صفحات أخرى

3 سنوات على اعتصام أهالي المعتقلين في سوريا فماذا تحقق ؟

null

وعي شعبي وتعاطف سياسي وإصرار على لجنة تحقيق دولية

كتبت مي عبود أبي عقل:

تضيع خيمة اهالي المعتقلين في السجون السورية بين خيم اعتصام المعارضة، وتغرق الخيمة المثقلة بدموع الأمهات والاخوات والمضرجة بآهات اللوعة والحسرة والحيرة في بحر خيم السياسة الفارغة من أي قيمة او حق انسانيين. لكنها تبقى مميزة ولافتة لانها مزينة بصور الاحبة الضائعين والمفقودين المزروعين في القلب والوجدان والساكنين رموش العين.

منذ نحو سنة وخمسة أشهر تعد أحزاب المعارضة ووسائل اعلامها يوما بيوم المدة المنقضية على بدء اعتصام خيمها في وسط بيروت، لكن لا أحد في الموالاة ولا في المعارضة ولا في الحكومة ولا في الاحزاب والتيارات يبالي باعتصام أمهات فقدن أبناء وأزواجا، جريمتهم انهم أبرياء ولا ينتمون الى أي طرف سياسي، يبدأ هذا الاسبوع عامه الثالث، وهو الاطول في تاريخ المطالبة بحقوق الانسان.

دوليا

منذ سنوات لا يزال ملف المفقودين والمعتقلين في السجون السورية ولا أحد يعمل جديا على اقفاله، بل يتهرب الجميع من مواجهته ويكتفي البعض باستغلاله لاغراض سياسية واعلامية. والسؤال المطروح: ماذا حقق هذا الاعتصام بعد ثلاث سنوات؟

منذ اليوم الأول لانطلاقته في 11 نيسان 2005، أكد المعتصمون ان الهدف الاساسي لهذا الاعتصام هو الدعوة الى تشكيل لجنة تحقيق دولية لمعالجة قضية المعتقلين في السجون السورية. ورفعت يومها منظمة “سوليد” باسم الاهالي مذكرة الى الامم المتحدة ضمنتها ثلاث نقاط أساسية:

1 – اعتبار القرار 1559 غير مكتمل التنفيذ اذا لم تعالج قضية المعتقلين.

2 – الطلب من مجلس الامن انشاء لجنة تحقيق واسعة الصلاحيات للتحقق من جرائم الاختفاء القسري والاعتقال الاعتباطي على يد القوات السورية في لبنان.

3 – الطلب من اللجنة الدولية للصليب الاحمر دخول السجون السورية للتأكد من خلوها من اللبنانيين.

وتسلّم نسخة من هذه المذكرة الامين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان ومبعوثه الخاص تيري – رود لارسن.

وفي 26 ايار 2005 استقبلت الامينة العامة التنفيذية لمنظمة “الاسكوا” ميرفت تلاوي وفدا من الاهالي سلمها مذكرة عاجلة الى أنان ضمنها المطالب الآتية:

التحقق من حالات الاخفاء القسري للبنانيين على يد القوات السورية وأجهزة المخابرات في لبنان.

تأمين الاطلاق الفوري واللامشروط للبنانيين المعتقلين في سوريا.

الطلب من السلطات السورية وضع قائمة حديثة باللبنانيين الذين كانوا او لا يزالون معتقلين في السجون السورية وفي مراكز الاعتقال السرية من عام 1976 حتى 30 نيسان 2005، والذين أعدموا من دون محاكمة وتوفوا في مراكز الاعتقال السورية.

كشف المقابر الجماعية على الاراضي اللبنانية وخصوصا في محيط مقار المخابرات السورية والتي يوجد عنها مؤشرات ومعلومات واضحة.

كذلك شهدت خيمة الاعتصام زيارات موفدين دوليين أبرزهم الامين العام المساعد لكوفي أنان للشؤون السياسية ابرهيم عمبري والممثل الشخصي للأمين العام غير بيدرسون.

وكان الممثل الاقليمي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الانسان فرج فنيش يلتقيهم كل يوم ويتابع قضيتهم، خصوصا ان الخيمة منصوبة في حديقة جبران خليل جبران في وسط بيروت قبالة مبنى الاسكوا حيث مكاتب المفوضية.

لكن كل هذه المذكرات والزيارات لم تفض الى نتيجة فعلية لان انشاء لجنة تحقيق دولية تستوجب طلبا من الحكومة اللبنانية، الامر الذي لم يقم به حتى الان الرئيس السنيورة ولا يبدو انه في وارد القيام به لشفاء غليل الامهات والعائلات.

محليا

على الصعيد المحلي في 20 حزيران 2005 أصدر رئيس الحكومة في حينه نجيب ميقاتي القرار الرقم 43/2005 القاضي بتشكيل لجنة قوامها: النائب العام لدى محكمة الاستئناف في بيروت القاضي جوزف معماري رئيسا، وقاضي التحقيق لدى المحكمة العسكرية القاضي جورج رزق والعقيد في قوى الامن الداخلي طارق نجيم عضوين، “مهمتها جمع المعلومات المتوافرة عن المواطنين اللبنانيين المعتقلين في سجون الجمهورية العربية السورية وتأمين الاتصال بالسلطات القضائية والامنية والسورية المختصة لتحديد أمكنة وجودهم والتهم المنسوبة اليهم أو الاحكام القضائية الصادرة في حقهم، والعمل على اطلاقهم وتسليمهم الى القضاء اللبناني لاتخاذ الاجراءات المناسبة في حقهم وفق أحكام القوانين اللبنانية النافذة“.

وعقدت هذه اللجنة اجتماعات متقطعة مع لجنة سورية خاصة في جديدة يابوس على الحدود اللبنانية – السورية. وبعد التجديد لهذه اللجنة المشتركة مرات لم تصل الى أي نتيجة، وكان الجانب السوري ينفي كل مرة وجود أي من الاسماء المعروضة عليه في سجونه، بل بالعكس. وأتت المفاجأة الكبرى بمطالبة السوريين بمعرفة مصير 805 مفقودين من رعاياها في لبنان لم تسأل عنهم دولتهم على مدى ثلاثين عاما، و”تعويض ضحايا التمييز العنصري” وتهديد أحد أعضاء مجلس الشعب السوري برفع القضية الى الامم المتحدة.

لكن هذا النفي السوري لوجود مخفيين قسرا في سوريا، فضحه خروج ثلاثة معتقلين من سجونها خلال السنتين الفائتتين، هم جورج شلاويط وعلي ناصر وميلاد بركات يلتزمون الصمت المبرم، خوفا او تهديدا من دون شك!

وفي البيان الوزاري لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة في 28 حزيران 2005، أكدت الحكومة “التزامها متابعة قضية المفقودين والمعتقلين في السجون السورية عبر اللجنة اللبنانية – السورية التي تم الاتفاق عليها بين البلدين”، كما ورد في البيان، لكن اي بيان او توضيح لم يصدر عن الحكومة اللبنانية في شأن هذه اللجنة سوى بيانات روتينية تعلن تأجيل انعقاد الجلسات، كما ان الرئيس السنيورة استقبل مرة يتيمة وفدا من الاهالي ولم يعد الكرة ولم يرسل حتى مندوبا لتفقد “جيرانه” المعتصمين قرب مقره الموقت في السرايا. كذلك جرت مناقشة هذه القضية في جلسات الحوار التي عقدتها القيادات اللبنانية.

عريضة نيابية

وفي 24/3/2008، قبيل ايام من انعقاد القمة العربية، سلم 15 نائبا من قوى 14 آذار عريضة الى الرئيس السنيورة تطالبه “باتخاذ التدابير التي يمكن الدولة اللبنانية اتخاذها بالتفاهم مع الحكومة السورية او من دونها لايجاد حل نهائي لهذا الملف في اسرع وقت، عبر الطلب من الامين العام لجامعة الدول العربية السعي لجلاء مصير المفقودين والمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية خلال مهلة ثلاثة اشهر، وفي حال الرد السلبي للسلطات السورية المبادرة الى عرض هذه القضية على الامين العام للامم المتحدة لتشكيل لجنة تحقيق دولية واتخاذ كل ما يلزم من تدابير ملزمة”. وتجاوبا مع هذه العريضة، اشار الرئيس السنيورة الى هذا الموضوع في الكلمة التي توجه بها الى الملوك والرؤساء العرب عشية القمة العربية، معتبرا ان “ايجاد حل لبعض القضايا ومنها قضية المفقودين والمعتقلين اللبنانيين في سجون سوريا يضع العلاقات بين البلدين على مسار الاخوة الصادقة وحسن الجوار“.

وفي هذا الاطار، وردا على سؤالنا عن اللجوء الى الجامعة العربية عوض التوجه مباشرة الى الامم المتحدة، الامر الذي يعتبره الاهالي مضيعة للوقت، اكد المنسق العام لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد اربع نقاط:

اولا: ان رفع هذه المذكرة قبيل القمة العربية جاء من اجل الضغط على الجامعة العربية نفسها من النواب كي تتبنى هذا المطلب ولتكون وسيلة ضغط اضافية على الجانب السوري.

ثانيا: تتعهد قوى 14 آذار متابعة هذا الموضوع مع الرئيس السنيورة وان تطلب من حكومة لبنان فور انتهاء مهلة الثلاثة اشهر، واذا لم تتحرك الجامعة العربية في هذا الاتجاه ان يصار الى رفع شكوى الى مجلس الامن في هذا الامر. الموضوع ليس اذاً تضييعا للوقت، بل هو موضوع توقيت سياسي.

ثالثا: هناك قرار سياسي داخل 14 آذار بطرح هذا الموضوع من الباب العريض وتبنيه من كل فئات 14 آذار وليس الجانب المسيحي فقط، بدليل ان المذكرة التي قدمت الى الرئيس السنيورة وقعها نواب من كل الاطراف، وعلى رأسهم وليد جنبلاط.

رابعا: نحن نتعهد ممارسة الضغط اللازم على حكومة لبنان لانتقال الشكوى من الجامعة العربية الى مجلس الامن كما ورد في الشكوى. وقوى 14 آذار ستتبناها في هذه الحكومة وغيرها. والفرق بين الامس واليوم هو القرار السياسي. ففي السابق لم يكن هذا القرار قائما، وكانت الامور تتمغمغ في موضوع لجان مشتركة لبنانية – سورية، اليوم ثمة قرار سياسي من 14 آذار والحكومة ويتمثل بمواجهة النظام السياسي في لبنان“.

عاد

بعد ثلاث سنوات، ماذا يقول رئيس لجنة “سوليد” وصاحب فكرة الاعتصام غازي عاد؟ بألم ولوم كبيرين يجيب بأن “الهدف الاساس الذي قام من اجله الاعتصام والمتمثل بانشاء لجنة تحقيق دولية لم يتحقق ويا للاسف. ولكن في المقابل حصلت توعية شعبية على هذه القضية وكان اعتراف واسع من مختلف الاطراف السياسيين اللبنانيين بوجود هذه المشكلة، وتم ادراجها في البيان الوزاري والبحث فيها في جلسات الحوار. النفي السوري المتكرر وعدم اعترافهم بوجود معتقلين، الامر الذي تكذبه الوقائع، يجعلنا نصر اكثر على قيام تحقيق دولي كي نصل الى حقنا“.

واستدرك: “بما ان السوريين يطالبون بـ850 مفقودا في لبنان، ونحن ايضا بما يوازي هذا العدد، فلا بد من طرف ثالث لحل هذه المسألة، ومن انسب من الامم المتحدة للدخول على الخط والقيام بهذه المهمة؟“.

كل الكلام يبقى حبرا على ورق ولا يفي الاهالي والمعتقلين حقهم. صونيا ووداد وفيوليت ومئات الامهات والشقيقات المعتصمات منذ ثلاث سنوات في الخيمة الصغيرة في الهواء الطلق صبحا ومساء وصيفا وشتاء مزنرات بصور الاحبة المفقودين، لن يعيدهن الى بيوتهن وعائلاتهن سوى معرفة مصير الغائبين، احياء كانا ام امواتا.

والمطلوب امر واحد فقط: مبادرة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى الطلب رسميا وخطيا من الامم المتحدة تشكيل لجنة تحقيق دولية في جرائم الاعتقال والاخفاء القسري اسوة بجرائم القتل الاخرى التي حصلت في لبنان. والا فان سلسلة الخطف والاخفاء ستستمر من دون رادع تماما كما جرائم الاغتيال والارهاب التي تفتك بالانسان وبلبنان.
النهار- الجمعة 11 نيسان 2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى