شيخ سعودي يكفر كاتبين بصحيفة “الرياض” ويحرض على قتلهما
دبي – فراج اسماعيل
قال الكاتب السعودي عبدالله بن بجاد العتيبي إنه لن يتوقف عن الكتابة وطرح أفكاره وقناعاته رغم صدور فتوى بتكفيره والتحريض على قتله على خلفية مقال نشره في جريدة “الرياض”. وعبر عن استغرابه من الفتوى التي أصدرها الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك،
ووصفها في تصريح لـ”العربية.نت” بأنها تنتمي إلى القرون الوسطى. وأضاف إنها تنسجم انسجاما شبه كامل مع توجهات القاعدة وتحريض قادتها على القتل واستهداف المخالفين من كتاب ومثقفين ومسؤولين سياسيين أيضا. وكان الشيخ البراك يرد على سؤال بشأن ما جاء في مقال كتبه عبدالله بن بجاد في جريدة “الرياض” اليومية السعودية في عددها الصادر بتاريخ 7/1/2008 بعنوان “اسلام النص واسلام الصراع” ومقال آخر في الجريدة نفسها للكاتب يوسف أبا الخيل بعنوان “الآخر في ميزان الاسلام”. وطلب محاكمة كل منهما واستتابته فإذا لم يرجع عن قوله “وجب قتله مرتدا فلا يغسل ولا يكفَّن ، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون”. وقال بجاد في مقاله “إن المتصارعين في التراث ادخلوا على النص زيادات ليبرروا بها رغباتهم وأهدافهم، مستشهدا بحديث (أن تشهد ألا إله إلا الله) مشيرا إلى تجزئتهم له إلى جزئين كحد أدنى. وأضاف أنهم جعلوا الجزء الأول المقصود به “الكفر بالطاغوت” ونفي جميع الأديان والتأويلات الأخرى وتكفير المخالفين وقتالهم والبراءة منهم، وفسروا الجزء الثاني “إلا الله” على أنه “لا معبود بحق إلا الله، أو لا موجود إلا الله وغيرها من التفسيرات المشحونة والملغومة التي اختلفت باختلاف المدارس والفرق والمذاهب“.
وجاء في السؤال الذي طلب فتوى الشيخ عبدالرحمن البراك أن بجاد قرر في مقاله بأن من التشويه والتحريف لكلمة “لا إله إلا الله” القول بالكفر بالطاغوت ونفي سائر الديانات والتأويلات الأخرى أو أن معناها “لا معبود بحق إلا الله”. كما أشار السائل إلى مقال يوسف أبا الخيل وقال إنه “يقر فيه أن الإسلام لا يكفِّر من لا يدين به إلا إذا حال بين الناس وبين ممارسة حرية العقيدة التي يدينون بها، وأن دين الإسلام لا يكفر من لم يحارب الإسلام من الكتابيين أو من أتباع العقائد الأخرى، بل عدَّهم من الناجين“.
وجاء في رد الشيخ البراك “إن من نواقض الإسلام اعتقادَ أن أحداً يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فمن زعم أن اليهود والنصارى أو غيرهم أو طائفةً منهم لا يجب عليهم الإيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، ولا يجب عليهم اتباعه، فهو كافرٌ وإن شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله”. وتابع “وبهذا يتبين أن (من زعمَ أنه لا يكفرُ من الخارجين عن الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم ، إلا من حاربه) ، أو زعم (أن شهادة ألا إله إلا الله لا تقتضي الكفر بما يعبد من دون الله، والبراءة منه ومن عابديه، ولا تقتضي نفيَ كلِّ دينٍ غير دين الإسلام مما يتضمن عدم تكفير اليهود والنصارى وسائر المشركين) فإنه يكون قد وقع في ناقضٍ من نواقض الإسلام. واستطردت فتوى الشيخ عبدالرحمن البراك قائلة “يجب أن يحاكم ليرجع عن ذلك. فإن تابَ ورجع، وإلا وجب قتله مرتداً عن دين الإسلام، فلا يغسَّل ولا يكفَّن ، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون”. وعلق عبدالله بن بجاد في حديثه لـ(العربية نت) بأن “فتوى البراك تذكرنا بفتاوى أخرى أصدرها منظرو هذا التنظيم مثل محمود العدوة وناصر الفهد وعلي الخضير والذين كان الشيخ عبدالرحمن البراك يصدر ويوقع معهم البيانات سويا، فهو مقرب جدا من خطابهم ومن تفكيرهم”. وأكد أن “خطورة السكوت على هذا الأمر تجعله مرشحا للانتشار والتطبيق على أشخاص آخرين” مشيرا إلى أن “هذه الفتاوى تنشر الفوضى في المجتمع وتلغي دور مؤسسات الدولة”. وقال بجاد “لو رد البراك ردا علميا لرددت عليه بنفس الطريقة، ولو كتب بحثا في انتقادي لكتبت بحثا، لكن عندما يتحول إلى فتوى تكفير وتحريض بالقتل، فأعتقد أنني لست خصما له، وإنما خصمه مؤسسات الدولة المعنية بحفظ الأمن“.
وأوضح عبدالله بن بجاد في حديثه لـ(العربية نت) أن فتاوى التكفير بشأنه ليست جديدة “سبقت أن خرجت أكثر من فتوى، لكن بتلك الصورة والصياغة فهذا هو الأمر الخطير. في النهاية أنا كاتب لا أملك إلا قلما وهذا القلم لن أوقفه عن طرح قناعاتي لمجرد مثل هذه الفتاوى التحريضية”. أضاف: سأستمر في الكتابة في وفي عرض أفكاري، فإن ردوا ردا علميا ناقشتهم فيه، وإن كانت ردودهم عبارة عن فتاوى تكفير وتحريض على القتل، فأنا لا استطيع أن أجاريهم لأنني لا أملك أداة القتل مثلهم”. وعن مدى الثقل الذي تمثله فتاوى الشيخ عبدالرحمن بن براك قال بجاد: يملك ثقلا لدى القاعدة والمتعاطفين معها، وغير ذلك فليس له أي منصب رسمي في المؤسسة الدينية السعودية، ولا يمثل بعدا جماهيريا لدى عامة الناس، بل كثير منهم لا يعرفونه، ولكن المتطرفين والمتشددين يعرفونه جيدا لأنه شيخهم. وتساءل عبدالله بن بجاد: إلى متى تستمر فوضى الفتاوى خصوصا في موضوعات حساسة تصل إلى اخراج الناس من دينهم واتهامهم في عقيدتهم والتحريض على قتلهم؟.. واستطرد قائلا “اعتقد أننا بلغنا نهاية الفوضى باصدار كل شخص فتوى بتكفير آخر واخراجه من الدين والتحريض على قتله، ولو تكرر ذلك ستنتشر الفوضى، وتسود شريعة الغاب“.
وفيما يلي مقال عبدالله بن بجاد العتيبي: إسلام النصّ وإسلام الصراع! يعتبر صحيح مسلم من أصحّ الكتب المعتبرة في رواية الأحاديث النبوية وقد جاء فيه عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم اذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا احد. حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، وقال: “يا محمد أخبرني عن الإسلام”. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت اليه سبيلا)، قال : صدقت. فعجبنا له، يسأله ويصدقه؟ قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: ان تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: “ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ” قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: ” أن تلد الأمةُ ربتها، وان ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان”، ثم انطلق، فلبثت مليا، ثم قال :” يا عمر أتدري من السائل؟” قلت: “الله ورسوله أعلم “. قال: فإنه جبريل، اتاكم يعلمكم دينكم”. وجاء في الصحيح كذلك أنّ رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل علي غيرهن؟ قال: لا إلا أن تطوع، وصيام شهر رمضان، فقال: هل علي غيره؟ فقال: لا إلا أن تطوع. وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق” وفي رواية “أفلح وأبيه إن صدق” أو “دخل الجنة وأبيه إن صدق”. هكذا بكلّ منطق سهل ومباشر يقدّم الحديث الإسلام والإيمان للناس بعيداً عن أي عدائية أو تعقيد تجاه الآخر المختلف خارجياً أو داخلياً، غير أنّ البشر المتصارعين بطبيعتهم احتاجوا في صراعاتهم إلى استخدام كل أداةٍ ممكنةٍ ليوظّفوها في موازين القوى داخل خضم صراعاتهم، ولمّا كان العامل الديني عاملاً حاسماً وسلاحاً فتّاكاً في الصراع فلم يكن ممكناً أن يغفله المتصارعون، وهكذا كان. أدخل المتصارعون في التراث الدين كأداة صراعٍ وسلّطوا عليه آليات تأويلية وتفسيرية تخدم هدف كل جهة من المتصارعين وكل جماعة من المتناحرين، وباختلاف الأهداف والغايات اختلفت التأويلات والتفسيرات. وبما أنّ هذا الإسلام المباشر البسيط الذي عرضناه أعلاه لا ينفع في الصراعات من حيث أنّه دينٌ متسامحٌ جاء “رحمةً للعالمين”، بما أنّه كذلك فقد اضطر المتصارعون إلى تجزئته وتقطيعه ومن ثمّ إعادة بنائه وتركيبه ضمن منظومة تضمن خدمة أهدافهم الصراعية، وتشكّلت على هذا الأساس “إسلاماتٌ” تعبّر عن رؤية كلّ فريقٍ وتثبّت نظرية كلّ طائفة. ولنأخذ أمثلة على الزيادات التي أدخلها المتصارعون على النصّ ليبرّروا بها رغباتهم وأهدافهم، فمن ذلك أننا نجد الحديث السابق يقول: (أن تشهد ألا إله إلا الله)، غير أنّ المتصارعين لم يجدوا هذه العبارة كافية بالنسبة لهم للحكم بالإيمان والإسلام، بل رأوا أنه يجب أن تتم تجزئتها إلى جزءين كحدٍ أدنى: الجزء الأول (لا إله) والجزء الثاني (إلا الله)، ثم تأتي مرحلة الشحن التأويلي ومرحلة التعبئة التفسيرية، فيكون الجزء الأول: (لا إله) المقصود به هو “الكفر بالطاغوت” ونفي جميع “الأديان” و”التأويلات” الأخرى، ويضاف لذلك تكفير المخالفين وقتالهم والبراءة منهم، ثم يأتي دور الجزء الثاني: (إلا الله) لتتم تعبئتها كالتالي: أي لا معبود بحقٍ إلا الله، أو لا موجود إلا الله، أو غيرها من التفسيرات المشحونة والملغومة التي اختلفت باختلاف المدارس والفرق والمذاهب والطوائف، وعلى هذا فقس. وإذا كان هذا جزءا من التشويه الأيديولوجي لأهم مبدأٍ في الإسلام (الشهادتين) فما بالك بما دون ذلك من عقائد وشعائر، من روحانياتٍ وسلوكيات، من عبادات ومعاملات! إن الانحراف ضارب بأطنابه في الأذهان، طويلة ذيوله في التاريخ، مهيمنة تصوّراته على العقول، ومهمة الانعتاق من أغلاله وقيوده مهمة شاقة مرهقة وعرة مضنية، ولكن خوضها واجب على من امتلك الرؤية والقدرة، لعلّنا نمكّن كافة فئات الناس من النخبة إلى القاعدة، ومن رأس الهرم إلى قاعدته من التصالح مع إيمانهم من جهةٍ ومع واقعهم من جهةٍ أخرى، مع دينهم من ناحيةٍ ومع دنياهم من الناحية المقابلة، وإجمالاً أن يتمكنوا من المصالحة بين متطلبات الخلاص الروحي وواجبات البناء الحضاري. إنّ ما تلغيه التحريفات والتأويلات والتفسيرات الصراعية للإسلام لا تقلّ أهميّتها عن ما تثبته وتقرّره على أنّه الحقّ المطلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ذلك أنّ الملغى والمغيّب يترك آثاره على المشهد كما يتركه المعتمد والمثبت. من الطبيعي أنّ يثير مثل هذا الطرح سدنة القديم وحرّاس السائد وجنود المألوف، وأن يجلبوا بخيلهم ورجلهم عليه وعلى طارحيه، لأنه يزعزع المكتسبات الكثيرة التي يتمتّعون بها، وينزع مخالب السلطة التي يدلّون بها على الناس، ويكسر سيوفهم المصلتة على رقاب العباد، ولكن من الطبيعي أيضاً أن يصبح مثل هذا الطرح محلّ نقاشٍ وحوارٍ متواصلٍ حتى نعيد للإسلام رونقه ونمنح للواقع تنميته وللإنسان تصالحاته. إنّ التحريفات والتأويلات والتفسيرات الصراعيّة لا تؤمن أن “الدين المعاملة” وأنّ”حب الخير للناس” من أعظم العبادات، وتلغي من قاموسها أنّ الإسلام إنّما جاء “رحمة للعالمين” وتتجنى على كثيرٍ من المفاهيم المفترى عليها والمغيّبة قسراً عن التداول والتأثير، لتفسح المجال رحباً أمام تحويل الدين بكل قداسته إلى مجرد ترسانة أسلحة في حرب ذات معارك متعددة ومنتشرة في الزمان والمكان. سيكون على حاملي شعلة التغيير والمتشبّثين بأمل التطوير أن يتحمّلوا لأواء المتشددين وأن يستوعبوا ردّة فعل المتسربلين بالتراث البشري والملقين على أكتافه رداء القداسة، حتى يصلوا بشعلتهم غايتها، ويجعلوا أملهم واقعاً معيشاً على الأرض.
وهذا نص مقال يوسف أبا الخيال: الآخر في ميزان الإسلام * كنت في غاية الدهشة وأنا أقرأ مقالاً لأحد “الأكاديميين” الإسلاميين، يحصر فيه موقف الإسلام من مخالفيه بالموقف التكفيري البحت، انطلاقاً من أن الإسلام يكيف علاقته مع المخالفين له وفقاً لسياق “الغيرية الضدية” التي تكفر ماعداها من العقائد والديانات. ومصدر دهشتي أن هذه الرؤية، التي ضمَّنها ذلك “الأكاديمي” مقاله، تمثل بالنسبة له، على ما يبدو، مشروع حوار يتواصل بموجبه مع الآخر – الغربي تحديداً – بدليل أنه أعمل منطقه الثنائي (مسلم/كافر) عند حديثه – كما ذكر – مع أحد موظفي مؤسسة (راند) الأمريكان، حينما أراد أن يشرح له معنى الكفر في الإسلام، حيث سأله أولاً بقوله: هل تعتقد أن ديني صحيح بالنسبة لك؟ وعندما أجابه صاحبه بالنفي – وفقاً لما ذكره – عقَّب عليه بقوله: وأنا كذلك بالنسبة لدينك. عنذئذ، شرح لمحاوره كلمة “الكفر” في “الإسلام” بأنها تعني أن “الآخر لا يؤمن بما نعتقده”. وبمعنى ضمني، أكد له أن كلاً منهما يجب أن يكفر صاحبه ليكون مطبقاً لتعاليم دينه!! ولجلاء موقف الإسلام من مخالفيه الذي اختزلته التقليدية الماضوية في دائرة التكفير والتكفير المضاد، لا بين الإسلام وغيره من الأديان الأخرى فحسب. بل بين المذاهب الإسلامية نفسها، يجدر بنا أن نستعرض منهجية القرآن في تحديده لعلاقة الإسلام بالأديان الأخرى التي كانت متواجدة في محيطه الزمني وقت تنزله. ولما كان الإسلام في جوهره ثورة على الظلم والاستبداد والتحكم بمصائر الناس، ولما كان الشرك رأسَ الظلم كما قال تعالى عنه (إن الشرك لظلم عظيم)، فقد كانت رسالته، في مضمونها، دعوة إلى إحياء التوحيد الإبراهيمي القائم أساساً على تأسيس علاقة مباشرة بين العبد وبين ربه بإزالة الوسائط المصطنعة، سواءً أكانت من جنس الأصنام التي كان مشركوا العرب يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى – أو كانت أيديولوجيات (تصنم) البشر – كما كانت عليه الحال مع عقيدة التثليث المسيحية التي تبنتها الإمبراطورية الرومانية عندما تنصرت في الثلث الأول من القرن الثالث الميلادي. في موازاة رسالة الإسلام التوحيدية، جاءت ردة الفعل التي أبدتها الديانات الموجودة في المحيط الزمني للدعوة المحمدية على ثلاثة أضرب: – الضرب الأول منها: تلك التي حاربت الدعوة الجديدة (أيديولوجيا)، استشعاراً منها بخطرها على مصالحها الاقتصادية ممثلة بالموارد التي كانت تدرها (مزارات) الأصنام في مكة وباقي أجزاء شبه الجزيرة العربية لمصلحة الملأ من قريش من جهة، وبالعوائد الضخمة من القرابين التي كان يجنيها القيمون على الكنائس المسيحية الرومانية من جهة أخرى، كما تمثلت أيضاً بالعوائد الربوية الكبيرة التي كان يجنيها المرابون اليهود خاصة، والذين سيحاربون الدعوة المحمدية عندما تنتقل فيما بعد إلى المدينة. وتنحصر هذه العقائد – تقربياً – في مشركي العرب والمسيحيين من أتباع عقيدة التثليث واليهود فيما بعد بالمدينة. – الضرب الثاني منها: تلك التي كانت متقاطعة مع أدبيات الدعوة المحمدية، لأنها وجدتها دعوة لنفس ما كانت تدعو إليه من وحدانية الله، وتمثلت هذه بالمذاهب المسيحية التي رفضت عقيدة التلثيث، والتي زُندِقت وهُرطِقت من قبل المجمعات المسكونية الرومانية التي أقرت تلك العقيدة، ويأتي على رأس تلك المذاهب التوحيدية، المذهب الأريوسي الذي أسسه القسيس (آريوس). كما تمثلت أيضاً بالحنفاء الأوائل الذين نأوا بأنفسهم منذ البداية عن عبادة الأصنام. – في حين كان الضرب الثالث منها حيادياً تجاه مسيرة الدعوة المحمدية، كما كان الحال مع الصابئة. والسؤال هنا: هل (كفَّر) الإسلام كل تلك الأديان؟ قبل الإجابة على هذا السؤال، يجدر بنا معرفة الأصل اللغوي لمصطلح التكفير، حيث أن القرآن نزل وفقاً لمعهود العرب اللغوي والحضاري، ولا يمكن فهم نصوصه إلا من خلال الرجوع إلى ذلك المعهود. فمعنى (الكفر) في اللغة العربية (الستر والإخفاء)، ولذلك أُطلِق لقب الكافر على الزارع الذي يخفي البذور في الأرض كما في قوله تعالى (كمثل غيث أعجب الكفار نباته)، قال القرطبي في تفسيره: الكفار هنا: الزُرَّاع لأنهن يغطون البذور. كما أطلق على الليل الذي يخفي كل شيء بظلمته كما في قول لبيد (في ليلة كَفَرَ النجومَ غمامُها) .ومن هنا فقد جاء موقف الإسلام من الأديان المزامنة له مختلفا، وفقاً لمدى (إخفائها) حقيقة التوحيد من عدمه. وهذا الإخفاء لا يكون بعدم اتباع رسالته كما يتوهم البعض، بل يكون بحربها والتضييق على أتباعها بالوسائل المختلفة. فبالنسبة للشرك والمشركين: فقد تحدد موقف الإسلام منهم بقوله تعالى (قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون) وبقوله تعالى أيضاً (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها). وبالنسبة لعقيدة التثليث الشركية، فقد حدد موقفه منها بقوله تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم، وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة) وبقوله تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) وكفرهم هنا يعني إخفاءهم حقيقة بشرية المسيح، مما يجعل التكفير منصباً أساساً على القسس والرهبان الذين يعرفون حقيقة المسيح، ولا يتعداهم إلى العامة المُلبَّس عليهم. أما موقف الإسلام من اليهود، فمن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبرهم، عندما انتقل إلى المدينة، من ضمن رعايا دولته، وذلك بأن آخى بينهم وبين المسلمين من خلال عقد صحيفة المدينة التي ضمنت لهم حقوقهم بالمساواة مع المسلمين. وفوق ذلك أشارت إليهم الصحيفة بلقب ديني محبب إليهم (يهود) ولم تعتبرهم الصحيفة كفاراً رغم بقائهم على دينهم. إلا أن الأمر اختلف عندما انبرت طوائف منهم لحرب الإسلام ومظاهرة مشركي قريش عليه وإخفائهم حقيقة الإسلام ونبيه اللذين يجدونهما مكتوبين عندهم في التوراة، حيث نزل قرآن المدينة بتكفير المعتدين منهم فقط، من جنس قوله تعالى (إن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) وقوله تعالى (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين). أما من لم يحارب الإسلام، سواءً من الكتابيين الموحدين أو من أتباع العقائد الأخرى: فلم يرمهم الإسلام بالكفر على الرغم من بقائهم على دينهم، بل اعتبرهم من ضمن الفرق الناجية. يؤكد ذلك قوله تعالى في حق المذاهب المسيحية التي رفضت عقيدة التثليث (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون) وكذلك قوله تعالى في حق الكتابيين عموماً ممن بقوا على دينهم ولم يحاربوا الإسلام، كما بقية الطوائف الأخرى التي بقيت على الحياد من رسالة الإسلام (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا يحزنون). ومما يدل على أن القرآن لا يضع مخالفيه كلهم في خانة واحدة، أنه استخدم (مِن) التبعيضية عند حديثه عن أهل الكتاب، كما في قوله تعالى (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم) ومفهوم المخالفة هنا أن من أهل الكتاب من ليس بكافر، يؤيد ذلك أنه عطف المشركين كلهم على من كفر من أهل الكتاب ولم يستخدم في حقهم (من التبعيضية). كما يؤيد ذلك أيضاً قوله تعالى (ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون). وربما يقول قائل: إن من أثنى عليهم القرآن، سواءً من أهل الكتاب أو من أتباع العقائد الأخرى، قد دخلوا مسبقاً في الإسلام. وأنا أقول: لو كان الأمر كذلك، لما نعتهم بالنصارى أو بالذين هادوا أو بالصابئين، ولسماهم مسلمين. والإسلام مضمون ديني يتسع في القرآن ليشمل الديانات السماوية التي تنتمي إلى دين إبراهيم كما في قوله تعالى (إن الدين عند الله الإسلام)، وكذلك (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه)، فالمقصود بالإسلام هنا هو دين إبراهيم، دين التوحيد، في مقابل الشرك. وهذا الإسلام – على خلاف ما يريده المتشددون والمتنطعون – لا يكفر مخالفيه لمجرد عدم اتباعهم رسالته، بل يكفَّر منهم فقط من يحول بين الناس وبين ممارستهم لحرية العقيدة التي كفلها لهم. ولم يلتبس الأمر إلا عندما اخترع الفقهاء مصطلح “دار الحرب” في مقابل مصطلح “دار الإسلام” زمن الفتوحات. فأصبحت دار الحرب تعني حينها كافة المجتمعات والدول التي لا تنضوي تحت لواء الدولة الإسلامية التي تمثل بدورها دار الإسلام، مما سمح بتعدية مصطلح “الكفر” لاحقاً ليكون وصفاً لكل من لا يدين بالإسلام.
وهذا نص السؤال واجابة الشيخ عبدالرحمن البراك فضيلة الشيخ/ عبدالرحمن بن ناصر البراك سلمه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : فقد شاع في كثيرٍ من الكتابات الصحفية جملةٌ من المخالفات الشرعية المصادمة لأحكام الشرع المطهَّر. وفي الفترة الأخيرة تجاوزت تلك الكتابات إلى المساس بقاعدة الدين ومفاهيمه الكبرى. فقد نشر بجريدة الرياض عدد (14441) مقالةٌ بعنوان : (إسلام النص، وإسلام الصراع)، قرَّر كاتبها أن من التشويه والتحريف لكلمة (لاإله إلا الله) القول باقتضائها الكفر بالطاغوت ونفي سائر الديانات والتأويلات، أو أن معناها : (لامعبود بحقٍ إلا الله). ونشر بالجريدة نفسها في العدد (14419) مقالةٌ بعنوان : (الآخر في ميزان الإسلام) قرَّر كاتبها أن الإسلام لا يكفِّر من لا يدين به إلا إذا حال بين الناس وبين ممارسة حرية العقيدة التي يدينون بها. وزعم أن دين الإسلام ـ خلافاً لرأي المتشددين ـ لا يكفر من لم يحارب الإسلام من الكتابيين أو من أتباع العقائد الأخرى، بل عدَّهم من الناجين. وبرفق السؤال صورة من المقالتين المذكورتين. فما قولكم في ذلك حفظكم الله. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته … الحمدلله . فإن من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم عامةٌ للبشرية كلها ، بل للثقلين الجنِّ والإنسِ. فمن لم يقرَّ بعموم رسالته فما شهد أن محمداً رسول الله، مثل من يقول : إنه رسولٌ إلى العرب، أو إلى غير اليهود والنصارى. ومقتضى عموم رسالته أنه يجب على جميعِ البشر الإيمان به واتباعه. سواءٌ في ذلك الكتابيون اليهود والنصارى، أو الأميون وهم سائر الأمم. قال ـ تعالى ـ : (فإن حاجُّوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعنْ. وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم. فإن أسلموا فقد اهتدوا. وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصيرٌ بالعباد). وقال ـ تعالى ـ : (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً). وفي الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصةً ، وبعثت إلى الناس عامةً). وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عليه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (والذي نفس محمدٍ بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة ؛ يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ. ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار). ومن هذا الأصل أخذ العلماء أن من نواقض الإسلام اعتقادَ أن أحداً يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فمن زعم أن اليهود والنصارى أو غيرهم أو طائفةً منهم لا يجب عليهم الإيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، ولا يجب عليهم اتباعه، فهو كافرٌ وإن شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وبهذا يتبين أن (من زعمَ أنه لا يكفرُ من الخارجين عن الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم ، إلا من حاربه) ، أو زعم (أن شهادة ألا إله إلا الله لا تقتضي الكفر بما يعبد من دون الله، والبراءة منه ومن عابديه، ولا تقتضي نفيَ كلِّ دينٍ غير دين الإسلام مما يتضمن عدم تكفير اليهود والنصارى وسائر المشركين) فإنه يكون قد وقع في ناقضٍ من نواقض الإسلام. فيجب أن يحاكم ليرجع عن ذلك. فإن تابَ ورجع، وإلا وجب قتله مرتداً عن دين الإسلام، فلا يغسَّل ولا يكفَّن ، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون. فنعوذُ بالله من الخذلان وعمى القلوب، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. وإن من المؤسف المخزي نشر مقالاتٍ تتضمن هذا النوع من الكفر في بعض صحف هذه البلاد المملكة العربية السعودية؛ بلاد الحرمين. فيجب على ولاة الأمور محاسبة هذه الصحف على نشر مثل هذا الباطل الذي يشوِّهُ سمعة هذه البلاد وصورتها الغالية. وليعلم الجميع أنه يشترك في إثم هذه المقالات الكفرية كل من له أثرٌ في نشرها وترويجها من خلال الصحف وغيرها ، كرؤساء التحرير فمن دونهم كلٌ بحسبه. فليتقوا الله وليقدروا مسؤوليتهم و مقامهم بين يدي الله. نسأل الله أن يهديَ الجميع إلى صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين. وصلى الله على محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين. أملاه عبدالرحمن بن ناصر البراك. غرة ربيع الأول 1429هـ.
العربية نت
الله ينصر فضيلة الشيخ عبدالرحمن البراك و للمعلومية فقد اقر الشيخ البراك عدد كبير من المشايخ منهم فضيلة الشيخ العلامة صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء و عضو اللجنة الدائمة للإفتاء وعندي نص الفتوى من الشيخ الفوزان بخط يده و ايظا ايده فضيلة الشيخ العلامة عبدالله الجبرين و فضيلة الشيخ اللحيدان رئيس مجلس القضاء الاعلى بهيئة الدائمة و الشيخ البراك لم يكفره بعينة و انما قال من اعتقد هذا عليه التوبة و يجب ان يستتاب و ان ابى حكم بالردة .وقد سبق ان كفر الشيخ العلامة الوالد عبدالعزيز بن باز كاتب صحفي . ارجوا النشر