لقد امتد بك العمر لتعيش بعد “ميلتون فريدمان” الذي مات عام2006، كما عاشت أفكارك “الكينزية” بعد أيديولوجيته المتعلقة بحرية السوق… فهل يمكن القول إن الاقتصاد قد عاد مرة أخرى إلى النقطة التي كنت قد انطلقت منها؟ إجابتي على هذا السؤال هي: إن ما نراه يتبلور أمامنا في الوقت الراهن يثبت إلى أي حد كان”فريدمان” مخطئاً في فكرته القائلة بأن نظام السوق قادر على تصحيح نفسه بنفسه دونما حاجة لتدخل من قبل الدولة، كما يثبت لنا إلى أي حد كان “رونالد ريجان” سخيفاً عندما أخذ يردد مقولة “إن الحكومة هي المشكلة وليست الحل”.
الكل الآن أصبح يدرك أنه لا يمكن أن يكون هناك حل دون حكومة، وهو ما أعاد الفكرة الكينزية مرة أخرى إلى الواجهة ،وجعل من المقبول القول مرة أخرى إن السياسة المالية، والإنفاق بالعجز، يمكن أن يلعبا دوراً أساسياً في توجيه وإرشاد اقتصاد السوق.
وهناك أيضاً السؤال: هل ثمة أوجه شبه بين الأزمة المالية الحالية، وبين الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي؟ والحقيقة أن هناك أوجه شبه عديدة بين الأزمتين، وأن الأزمة الحالية دون أدنى شك هي أسوأ أزمة تواجهها الولايات المتحدة أو يواجهها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، بل أكاد أقول إنها من بعض الجوانب -السوق العقاري مثلا- أسوأ حالا من الكساد العظيم.
ومن الواضح أن التعافي الاقتصادي والخروج من الأزمة الحالية سوف يستغرق وقتاً طويلا حتى لو لجأت الحكومة إلى سياسة الإنفاق بالعجز. ورغم أن أوباما لديه فريق جيد من بينه أحد أقربائي القريبين، وهو”لاري سمرز”، فإنني لا أملك إلا أن أقول، من واقع خبرتي كاقتصادي عتيق، إن أوباما سيواجَه بمقاومة بعضها علني وبعضها الآخر خفي، وأن شهر العسل الحالي سوف يكون قصيراً.
والتنبؤات الحالية التي نسمعها أو نقرأ حولها هذه الأيام عن أننا يمكن أن نرى بعض ملامح التعافي الاقتصادي في النصف الثاني من العام الحالي، هي في نظري تنبؤات غير مقنعة إلى حد كبير، حيث أرى شخصياً أننا لن نرى تعافياً اقتصادياً قبل عام 2012 بل إن هناك احتمالا لأن يتأخر ذلك حتى عام2014. صحيح أن أوباما لديه فرصة لخوض قتال من أجل الخروج من هذه الأزمة، ولكن هذا القتال سيكون غاية في الصعوبة والمشقة.
وهناك سؤال آخر يتعلق بمقاربة أوباما للأزمة الراهنة، وهو: ما رأيك في الوسائل التي يستخدمها أوباما، مثل الخفض لضريبي وزيادة الإنفاق على مشروعات البنية الأساسية كوسيلة لتنشيط الاقتصاد والخروج به من وضعية الانكماش؟ إنه سؤال يكتسب أهميته في الحقيقة من أنني كنت قد اقترحت عندما كنت كبيراً للمستشارين الاقتصاديين في عهد الرئيس كنيدي، إجراء خفض ضريبي لتحفيز الاقتصاد. لكن هناك فرقا بين الوضع الذي كان قائماً أيام كنيدي والوضع القائم الآن والذي يعاني فيه الرئيس أوباما من التركة الثقيلة بل الرهيبة، والتي خلفها وراءه جورج بوش وجعلت الناس يخلطون بين هباته السخية للطبقة الغنية، وبين الخفض الضريبي الذي يمكن أن يكون له تأثير ناجع على النمو الاقتصادي. يجب على أوباما أن يمنح إعفاءات ضريبية للشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى وهي الشرائح الأكثر تضرراً بالأزمة الراهنة وذلك بدلا من منح إعفاء أو خفض ضريبي للخمسمائة شركة الأكبر حسب تصنيف مجلة “فورشيون”.
وهناك سؤال يتعلق بالمبلغ الذي حدده أوباما لتحفيز الاقتصاد والذي يتراوح بين 800 مليار وتريليون دولار، وعما إذا ما كان هذا المبلغ كافيا لإنجاز المهمة؟ إجابتي هي أن هذا المبلغ يدور في الحدود المعقولة، لكن ربما تدعو الحاجة إلى زيادته فيما بعد.
أليس هناك ما يدعو للقلق والخوف من حدوث تضخم كبير بسبب اللجوء إلى سياسة الإنفاق بالعجز؟
إذا ما كنا محظوظين وعدنا إلى مستوى بطالة بنسبة 4% بحلول عام 2012 فإن مستوى الأسعار سيكون أعلى مما هو عليه الآن، وربما يرتفع بنسبة 2% سنويا حتى يصل إلى 8%. واعتقد أن ذلك معقول. فالهم الأكبر أمامنا الآن هو الانكماش، ولا أعتقد أن أي شخص سليم التفكير سوف يحاول أن يخفض هذا المستوى من التضخم (4%) خصوصاً إذا ما أدى إلى تجنيبنا الانكماش، وجعل اقتصادنا سليماً وقادراً على إدامة نفسه بنفسه مرة ثانية.
وهناك سؤال مهم لا يفتأ يتردد من قبل الكثيرين وهو: لقد تمكنت الولايات المتحدة من توفير الأموال اللازمة لإنفاقها المبالغ فيه، من خلال الاقتراض من الصين وغيرها من الدول التي تحتفظ باحتياطيات مالية ضخمة، وهو ما ساعد على بقاء تكلفة الاقتراض منخفضة. وبما أن هذه الأموال لا تزال تلتمس الأمان في الأسواق الأميركية ـ رغم الأزمة الحالية- وهو ما يساعد في المحافظة على قيمة الدولار، فهل سيستمر هذا الوضع؟ والحقيقة أنني لا أشارك البعض اقتناعهم بأن الدولار الأميركي سيظل قويا على اعتبار أننا الملاذ الأخير للأمان المالي. ولا أعتقد أن هذا سيستمر. فالأزمة الحالية سرعان ما ستعلم الدول الآسيوية، وخصوصاً الصين، أنها بحاجة إلى التحول من التوجه إلى الاعتماد على الصادرات إلى بناء الاستهلاك المحلي إذا ما كانت تريد نمواً اقتصادياً مستمراً، وأنها بالتالي ستحتاج تلك الدولارات في الداخل بدلا من إيداعها في خزائن البنوك الأميركية.
بول صمويلسن
كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأميركي جون كينيدي.
حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1970
ينشر بترتيب خاص مع خدمة “تريبيون ميديا سيرفس”
جريدة الاتحاد